قراءة في محطات المجلس العام !!! بقلم / سهيل سرور

298

ابين اليوم – بقلم / سهيل سرور بن ثوعار

قراءة في محطات المجلس العام لأبناء المهرة وسقطري :
▪️دواعي التأسيس.
▪️الفكرة .
▪️الرؤية .
▪️المأمول و الواقع.
▪️الانحراف .
▪️مشروعية التصحيح.

بينما كانت أحداث الثورة الشبابية اليمنية العظيمة تلتهب في معظم ربوع اليمن ، كانتا محافظتي المهرة وسقطرى هادئتين تماما ؛ فلم يكن لما يجري في الشمال ،أو الجنوب فيهما صدىً يذكر عدا الأخبار المتداولة ؛ حتى أن المراقب ليظن للوهلة الأولى أنهما ليستا من اليمن ، أو أن الشعبين يعيشان في قصور عالية ! والحقيقة أن ذلك مرده لأسباب كثيرة اجتماعية ، وسياسية وجغرافية أهمها : التهميش الذي طالهما لعقودٍ خاصة في مجال ممارسة الحقوق السياسية ؛ ما أحدث لهما عزلةً شبه تامة ؛ فغلب عليهما طابعهما البدوي المتمرد من تكوينه على قيْد المؤسسات والنُظم التي لم تُعره اهتماماً ،و لم يحتك هو فيها ؛فآثر جُل المجتمع الإنزواء عن الدولة الرسمية، ومؤسساتها المدنية ، والانصراف إلى شؤون حياته المعيشية البحتة التي لم توفر مقوماتها الدولة الرسمية .

وإذا ما نظرنا إلي طبيعة الممارسة السياسية المتاحة فِعْلياً في النظام الجمهوري اليمني علي مر مراحله ، وما كفلته الدساتير ظاهراً ، وجدنا ثمار الاستحقاقات ظلت حِكرا على مراكز الأحزاب التقليدية ، ومَنْ مثلها في المهرة وسقطرى أكتفى بوكالة الإعلان لها لسد فراغ المشاركة الصُّوَرية لتكلمة العدد ، وبالتالي لم يتأسس أيُّ عمل مدني حقيقي من واقع ممارسة فعلية ، (برغم الخبرات والتجارب التي حظت بها شخصيات مهرية مرموقة) فظل العمل الرسمي والمدني في دوائر بسيطة غير مؤثرة لا تعدو المحيط الضيق للأشخاص الذين تمكنوا من دخلول تلك الدواليب بشكل أو بآخر بحكم ما فرضه عليهم الواقع . وربما القصور ليس في الأشخاص أنفسهم ؛ فالمتاح هو انعكاس حالة فساد سياسي عام سُخر كله لتكريس وضع قائم لنظم شمولية لا يمكن الخروج عليها أو اختراقها . وساعد على استمرار ذلك العزوف العام عن الاشتغال بالسياسة ، لضيق مساحاتها، ولأنها باختصار لا تؤكل عيشا ؛ فكان النأيُ عنها نأيُ الجغرافيا نفسها عن مجريات الأحداث وصنع القرار ؛ زد على ذلك التغريب الممنهج ، والتجهيل المتعمد .

لهذا وجدنا أبناء المهرة وسقطرى متأخرين عن مواكبة بدايات الثورة ، وقد نظروا إليها بداية بشئ من الريبة ؛ فالتقلبات السياسية التي مرت عليهم من ٦٧م إلى ٢٠١١ م و على مر مراحلها المختلفة ، برغم ما حملت من شعارات ووعود بالتغيير، والإصلاح لم تُنْصفهم يوما ، بل ظلمتهم أيَّما ظلم ، ويبدو أن الذاكرة الجمعية محتفظة بتفاصيل كل شيء، والنفوس فيها ما فيها من الكمد والشك !

فرض الواقع نفسه على المحافظتين ، وما يجرى بدأ ينعكس عليهما تدريجيا (وإن تأخر قليلا وبصورة مختلفة) ! فمع مرور الوقت ، وتدحرج أحداث الثورة ، اقتحم صدى شعارات الثوار موانع الجغرافيا واجتازت فلوات الصحارى ليلهب المشاعر في كل مكان، والتي أيقظت ما في النفوس من تَوْق مكنون إلى الحرية ، و العدالة، والكرامة ، واستعادة الحقوق ؛ فما يمتلكونه من إرث وتاريخ ، وخصوصية هويةوثقافة ، ومظلوميات سجل ضخم تنوء بحمله الجبال ، وبالرغم من محاولات طيّه عمدا في الخمسين سنة الماضية ؛ إلا أنه عاد ماثلا بكل موقماته وتفاصيله من أول هبة ، ولكنه اصطدم بالواقع الهش للمنظومة السياسية والاجتماعية المحلية التي لم تتشكل لها معالم ، والأفق الخالي الذي لا تلوح فيه رؤية .. فكيف سيواكبون الأحداث المتسارعة ، وكيف سيلبون حجم التطلعات ؟!

