اليمن .. لا لسياسة التطبيع مع الكيان الصهيوني بقلم/ د. حسن زيد بن عقيل

200

ابين اليوم – بقلم/ د. حسن زيد بن عقيل

إسرائيل تدخل القرن الحادي والعشرين وتنظر إلى منطقتنا من موقع الثقة. في البداية ، سعت مع دول مجلس التعاون الخليجي إلى تدمير بعض الدول العربية الكبرى ، مثل سوريا والعراق وليبيا واليمن. وبعد ذلك تم توقيع معاهدات لتطبيع العلاقات مع الإمارات والبحرين ثم السودان والمغرب على حساب القضية الفلسطينية. بالنسبة للبقية ، تعيش أزمات سياسية واقتصادية ، مثل الجزائر وتونس والأردن ولبنان . وللأسف فإن هذا التدهور غير المسبوق الذي يشهده العالم العربي اليوم يحدث بدعم كامل من دول مجلس التعاون الخليجي التي استسلمت و سخرت كل قدراتها الاقتصادية والمالية والسياسية والعسكرية لمصلحة اسرائيل . كذلك أصبحت الأمم المتحدة شريكة لإسرائيل. لنأخذ ، على سبيل المثال ، ما فعلته هذه المنظمة الدولية باليمن خلال عام 2020 كمثال: في هذا العام 2020 عقد مجلس الأمن (14) اجتماعاً حول اليمن: { 13 يناير ، 16 يناير ، 18 فبراير ، 25 فبراير ، 12 مارس ، 16 أبريل ، 22 أبريل ، 14 مايو ، 14 يوليو ، 15 يوليو ، 28 يوليو ، 15 سبتمبر ، 15 أكتوبر ، 11 نوفمبر} ، القرارات التي اتخذها هي ثلاثة {2505 ، 2511 ، 2534} والبيانات ستة على النحو التالي : { في ( 30 يناير) SC / 14094 ، و في ( 10 أبريل ) SC / 14159 ، و في ( 29 أبريل ) SC / 14176 ، و في ( 29 يونيو ) SC / 14233 ، و في ( 16 أكتوبر ) SC / 14329 و في (13 ديسمبر) SC / 14384} ، ننظر الى المحتوى نجده واحد ومكرر ( تم تسجيل تقدٌّم …الخ أو عندما يشعرون بالخجل يقولون : تقدٌّم محدود ولكنه ثابت … الخ ) . هذه القرارات تتعلق بشكل أساسي بالساحل الغربي ، الحديدة والمخا والذباب وباب المندب وجزر أخرى مثل جزيرة بريم (ميون) ، ونحن نعلم أهمية هذه الجزيرة بالنسبة لإسرائيل. صرح بذلك وزير الخارجية الإسرائيلي في 29/6/1966 قال: إذا وقعت جزيرة بريم (ميون) في أيدي معادية ، فقد ينشأ وضع خطير ، كما حدث في خليج العقبة وعلى نطاق أوسع و خطير . في هذه الفترة إيران الشاه كانت حليف لإسرائيل و الغرب ، إذا لا توجد أيدي معادية غير الأيدي العربية الوطنية الداعمة للقضية الفلسطينية . لهذا طلب وزير الخارجية الإسرائيلي في 1966 من بريطانيا بعدم الانسحاب من الجزيرة والاحتفاظ بها حتى يتم وضعها تحت الإدارة الدولية . الإجابة جاءت من الحكومة اليمنية في صنعاء (22 يوليو 1967 م) مؤكدة للرأي العربي والدولي أنها ستقاوم بحزم أي محاولة لتدويل جزيرة بريم ، وسوف تستخدم حقها في الدفاع عن أراضيها وأمنها من التجزئة و الإنتقاص .
