مبادرة طريق البن اليمني..!

227

بقلم/ أشرف شنيف

لقد ارتبط إسم البن اليمني باسم “موكا” نسبة لميناء “المخا” اليمني الذي كان يصدر منه نحو دول العالم، ومنه أتت الهوية للبن اليمني نحو البن العربي كمنتج ذو جودة عالية مقارنة بجودة البن للدول الأخرى، ومنه انتشر البن اليمني تحت مسمى “البن العربي” لتزرع حبوبه في أمريكا اللاتينية أو شرق أفريقيا أو شبه الجزيرة العربية أو آسيا..

كما تزرع حبوب “البن روبوستا” في غرب ووسط أفريقيا وفي جميع أنحاء جنوب شرق آسيا، وإلى حد ما في البرازيل. حتى صار للبن سوق السلع العالمية والتي تعد واحدة من أكثر السلع الزراعية المتداولة حول العالم، ويتم تداولها في العقود الآجلة في العديد من المبادلات التجارية ،بما في ذلك مجلس نيويورك التجاري وبورصة نيويورك التجارية أنتركونتيننتال وسوق لندن للأوراق المالية الدولية والآجلة، يعتبر ميناء هامبورغ في ألمانيا أكبر مكان لنقل القهوة في العالم.

في المقابل، نرى إهتمام إقليمي ودولي بزراعة وتجارة البن والاستفادة من الفرص التي تقدمها البيئة الخارجية لتلك الاستثمارات، مستغلة لهوية المنتج اليمني العربي وآخرها في السعودية التي تروج للبن الجيزاني السعودي وهو في الأساس منتج يمني وفق رؤية 2030 لتنويع موارد السعودية بعيداً عن موارد النفط..

يتعزز ذلك التهديد مع وجود إهتمام رسمي وخاص لزراعة وانتاج وتجارة البن الأثيوبي، وكل تلك الدول تسوقه على أساس انه ذو جودة عالية بينما لا ترقى تلك المنتجات للجودة اليمنية، ومنذ عام 2009 كانت البرازيل الرائدة عالميا في إنتاج القهوة الخضراء، تليها فيتنام واندونيسيا وكولومبيا وإثيوبيا، وصار اقتصاد تلك الدول تعتمد اعتماد كبير على تلك السلعة التي كان مصدرها اليمن السعيد، بينما تراجع انتاجها في اليمن مقارنة بتلك السلع ولم يعد سلعة استراتيجية.

في نفس السياق، نجد أن الظروف الملائمة لزراعة وانتاج وتطوير وتجارة البن وتوالت الحكومات اليمنية دون وجود استراتيجية وطنية تشجع زراعة البن اليمني ليعود إلى سابق عهده كسفير للجمهورية اليمنية وللعرب ويعزز الهوية الوطنية لليمن، ويستفيد منه المزارع والتاجر والاقتصاد الوطني وفق رؤية شاملة متكاملة بين القطاعات الخاص والعام والمختلط، كما لم نجد شركات يمنية عملاقة تسهم في هذا الجانب برؤية اقتصادية وتجارية وزراعية توظف كل طاقاتها وتستفيد من الفرص الاستثمارية في اليمن..

ليتحول الانتاج من مجرد مبادرات فردية وتجارة صغيرة إلى إنتاج تجاري وفق أعلى معايير الجودة العالمية بغرض اعادة الهوية اليمنية للمنتج كسلعة استراتيجية اقتصادية يمنية تسهم في انعاش الاقتصاد اليمني وتعزيز الصادرات ودخول العملة الصعبة لليمن والحد من البطالة.

وعلى نفس الصعيد، لقد وصل الإنتاج العام من محصول القهوة – حسب المراجع التاريخية – في القرنين السابع عشر والثامن عشر إلى ما يقارب الأربعين ألف طن سنوياً، لتصدِّر اليمن منها ما بين 30 و35 ألف طن سنوياً إلى وجهات وأسواق عالمية كبرى في دول الغرب والشرق، واستمرت شهرة اليمن العالمية والاقتصادية مرتكزة على تجارة محصول القهوة حتى أواخر القرن التاسع عشر، لكن محصول الثروة السمراء شهد تراجعاً بسبب الحروب العالمية وعدم الإستقرار في الشرق الأوسط في بدايات القرن العشرين..

عزز ذلك عدم الاستقرار السياسي في اليمن منذ منتصف القرن حتى نهايته وصولاً إلى العدوان والحصار الذي أدى لتراجع إنتاج وزراعة وتجارة البن لتصل حسب إحصائيات إلى 21 طن سنويا، مع تزايد التحذيرات حول ما يمثله الحصار من تحديات لاستمرار زراعة البن بسبب إغلاق المنافذ الجوية والبحرية والعقبات التي تواجه تجار البن لتصديره بالاضافة إلى صعوبات التحويلات المالية وارتفاع عمولات التحويل.

في الأخير، أجد من المهم وجود استراتيجية وطنية لزراعة وتجارة البن، ومن الممكن تأسيس مبادرة وطنية تحت مسمى “طريق البن اليمني” تستند تلك المبادرة على الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية، وفي شقها الاقتصادي لاستغلال ميناء المخا وقربه من الطرق الملاحية الدولية وكذا المنافذ الجوية لتصدير البن عالميا، والمنافذ البرية لتصدير البن إقليمياً، في ظل شراكة وثيقة بين القطاعين الخاص والعام لزراعة وتطوير وانتاج وتجارة وتصنيع البن..

ومن المهم توفير جودة عالمية عبر مختبرات متخصصة ومعايير تذوق تحافظ على الجودة للوصول إلى صنع “علامة تجارية” يمنية عالمية عن طريق المنفذ الواحد، وتسويق الفرص الاستثمارية في هذا المجال مع تقديم التسهيلات اللازمة والامتيازات حتى نهوض ووقوف هذا المنتج، ولابد من تحالفات اقتصادية دولية تدعم هذا القطاع الحيوي والاستراتيجي بما يعزز النهوض الاقتصادي للجمهورية اليمنية.