هناك شخصيات عامة وشيوخ وكوادر على قدر المسؤولية ، غير أن البيئة السياسية والاجتماعية والرسمية لم تكن مواتية ولا مساعده لخلق توجه عام منظم يأخذ بزمام المبادرة بسرعة ؛ فحَدَثُ الثورة نفسه بتلك الطريقة الفجائية باغت الجميع ، ولم يكن أحد ليتصور ما يحدث حتى يستعد له .

وبينما الجميع في تلك الحالة من الترقب والحيرة : بين المتجاهل والغافل ،وبين المتفاعل والمواكب المتردد الذي لا يدري ماذا يفعل أو من أين يبدأ !! .. إذا بجمع من شيوخ، ووجهاء المهرة ( لا يتجاوز عددهم أصابع اليد) يرمون حجراً في البركة الراكدة لتحريك مياهها، والتي انكشفت على الفور عن بركان يغلي عزيمةً ورغبةً وهمةً للتغير والبذل ؛ فكان الأمر أشبه بجمر ملتهب وقد ذرأ عنه الرياح رماده .
هؤلاء هم :

  • الشيخ محسن علي ياسر

  • اللواء / أحمد المجيبي (قحطان)

  • الشيخ / سعد علي مخبال

  • الشيخ / علي سالم الحريزي

  • الشيخ / توكل سالم ياسين

  • الشيخ / سعيد محمد سعدان

تكونت لديهم فكرة إنشاء مؤسسة سياسية مجتمعية تظم شتات العمل الوطني العام وتنظم جهوده لمواكبة الأحداث وتلبية التطلعات على أُسُسِ خصوصية التاريخ والثقافة والهوية والجغرافيا فيكون هناك مطلب بإقليم خاص لأبناء المهرة وسقطري على حدود ٦٧م . و جرّت الأفكار بعضها لتفتح أُفقاً جديداً أحدث نقلةً نوعيةً على مستوى المحافظتين في مجال العمل الوطني العام المشترك في وقت قياسي لم يكن متوقعا .

وانظم الشيخ عبدالله آل عفرار الي الجمع ووافق على تكوين مجلس عام لأبناء المهرة وسقطري مهمته ((مشروع الإقليم )) للمحافظين من منطلق المقومات التاريخية والهوية التي تجمعهما . وصيغت الرؤية بحرفية عالية كانت عُصارة تجارب ومراس وبُعْد نظر في وثيقة محكمة ، كاملة ، شاملة وافية ، عرّفت ماهية المؤسسة الجديدة بوضوح ، وحددت أهدافها ، ومراحلها وآلية العمل وفقها .

لاقى العمل الجديد ومشروعه قبولا وتأييدا و إجماعا منقطع النظير من أبناء المهرة وسقطرى ، وانطلق العمل الجماعي تحت مظلته بقيادة الشيخ عبدالله آل عفرار و كان المأمول الحفاظ على زخم الإجماع والوفاق ، وتوحيد الجهود والطاقات والإمكانات لتفعيل هيئات المجلس وهياكله بأقصى طاقة ممكنة على كل المستويات داخليا وخارجيا بما يحقق الأهداف المنشودة . كان المأمول ترسيخ مبدأ العمل المؤسسي المحكوم باللوائح والأنظمة والشفافية والمشورة ولكن الذي غلب على طابع تصرفات قيادة المجلس العام مع مرور الوقت هو الحماس والارتجال ما أدى إلى الإنفراد باتخاذ القرارات والمواقف والمهام ، بعيدا عن المتفق عليه في العمل المؤسسي المنضبط الذي يقتضي مراجعات وتقييمات ومشورة وتنظيم . تراجع دور المجلس العام تدريجيا ، وترهلت هياكله ولم يكن مواكبا بدوره المرسوم مجريات الأحداث ، وتقلص عمله ومهامه في دوائر فردية ضيقة ، ومناسبات بسيطة، وبرغم محاولات الإصلاح من الداخل لم تقبل القيادة لا من قريب ولا بعيد أي نصح أو إرشاد لإجراء تقيم لمسيرة المجلس وادواره ومهامه وعضوياته كما كان متفق عليه في نظام تأسيسه . وربما ذلك الوضع إلى حد ما كان مقبولا لدى معظم الطيف المهري السقطري العريض بحكم الثقة و مادامه لم يخرج عن سياق الرؤية المهرية السقطرية والإجماع برغم ما رصد على أداء القيادة ومواقفها من مآخذ مريبه . استمر الحال على ما هو عليه حتى جاء الافتراق الذي لا مناص عنه؛ عندما فاجأ الشيخ عبدالله الجميع بالخروج على المسار والوطني العام والرؤية وما هو متفق عليه بالإنضواء تحت عباء المجلس الانتقالي المنقلب على مؤسسات الدولة في عدن وسقطرى والعمل له صراحة في المهرة لاستنساخ تجربة سقطرى ، كذلك تأييده المطلق للمحور الإقليمي الذي يسعى إلى بسط نفوذه على اليمن .