لهذا السبب فإن اليمن من وجهة نظر “إسرائيلية” لا تخرج عن دائرة الصراع العربي الإسرائيلي ، وهي مدرجة في قائمة التهديدات التي ترصدها وتدرسها مراكز الدراسات والبحوث الإسرائيلية المختلفة لمعالجتها و البحث عن مزايا استراتيجية . تخبرنا المنشورات الصهيونية أن إسرائيل حاولت وتحاول إقامة قاعدة عسكرية على الجزر اليمنية ولم تنجح في تحقيق رغباتها. الآن وجدت إسرائيل في شخص رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي ، عيدروس الزبيدي ، حليف الإمارات العربية المتحدة ، الذي أيد طموحاتها. وأكد استعداد المجلس للتطبيع الكامل للعلاقات مع “إسرائيل” في حال عودة “دولة اليمن الجنوبي”. وسبقت تصريحات الزبيدي اقتراحات من نائب رئيس المجلس الانتقالي ، هاني بن بريك ، الذي أعرب في عدة مناسبات عن رغبته في ” لقاء الإسرائيليين وإبرام مصالحة معهم لصالح الإنسانية والسلام العالمي”. كان هذا في أكتوبر 2018. هذه التصريحات غريبة وفردية ، فقد صدرت عن مكون سياسي يمني واحد هو المجلس الانتقالي الجنوبي . وبسبب هذا البيان ، تعرض المجلس الانتقالي لانتقادات ورفض من قبل جميع القوى السياسية الجنوبية المؤثرة والفاعلة ، بما في ذلك الأعضاء الذين اتفقوا معهم في موضوع الانفصال ، وعلى وجه الخصوص مجلس الحراك الثوري الجنوبي بقيادة حسن باعوم ، بالإضافة إلى مكونات غير انفصالية . وهذا يدل على أن قضية العداء تجاه “إسرائيل” متجذرة في الثقافة والنفسية اليمنية وتتجاوز كل الانقسامات السياسية في اليمن.
لكن إسرائيل اعتبرت إعلان المجلس الانتقالي وقربه منها معلما هاماً . احتفلت صحيفة “إسرائيل اليوم” المقربة من نتنياهو بـ “الصديق الجديد” في اليمن واعتبرته نتيجة إيجابية وتطورا مهما. إلا أن القادة الإسرائيليين لم يهتموا بالكثير من التصريحات ومواقف التطبيع التي أصدرها المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن ، حسب اعتقادهم بأن الوضع لا يزال هشًا ومؤقتًا ، وأن المجلس يبيعهم مواقف لأهداف وطموحات سياسية . لكن ما يُطمئن إسرائيل هو سيطرة الإمارات على بعض قدرات اليمن وجزره . فضلا عن قوتها و نفوذها وسيطرتها على المجلس الانتقالي الجنوبي هذا سمح لإسرائيل بالتواجد في اليمن تحت غطاء الإمارات (المجلس الانتقالي الجنوبي) أو الشركات الأجنبية. على سبيل المثال ، كشف موقع بازفيد أن الإمارات استأجرت مرتزقة أمريكيين لتدريب القادة العسكريين للميليشيات اليمنية ” الحزام الأمني والنخب العسكرية في المحافظات” في أبو ظبي ، التابعة اسمياً للمجلس الانتقالي الجنوبي . وتشمل مهام هذه الشركات أيضًا تنفيذ جرائم القتل في عدن ومحافظات يمنية أخرى . بالفعل نفذت شركة “سباير أوبريشنز” الأمنية عشرات جرائم القتل ضد معارضين للإمارات والمجلس الانتقالي في محافظة عدن . لم تكن هذه الشركة الأمريكية الوحيدة التي وظفتها الإمارات في اليمن . هناك شركات أخرى مثل ” نيفي سيل ” تمتلك هذه الشركة أقوى الفرق وأكثرها كفاءة في البحرية الأمريكية ، ويعود تاريخ الفرقة إلى خمسينيات القرن الماضي. لعبت فرقة ” نيفي سيل ” دورًا مهمًا خلال حرب فيتنام وفي الصومال وأفغانستان والعراق . لرئيس الولايات المتحدة ، بصفته القائد العام للقوات المسلحة ، الحق في تحريك ” نيفي سيل ” و غيرها من وحدات “مكافحة الإرهاب” الأخرى وتكليفهم بمهام دون الرجوع إلى وكالة المخابرات المركزية . ومن هنا تبرز البصمات المميزة لدور الولايات المتحدة في حرب اليمن . بدأ أعضاء هذه الشركات الأمنية الإرهابية الأمريكية بالظهور في شوارع عدن من 29 ديسمبر 2015 وكانت مهمتهم تنفيذ جرائم القتل . ومن أولى مهامهم محاولة اغتيال المواطن اليمني إنصاف علي محمد مايو ، النائب اليمني ، عضو مجلس النواب ، للدورة البرلمانية 2003-2009 ، عضو حزب الإصلاح. جرت هذه العملية في عام 2015 وهذا يؤكد يد التحالف القذرة منذ البداية ، وهي العملية التي قد تمت قبل إنشاء المجلس الانتقالي في أبريل 2017 . إذا حصل الاغتيال الآن ، سوف تعلن وسائل الإعلام هذا عبارة عن تصفيات حساب بين المجلس الانتقالي و حزب الاصلاح . وهذا يعني أن الإمارات بعد تأسيس المجلس الإنتقالي تمارس كل الجرائم و تسيطر على بعض المواقع الحيوية في اليمن ، مثل جزيرة سقطرى ومدينة عدن ، وكذلك جزيرة ميون وباب المندب ..الخ ، و تستخدم العناصر الموالية للمجلس الانتقالي كمرتزقة لأغراض مختلفة و كل هذا يتم تحت غطاء المجلس الانتقالي . الآن لا يختلف وضع المجلس الانتقالي عن الشرعية (الرئيس هادي) ، فكلاهما مع احترامي لهم ، دمى في نظر التحالف السعودي الإماراتي ، عندما يتحولان إلى أوراق محروقة ، سيتم إلقاؤهما في أقرب مكب نفايات .
