ماذا يعني الهُجوم المُسلّح لحركة “حماس” في قلب القدس بعد ثلاثة أيّام من وضعها على قائمة الإرهاب في بريطانيا؟ وما هي الرّسالة التي بعثها عرفات للسيّدة تاتشر ودفعتها إلى الاعتِراف بمنظمة التحرير فورًا ونكشف عنها للمرّة الأولى؟ وهل هذا الهُجوم مُقدّمة لنقل تكنولوجيا الصواريخ إلى الضفّة الغربيّة؟

4٬578

بقلم/ عبد الباري عطوان

العمليّة الفدائيّة التي نفّذها المُسلّح الفِلسطيني فادي محمود أبو شخيدم من مخيّم شعفاط في القدس المُحتلّة، وأدّت إلى مقتل جندي إسرائيلي وإصابة ثلاثة آخرين قد تكون مُقدّمة لعمليّاتٍ مُماثلة في ظِل الانحِياز الغربي للحِصار وجرائم الحرب الإسرائيليّة في الأراضي الفِلسطينيّة المُحتلّة، ووضع “حماس” على قائمة الإرهاب.

فمُنَفّذ هذه العمليّة طلب من زوجته وابنه مُغادرة البِلاد قبل ثلاثة أيّام من تنفيذه الهُجوم، ووصفته حركة “حماس” التي ينتمي إليها بالبطل، وقالت “تزف الحركة ابنها الشّهيد البطل الشيخ فادي محمود أبو شخيدم القيادي فيها بمخيّم شعفاط، الذي نفّذ عمليّة “السّلسلة” في القدس المُحتلّة، مُؤكّدةً أنّ الهُجوم يأتي بعد ستّة أشهر من الحرب الأخيرة بين الحركة وإسرائيل، ويبعث رسالة تحمل التّحذير للعدوّ المُجرم وحُكومته بوقف الاعتِداءات على أرضنا ومُقدّساتنا التي ستدفع ثمنًا غاليًا لها”.

هذه العمليّة في قلب القدس المُحتلّة، تؤكّد بأنّ وجود حركة “حماس” في الضفّة الغربيّة يتعاظم، وأنّ عناصرها باتوا يملكون السّلاح الذي يُمكن استِخدامه لتنفيذ هجمات مُسلّحة ضدّ الاحتِلال في ظِل الانحِياز الغربي الكامل لدولة الاحتِلال الإسرائيلي وتفاقم عمليّات التّطبيع.

الأخطر من ذلك أنّ السّلاح المُستَخدم في تنفيذ هذا الهُجوم (رشّاش كارلو) مُصنّع محَلِّيًّا على الأغلب، الأمر الذي يعني أن التّسليح الذّاتي بات عُنوان المرحلة، وقد يكون تمهيدًا لانتقال تكنولوجيا الصّواريخ من قطاع غزّة إلى الضفّة الغربيّة المُحتلّة، وهذا تطَوُّرٌ إذا تأكّد، سيقلب كُل مُعادلات القُوّة في الأراضي المُحتلّة ومنطقة الشّرق الأوسط كلّها.

القيادة الإسرائيليّة أفاقت مُتأخِّرةً على هذا الاختراق الكبير لحركة “حماس”، واستشعرت أخطاره على أمنها في الضفّة الغربيّة بعد قطاع غزّة، في ظِل تصاعد عمليّات التهريب الناجحة للسّلاح عبر الحُدود الأردنيّة، الأمر الذي دفعها إلى إرسال الجِنرال رونين بار رئيس جهاز “الشاباك” المسؤول عن الأمن الداخلي إلى العاصمة الأردنيّة لبحث هذه الظّاهرة المُقلقة مع نُظرائه في المُؤسّسات الأمنيّة الأردنيّة.

نفتالي بينيت رئيس الوزراء الإسرائيلي أعلن حالة الاستنفار في صُفوف قوّاته، وهدّد حركة “حماس” بانتقامٍ كبير، ولكن الحركة لا تعبأ بمِثل هذه التهديدات، وإلا لما أقدمت على هذه العمليّة، وباتت تملك قوّة ردع صاروخيّة عُظمى، استطاعت من خِلالها بثّ الرّعب في نُفوس الإسرائيليين أثناء معركة “سيف القدس” في أيّار (مايو) الماضي عندما أطلقت والفصائل الأُخرى أكثر من 4200 صاروخ وصلت في مُعظمها إلى أهدافها في العُمُق الفِلسطيني المُحتل، وأغلقت المطارات الإسرائيليّة، ودفعت أكثر من ستّة ملايين مُستوطن إلى الاحتِماء بالملاجئ، ودمّرت أُسطورة القُبب الحديديّة.

اللّافت أن هذه العمليّة جاءت بعد ثلاثة أيّام من تصريحات برتي باتيل وزيرة الداخليّة البريطانيّة المعروفة بعُلاقاتها الوثيقة مع إسرائيل وانحِيازها الكامِل لإرهابها الكامِل ضدّ الشعب الفِلسطيني، التي أعلنت فيها اعتبار “حماس” حركة “إرهابيّة” وتستعد حُكومتها للتقدّم إلى البرلمان بمشروع قانون بتجريمها وسجن كُل من يتعاطف معها، أو ينتمي إلى صُفوفها لأكثر من عشر سنوات في حالِ إقراره، وهو شِبْه مُؤكّد بسبب تمتّع حزبها بالأغلبيّة في البرلمان، وتأييد قيادة المُعارضة العُماليّة له بحُجّة دعهما لأيّ قانون يدعم إسرائيل.

