في قلب الحرب ..اليمنيون يشعلون ثورة “البن اليمني“.. “تقرير“..!

4٬260

أبين اليوم – تقارير

في صنعاء، تتواصل المبادرات التي من شأنها أن تقود الى إعادة الاعتبار لشجرة البن، وللقيمة التاريخية والحضارية لهذا المحصول النقدي بكونه هوية واقتصاد في آن واحد.

المفارقة المثيرة، أن يستعيد اليمنيون تاريخية الحضور اللامع للبن ورمزيته الحضارية اليمنية، في قلب لحظات تاريخية حاسمة، وفي معترك حرب شرسة وحصار جائر، تقوده في اليمن، المملكة السعودية والامارات ومن راءهما الفاعلين الدوليين منذ حوالي سبع سنوات.

وقبل أيام اختتمت فعاليات مهرجان ومعرض “ثورة البن اليمني”، تحت شعار “تنمية وحماية البن مسؤوليتنا جميعاً”، والمهرجان بهدف تشجيع زراعة البن ودعم مزارعيه، الذين تضرروا خلال حرب متواصلة منذ نحو سبع سنوات، مع تراجع الطلب عليه من الخارج.

ويمكن أن يكون البن مصدر دخل جيد للكثير من اليمنيين وعائداً قومياً للبلاد، خاصة وأنه يعد أهم منتجات اليمن، ويتمتع بشهرة في أنحاء العالم. لكن الحرب ألقت بظلالها على إنتاجه، وتراجعت زراعته جراء عوامل منها شح الأمطار وانعدام الحواجز المائية وشح الوقود المساعد على ري تلك النبتة، فضلا عن تفضيل البعض لزراعة نبتة “القات”.

وبسبب الحرب أيضًا تضاءلت زراعة البن، بعد عزوف المزارعين عنه لعدة أسباب تتعلق أغلبها بمعوقات الحرب. لكن الآن، وبعد نحو سبع سنوات على الحرب، برز توجه متزايد لدى المزارعين نحو زراعة البن، مصحوبًا بحركة من رجال المال والأعمال داخل البلاد وخارجها للاستثمار في تسويق المنتج الزراعي وتصديره.

ونقل موقع الترا صوت عن مزارعين يمنيون قولهم: “علمتنا الظروف التي أنتجتها الحرب أن نعود إلى مهنة الأجداد وهي الزراعة التي نأمن الجوع من خلالها”.

وفي مارس من العام 2019، احتفى نشطاء يمنيون بيوم البن اليمني، الذي أسموه بـ”عيد موكا”. وفي الفعالية، ركز القائمون على مسألة تشجيع المزارعين المحليين على زراعة البن.
وتنمو أشجار البن في الوديان حيث المناخ الدافئ والأكثر رطوبة، وكذا في السفوح والمدرجات الجبلية، وعلى ارتفاعات تتراوح بين 700 و2400 متر فوق سطح البحر.

وتعد مناطق: حراز وبنطي مطر والحيمتين وعمران وأنس والعدين وبرع وبني حماد، من أشهر المناطق التي يزرع فيها البن اليمني، بأشكاله وأحجامه وأسمائه المتنوعة، التي عادة ما تنسب إلى مناطق زراعته.

قال رئيس الحكومة في صنعاء، الدكتور عبد العزيز بن حبتور في كلمته خلال تدشين المهرجان: “لو ركزنا على زراعة البن والاهتمام به لما احتجنا إلى الغاز والنفط في اقتصادنا، مؤكدا أن تصدير البن سيحل لنا جزء كبيرا من العملة الصعبة”.

وأكد وزير الزراعة والري المهندس عبدالملك الثور، أن وزارته عملت على تعزيز البنية الأساسية لمشاتل الوزارة لإنتاج شتلات البن بغرض زيادة المساحة المزروعة منه حيث يصل إنتاج مشاتل الوزارة حاليا إلى أكثر من مليون شتلة بن في السنة. وقال” هناك استراتيجية لتطوير زراعة البن وتعزيز إنتاجيته كمحصول ومورد اقتصادي هام يسهم في رفد الاقتصاد الوطني”. وأضاف: ” لدى اليمن فرصة لزيادة إنتاج البن عالي الجودة الذي سيعطي عوائد كبرى للاقتصاد القومي”..

