الحرب في اليمن.. مرحلة متقدمة من الصراع الدولي في المنطقة.. “تقرير“..!

485

أبين اليوم – تقارير

تتضح يوماً بعد آخر ملامح الأجندات الدولية المتعارضة والمتضاربة في اليمن، والتي يُعدُّ الصراع في اليمن جزءاً منها، كما تتضح الأهداف المتقاطعة لهذه الأجندات، والتي تحركها الأطماع الاقتصادية في المقام الأول، بالنظر إلى الثروات الواعدة التي تكتنزها البلاد، إلى جانب أطماع السيطرة على الموقع الجغرافي الذي تتموضع فيه اليمن.

تعتبر اليمن بوابة لشبه الجزيرة العربية، وتشرف على مضيق باب المندب، أهم ممر للتجارة الدولية، وتقع على المياه المفتوحة على البحر العربي والمحيط الهندي من جهة، والبحر الأحمر الرابط بين ثلاث قارات (آسيا وإفريقيا وأوروبا) من جهة أخرى، وكل ذلك يجعل منها دولة ذات تأثير كبير على منطقتي الخليج والقرن الأفريقي، وحتى شمالي الجزيرة العربية وأفريقيا المرتبطتين بأوروبا، فمن يملك نفوذاً في اليمن سيحكم أحد أهم طرق التجارة العالمية التي تغذي الشرق والغرب.

وتؤكد الكثير من الدراسات الاستراتيجية أن الأطماع الدولية التي يُعدّ الصراع في اليمن جزءاً متقدماً منها، حرصت على تهيئة المنطقة المحيطة بمضيق باب المندب، ليصبح أي تدخل دولي فيها مبرراً، وذلك من خلال جعل الممر الذي يعتبر أحد أهم المضائق العالمية، ممراً مضطرباً تؤثر فيه سلسلة من التحديات لدول مُطلة عليه تعاني من هشاشة أنظمتها والصراعات الداخلية، وتنعكس سلباً على أمن وسلامة ممر التجارة الدولي.

ويشير تقرير صادر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) إلى أن القرن الإفريقي شهد انتشاراً للقواعد العسكرية الأجنبية وحشداً للقوات البحرية منذ عام 2001م. والجانب الأكثر وضوحاً لهذا الوجود هو انتشار المنشآت العسكرية حول مضيق باب المندب، عند مدخل البحر الأحمر وخليج عدن، بذرائع مواجهة القرصنة البحرية والعمليات الإرهابية، أو بدواعي حفظ مصالح تلك الدول بحماية المضيق، أو لتوسعها في القرن الأفريقي.

وبحسب الباحثين والمهتمين، يتم توصيف الاضطراب الذي تشهده اليمن منذ بدء التحالف شن الحرب في العام 2015، وما أنتجته هذه الحرب من صراعات على امتداد الجغرافيا اليمنية، بأنه صراع على الثروة، تحركه أطماع قوى إقليمية وعالمية، حيث تمتلك اليمن الواقعة على حافة قارة آسيا، والطرف الجنوبي من شبه الجزيرة العربية، عدداً من قطاعات الاستكشاف البحرية المعروضة لصناعة النفط، والتي يتوفر منها حتى الآن أحد عشر قطاعاً مُستكشفاً، ثلاثة منها في البحر الأحمر، وأربعة في منطقتي المكلا وسيحوت قبالة الساحل الجنوبي الشرقي، وأربعة أخرى بالقرب من جزيرة سقطرى، وجميعها اكتشفت خلال الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، ولم يتم التنقيب فيها حتى الآن، إضافة إلى قطاعات أخرى برية لا تزال غير مستكشفة.

وبحسب تقرير أعده مركز أبعاد للدراسات، فإن الدراسات الأخيرة تشير إلى أن القطاعات المُستكشفة قد وصلت معظمها إلى مرحلة النضوج، وسط احتمالات واعدة بالحصول على “احتياطات” ضخمة من الغاز والنفط.

وحدد التقرير عدد الأحواض الرسوبية في اليمن 13 حوضاً رسوبياً تتوزع على مساحة كبيرة من البلاد، حيث تؤكد المعلومات الجيولوجية أنها تمتلك إمكانات بترولية لعدد منها والأخرى ظهور مؤشرات جيدة تشير إلى وجود العناصر الرئيسية اللازمة لتراكمات بترولية، بينها ثلاثة أحواض من حقب قديمة جداً مثل “حوض صنعاء” و”حوض الربع الخالي” و”حوض سقطرى”.