أخطر ما ورد في تصريحات السيّدة باتيل قولها “إنّ حماس تملك قُدرات إرهابيّة واضحة تشمل امتِلاك أسلحة كثيرة ومُتطوّرة فضلًا عن مُنشآتٍ لتدريب إرهابيين لهذا اتّخذت إجراءات بحظرها”، وهذه التّصريحات تُذكّرنا بمثيلاتها حول أُكذوبة أسلحة الدّمار الشّامل العِراقيّة، وتُشَكِّل تحريضًا على اجتِياح قِطاع غزّة.

هذا القرار البريطاني الذي لم يصدر مثله وعُقوباته ضدّ تنظيمات مِثل “القاعدة” و”الدولة الإسلاميّة” وحتى الأحزاب العُنصريّة ذات الطّبيعة النازيّة والفاشيّة، هو الذي يُصَعّد من التطرّف في الشّرق الأوسط، ويُهَدّد أمن واستِقرار بريطانيا في الوقت نفسه، فحماس ليست حركة إرهابيّة، ولم تُنفّذ أيّ عمليّة إرهابيّة ضدّ بريطانيا أو أيّ دولة أوروبيّة أو أمريكيّة أُخرى، ولم تَعتَدِ على أيّ مُؤسّسة يهوديّة، وحصرت مُقاومتها للاحتِلال الإسرائيلي داخِل الأراضي المُحتلّة فقط، وخاضت انتخابات فِلسطينيّة نزيهة وفازت فيها، ولم يعترض المجتمع الدولي على هذه المُشاركة، وكان توني بلير مُمثّل اللجنة الرباعيّة من زوّار مقرّها في قِطاع غزّة واللّقاء مع قِياداتها في القِطاع والدوحة.

في عام 1980م رفضت السيّدة مارغريت تاتشر زعيمة حزب المُحافظين ورئيسة الوزراء استِقبال وفد عربي يضم وزير خارجيّة فِلسطين في حينها السيّد فاروق القدومي بحُجّة أن منظمة التحرير حركة إرهابيّة، تتعاون مع الجيش الجُمهوري الايرلندي وتدعمه.

السيّد نبيل رملاوي مُمثّل المُنظّمة في لندن في حينها نقل الموقف البريطاني الرّافض للمُنظّمة باعتِبارها “إرهابيّة” إلى الرئيس ياسر عرفات، الذي اشتاط غضبًا وحمّل السيّد الرملاوي رسالةً إلى الحُكومة البريطانيّة تقول “نحن لا ندعم الجيش الجُمهوري الإيرلندي، ولكن إذا استمرّت الحُكومة البريطانيّة في التذرّع بهذه الأُكذوبة ورفض الاعتِراف بمُنظّمة التحرير، سندعم هذا الجيش، وسننقل عمليّاته إلى قلب لندن طالما صنّفتنا بالإرهاب”.

السيّدة تاتشر، ووزير خارجيّتها “الحكيم” اللورد بيتر كارنغتون اتّخذا قرارًا بالاعتِراف بمُنظّمة التحرير، وأيّدت بريطانيا بيان الاتحاد الأوروبي في اجتماعه بقمّته في البندقيّة (فينيس) صيف عام 1980 الذي أيّد هذا الاعتِراف رسميًّا في بيانه النهائي، وكُنت هُناك مُكَلَّفًا من صحيفتي بتغطية أعماله لأهميّته.

الحُكومة البريطانيّة الحاليّة، وفي ظِل وجود وزراء مثل السيّدة باتيل تُكَرِّر الخطأ نفسه، وتُعرّض أمن بلادها وسُمعتها للخطر بالانحِياز إلى الموقف الإسرائيلي العُنصري، ودعم الجرائم الإسرائيليّة في الضفّة الغربيّة والقِطاع، بما في ذلك قتل عمليّة السّلام، فجميع الفصائل الفِلسطينيّة بما فيها حركة “فتح” “المُعتدلة” أدانت القرار البريطاني ضدّ حركة “حماس”، وتوحّدت في مُعارضته، وبدأت تُصدر دعوات في العالم الإسلامي بمُقاطعة البضائع البريطانيّة.

بريطانيا لم تَعُد عُظمى وباتت سِياستها الشّرق أوسطيّة تُرسَم في تل أبيب، والحُكومات التي طبّعت مع إسرائيل لا تُمثّل الشّعوب العربيّة، وليست مُنتخبة منها، وأمنها لا يتحقّق إلا بانسِحاب إسرائيل من الأراضي المُحتلّة جميعها، وتمتّع الشعب الفِلسطيني بحقّ تقرير المصير، وهذا القرار البريطاني بتجريم حركة “حماس” لن يضر حركة “حماس” ولن يُخرج إسرائيل من أزماتها، وقد يُلحِق أضرارًا كبيرةً ببريطانيا وأمنها واستِقرارها.. والأيّام بيننا.