إسرائيل على علم ان وضع المجلس الانتقالي هش و مؤقت مثل غيره من مكونات الحراك الجنوبي ، وأن المجلس الانتقالي يبيع المواقف لأهداف وطموحات سياسية ، فيما لا يزال تمثيله على الأرض محدودًا. ان أنشطة المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة عيدروس الزبيدي وهاني بن بريك ، تقوض أهداف قرار مجلس الأمن 2216 (2015) وتنتهك الفقرتين 1 و 6 من القرار الذي يطالب جميع الأطراف اليمنية بالامتناع عن الإجراءات الأحادية الجانب التي تقوض الانتقال السياسي السلمي . إسرائيل تعتمد على السعودية بسبب موقعها الجغرافي ودورها وحجمها وثروتها. لذلك فإن “إسرائيل” قلقة على أمن واستقرار الحكومة في الرياض وتتجنب تداعيات الهزيمة العسكرية وانعكاساتها المحتملة على الداخل السعودي ، و كذا انعكاساتها على دول محور التطبيع . لذلك فإن الإسرائيليين يعرفون أن اتفاقية التطبيع مع السعودية مهمة وقد تم التوصل إليها ، لكن هذا لم يتحقق علناً إلا بمساعدة الرياض في هزيمة أنصار الله في صنعاء. إن مهاجمة المجلس الإنتقالي لأنصار الله هي خدمة لإسرائيل . صحيح توجد مصالح اقتصادية مهمة لإسرائيل في اليمن ، لكن هناك مصالح أخرى . في سبتمبر 2020 ، كشفت إسرائيل عن خطة ، بحسب صحيفة “غلوبس” الإسرائيلية ، تقترح إنشاء خط أنابيب نفط سعودي ـ إسرائيلي من شأنه أن يقلل التهديدات الأمنية والاقتصادية للنفط المعتمد على الطرق البحرية . لكن هذا الاقتراح لا يحل محل باب المندب ، باستثناء صادرات النفط والبتروكيماويات الموجهة للتصدير إلى أوروبا وأمريكا عبر البحر الأبيض المتوسط. نعم ، تعتمد إسرائيل على الشحن البحري في معظم تجارتها. وبحسب “هآرتس” فإن 90٪ من الواردات والصادرات “الإسرائيلية” تتم عبر البحر و 12٪ من هذه العمليات تمر عبر مضيق باب المندب. لكن الموقع الجيوسياسي لليمن ، الذي يشرف على أحد أهم المضائق في العالم ، هو باب المندب ، وهو الممر البحري الوحيد للكيان الإسرائيلي إلى الشرق . بناء على هذا عبرت الصحف الإسرائيلية مرارًا وتكرارًا عن مخاوف إسرائيل من سيطرة إيران بالتعاون مع حلفائها ، أنصار الله ، على باب المندب واستهداف السفن العسكرية الإسرائيلية في عرض البحر الأحمر من الساحل اليمني . لهذا السبب ، تجد المؤسسة الأمنية الإسرائيلية نفسها قلقة على اليمن . لذلك ، فإن دعم المجلس الانتقالي لسياسة التطبيع مع إسرائيل والخضوع لسياسة الإمارات الخارجية وصمة عار في التاريخ السياسي للمجلس الانتقالي .
ننصح إخواننا في الحركة السياسية اليمنية بالتوحد حول المقاومة وطرد الغزاة السعوديين والإماراتيين وحلفائهم الأمريكيين والصهاينة من أرض اليمن الطاهرة ، من جزيرة ميون والمخا في الغرب إلى “ميناء شحن” على الحدود مع سلطنة عمان في الشرق ومن حجة وصعدة شمالا إلى أرخبيل سقطرى في الجنوب . قد صدق الأستاذ الدكتور أبو بكر القربي وزير الخارجية اليمني الأسبق عندما قال أن ” الحرب في اليمن لن تتوقف بمبادرة تقدم من أي طرف ما لم تكن مقنعة للجميع و تشمل خطة متكاملة للحل السياسي الشامل الذي يضمن لليمن سيادته و وحدته و ينهي التدخل في شؤونه ” . أن السيادة والوحدة وعدم التدخل في الشؤون اليمنية هذه أهم الأسس لأي مبادرة .