انتفض المهرة في وجه الشيخ عبدالله ، ورفضوا توجهه بازاحته من منصبه مباشرة ، وتعيين الشيخ محمد عبدالله آل عفرار خلفا له في رئاسة المجلس العام وهذا طبعا بعد مشاورات ومراجعات وتوافقات عامة استندت إلى ما ساشير إليه بالتفصيل أدناه، وبهذا تمكنوا من استعادة مؤسستهم الجامعة وتصحيح مسارها وهياكلها وهيئاتها وبرامجها قبل نفاذ محاولة اختطافها وتسخيرها لخدمة المجلس الانتقالي والأجندات السعودية والإماراتية .

وعند الحديث عن مشروعية التصحيح والتأكيد الفعلي على انتهاء دور الشيخ عبدالله آل عفرار في المجلس العام ، لا بد من التذكير بأن ذلك تم وفق إجراءات صحيحة وسليمة فالمتفق عليه في ٢٠١٢ يحدد بوضوح أن الجمعية العمومية(المؤسسين) ووثيقة الرؤية العامة هما مرجعية التصحيح وليس فرد بعينه ؛ والواقع أن المجلس العام السابق اختلت جميع أركانه من حيث الشكل والمضمون ، ما جعله في حكم المنحل تلقائيا ، أو المنتهي الصلاحية . فمن حيث شكله التنظيمي والقانوني نجده قد جمّد كل هيئاته ومهامه وتفرق معظم أعضائه بين المكونات والتوجهات (عدا عدة أشخاص في الأمانة وبعض الدوائر الشكلية لاستصدار البيانات الخاصة ) وبهذا لم يعد بالإمكان تحقيق نصاب قانوني يُقيم هيكل أو يُجيز قرار من داخل المجلس نفسه . و من ناحية المضمون فقد خرج المجلس السابق عن سياسة الرؤية العامة كليا ، ونسف محددات اجماع العمل العام بإنضوائه تحت راية كيان اجنبي خارج على القانون والدستور (المجلس الانتقالي) بقرار فردي ، بعيدا عن المؤسسة ما أدى إلى خروج سقطرى عن حسبة الرؤية وشق الصف المهري السقطري حتى تعذر نهائيا وجود جمعية عمومية موسعة يمكن الاحتكام إليها .

وأمام هذا الوضع نجد أن الذين قاموا بتصحيح المجلس العام عادوا إلى أصل نشأة المجلس، إلى المؤسسين الفعليين آخر ما تبقى من المؤسسة نفسها وهو المسوق الطبيعي الصحيح المتاح الذي يمكنهم من العمل على فكرة التجديد الكلي من جديد بحكم أن القائم منحل من تلقاء نفسه قياسا بوثيقة التأسيس والنصاب القانوني للهياكل والجمعية العمومية .

الآن نتوقع أن يضطلع المجلس الجديد بمهامه ودوره على أكمل وجه وبسرعة، وأن يؤسس لعمل مؤسسي منضبط يمكنه من مواكبة الأحداث وحمل ملف مشروع الإقليم وتوحيد الصفوف و الجهود واستثمار الطاقات بأفضل ما يكون .

والمأمول من الشرعية اليمنية وكل مكونات الشعب اليمني شمالا وجنوبا أن يبادلوا الوفاء بالوفاء والإحسان بالإحسان، لأن أبناء المهرة وسقطرى آثروا حفظ ما تبقى من الدولة والعمل وفق قانونها ودستورها لحفظ مكانتها ووحدتها ضد من يعمل على تمزيقها وتسليمها للاطماع الخارجية ، برغم تهميشهم وظلمهم لعقود، وهم الآن يطالبون بحقوقهم المشروعة التي لا تنازل عنها مهما كانت التضحيات في إطار دولة اتحادية تعددية فدرالية تحفظ للجميع حقوقهم .