ونقل التقرير عن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، أن اليمن تمتلك احتياطيات نفطية مؤكدة تبلغ حوالي 3 مليارات برميل و17 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، فيما تشير المعلومات الحكومية إلى أن إجمالي النفط المكتشف حتى 2006م كان 9.7 مليار برميل نفط، في القطاعات المنتجة وعددها 11 قطاعاً، غير القطاعات الـ 15 التي عُرض على الشركات النفطية العالمية التنافس عليها عام 2013م.

وكانت الحكومة قد عرضت في مارس 2013م 15 قطاعاً نفطياً “بحرياً وبرياً” للتنافس عليها من قبل الشركات النفطية العالمية، بينها 10 قطاعات بحرية وخمسة قطاعات برية.

والقطاعات البحرية التي أُعلن التنافس فيها هي:

– قطاع الحديدة 23 في حوض تهامة البحر الأحمر..
– وقطاع عتب 62 حوض المكلا – سيحوت”،..
– وقطاع ميدي 55 حوض تهامة البحر الأحمر..
– وقطاع مصينعة 61 حوض المكلا – سيحوت..
– قطاع كمران 22 حوض تهامة البحر الأحمر..
– وقطاع بحري 92 حوض سقطرى..
– وقطاع القمر 16 حوض جيزع – قمر..
– وقطاع رأس مومي 93 حوض سقطرى..
– وقطاع عبد الكوري 94 حوض سقطرى..
– وقطاع سمحة 95 في حوض سقطرى..

أما القطاعات البرية فتشمل:

– قطاع شمال سناو 12 بحوض الربع الخالي..
– وقطاع شمال الخضراء 79 حوض الربع الخالي..
– وقطاع شحن 54 حوض الربع الخالي..
– وقطاع جنوب سار 80 حوض المسيلة – سيئون..
– وقطاع وادي دعيبر 88 حوض المسيلة – سيئون..

وبين أطماع إقليمية وأطماع دولية، يتخذ الصراع في اليمن أشكالاً أكثر تعقيداً.. فبالنسبة للقوى الإقليمية المتورطة في الحرب باليمن، وتأتي على رأسها السعودية والإمارات، اللتان تعمدان إلى إستخدام أتباعها المحليين الذين تمولهم وتحدد خارطة تحركاتهم، في تنفيذ مخططاتها وأطماعها في اليمن..

يضاف إلى ذلك ضمن خارطة الأطماع الإقليمية الأجندة التركية القطرية، التي تستأثر بجانب كبير من الأتباع المحليين (حزب الإصلاح والجماعات المتطرفة المرتبطة به)، وبهذا فإن الحرب التي تُشن على اليمن منذ عام 2015، يأتي ضمن أجندات متعددة ومتصارعة، بعضها مرتبط بصراع إقليمي حول مصالح إستراتيجية، وبعضها متعلق بصراع القوى الدولية.

وفي ظل الصراع الدائر في اليمن، تعمد القوى العالمية المهيمنة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، إلى إفساح المجال للاعبين الإقليميين ليتصدروا الدور الاستعماري الذي من شأنه أن يمهد الطريق أمام أطماعها، وذلك هو ما تقوم به كل من السعودية والإمارات، المدفوعتين بأطماع تتعلق بالسيطرة على المياه الإقليمية اليمنية والممر الدولي الحيوي فيها.

وتسعى الإمارات من خلال تحركاتها الاستعمارية في اليمن وفق أطماع تتعلق برفع مكانتها الجيوسياسية، واكتسابها بعداً بحرياً، عبر السيطرة على طرق الشحن المهمة استراتيجياً في المنطقة.

يريد الإماراتيون سيطرة فعلية على معظم الشريط الساحلي اليمني، ونفوذاً على المحافظات والمناطق القريبة من الساحل والتي تتضمن النفط والغاز. وهو ضمن استراتيجية جيوسياسية في المنطقة، حيث تحركت الإمارات أيضاً لتوسيع وجودها وتأثيرها حول مضيق باب المندب، بالإضافة إلى قواعدها البحرية في “عصب” بإريتريا، وبربرة في أرض الصومال، كما أصبحت تسيطر أيضاً على جزيرة سقطرى اليمنية، فيما بات ينظر إليها فعلياً من قبل اليمنيين باعتبارها قوة استعمارية تحاول السيطرة على مضيق باب المندب.