وتعود جودة البن اليمني إلى اعتدال مناخ البلاد على مدار العام وتنوّع تضاريسها، بجانب المهارة المتوارثة لدى المزارع اليمني.

وبحسب احصائيات رسمية، تقدر المساحة الزراعية المخصصة للبن حاليًا، في مختلف أنحاء اليمن، بنحو 34.5 ألف هكتار (345 كيلومتر مربع).. ولا زال أغلب المزارعين اليمنيين، يستخدمون نفس الطرق القديمة، التي تعود لمئات السنين، في زراعة وحصاد البن.

ويبلغ الإنتاج المحلي من البن في الوقت الحالي، أكثر من 20 ألف طن، وفقًا لسمير العتمي، مدير إدارة البن بوزارة الزراعة والري بصنعاء، في تصريحات صحفية.
ووفقا للعتمي فإن وزارته تطمح للوصول بالإنتاج إلى 50 ألف طن. وقال من أجل ذلك، اتجهت الوزارة لغرس مليون شتلة بن، والاهتمام بالبرك وصيانة المشاتل”.

في الآونة الخيرة، تزايد الطلب عالميًا على البن اليمني ذو الجودة العالية، وارتفع ثمنه حتى وصل سعر الكيلو منه إلى 20 دولار أمريكي في الأسواق الأوروبية. كما وصل ثمن كوب قهوة البن اليمني المباع في المقاهي الأمريكية إلى 16 دولارًا.

ومنذ مئات السنين، تزدهر زراعة وتجارة البن في اليمن. ومنذ القرن الـ 17، عرف البن اليمني طريقه لأوروبا عبر الشركات البريطانية والفرنسية والهولندية.

واستمر التنافس بين هذه الشركات على البن اليمني حتى القرن الـ 18، عندما بلغ إنتاج البن ذروته، بعد أن أنشأ الهولنديون مصنعًا للبن في مدينة المخا، ومنها بدأوا في تصديره. وكان البن اليمني سلعة أساسيةً عابرة على موانئ العالم.
لكن ذلك لم يدم طويلًا، بسبب نقل شجرة البن من اليمن إلى مناطق أخرى أخذت تنافس اليمن في إنتاجه وتصديره، إضافة إلى إهمال المزارعين اليمنيين لزراعته، وتركيزهم على زراعة نبتة القات.

قديماً.. كان محصول البن في اليمن، هو الثروة السيادية للبلد التي سميت “بالبلاد السعيدة”. وأدت تحولات ومتغيرات لاحقة الى تخلي اليمنيين عن الاهتمام بهذا المورد الاقتصادي. وفي التاريخ المعاصر والحديث، تزايدت أشكال الإهمال الرسمي، حد تكريس الاعتماد على البن المستورد من الخارج.

ومنذ تسعينات القرن المنصرم، كان يعمل في زراعة وتصدير البن ما يقارب المليون يمني، وفقًا لإحصائيات وزارة الزراعة اليمنية. لكن ذلك العدد تراجع خلال السنوات التي سبقت الحرب الجارية، بسبب ندرة المياه في اليمن، وعدم تطور الأساليب الزراعية المتبعة في إنتاج البن، وتنامي زراعة القات المربحة لسهولة زراعتها وحصادها وبيعها.

ومنذ عام 2009، تراجع إنتاج البن في اليمن من 17 ألفا و300 طن إلى 15 ألفا و200 طن، وانحسرت مساحته المزروعة من 33 ألفا و500 هكتار (الهيكتار يساوي 10 آلاف متر مربع) إلى 27 ألف هكتار، وفق بيانات لوزارة الزراعة والري وجمعية البُن اليمني.

YNP