وترتبط التحركات والأطماع الإماراتية بأجندة دولة الكيان الصهيوني، للوصول إلى المياه الإقليمية اليمنية، ومنطقة باب المندب، فبعد أيام من إعلان الإمارات تطبيعها مع “إسرائيل” في مايو الماضي، قالت تقارير إن “الإمارات وإسرائيل” عازمتان على إنشاء مرافق عسكرية واستخبارية في جزيرة سقطرى اليمنية.

مشيرةً إلى أن وفداً مشتركاً من ضباط المخابرات الإسرائيلية وصل إلى جزيرة سقطرى، برفقة ضباط استخبارات من الإمارات، وقاموا معاً بفحص مواقع مختلفة للقواعد الاستخباراتية التي سيتم وضعها هناك.

وقامت الإمارات ببناء قاعدة عسكرية متقدمة في منطقة “بلحاف” بمحافظة شبوة، وهو ميناء الغاز المسال، ومنعت حكومة هادي من بيعه، كما تحاول إيجاد بدائل جديدة للحصول على الغاز بدلاً من اعتمادها على جارتها قطر، في حال توسع الخلافات بين الدولتين.

وإلى جانب الغاز المسال تمنع الإمارات الحكومة اليمنية من بيع النفط، وتسيطر على معظم الموانئ لتصدير النفط: “النشيمة” في شبوة، و”الشحر” في حضرموت، كما تعمل الإمارات على تعطيل ميناء عدن الذي يُعدُّ أخطر منافس لموانئ جبل علي التابعة لها، بالإضافة إلى سيطرتها على ميناء المخا الاستراتيجي على البحر الأحمر وإيقافه عن العمل، بعد تحويله والمناطق المحيطة به إلى قاعدة عسكرية.

وسبق أن تحدث المسؤولون الإسرائيليون أكثر من مرة عن كون اليمن قد تصبح منطلقاً لهجمات صاروخية (بصواريخ إيرانية)، تستهدف “إسرائيل”، وهو ما اعتبره مراقبون محاولة لاستثمار تلك الذريعة، للحصول على مرافق مخابراتية وعسكرية بالقرب من باب المندب وفي أرخبيل سقطرى بدعم من الإمارات وحلفائها في اليمن “المجلس الانتقالي الجنوبي والقوات التابعة لطارق صالح”، بمبرر مراقبة النشاط الإيراني والصيني، وحتى الباكستاني، في بحر العرب ومضيق باب المندب.

من جهة ثانية، مثل الحرص على استمرار الهيمنة السعودية على اليمن، والتحكم بقراره السياسي والسيادي معاً، ومنعه من استغلال ثرواته، والتوسع في أراضيه، الدافع للمملكة إلى إعلان تزعم تحالف الحرب والحصار، وتمثل محافظات شبوة وحضرموت والمهرة، مناطق “حُلم السعودية العظمى” منذ عقود، حيث تريد المملكة العربية السعودية الحصول على منفذ يوصل إلى بحر العرب لتصدير النفط بدلاً من الاعتماد على مياه الخليج ومضيق هرمز حيث تتزايد الأزمة مع إيران.

وتسير السعودية في استراتيجيتها، حيث سبق أن قامت بتحويل محافظة خرخير (تابعة لمنطقة نجران جنوب السعودية) إلى مخزن للنفط الخام وإجلاء جميع سكانها، حيث يمكن مد أنبوب نفطي وإنشاء ميناء في المهرة بتكاليف أقل وفي وقت قياسي، مقارنة بميناء المكلا الذي كان ضمن استراتيجية السعودية القديمة، وتفيد المعلومات بأن السعودية قد شرعت خلال السنة الماضية بالفعل في بناء الميناء ومدّ أنبوب النفط، كما تقوم بشق طريق دولي بطول 300 كلم، يبدأ من حدودها حتى ساحل المهرة، ضمن الأطماع السعودية في اليمن.

البوابة الإخبارية اليمنية