الثروة السمكية.. بين الإهمال والتدمير..!

4٬535

بقلم/ م.وليد أحمد الحدي

في بلد تمتد سواحله لأكثر من 2200 كم، يُطل فيها على محيط وبحار تحتوي على ما يقارب 350 نوع من الأسماك والقشريات النادرة التي تصل أسعارها العالمية إلى أرقام قياسية، يفتقر اقتصاد البلد وأهله الى الاستفادة من تلك الثروة التي تُنْهب وتُدمَّر على مرأى ومسمع الجميع..

ففي الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار الأسماك في السوق المحلي بشكل مُبالغ فيه، أضحت مساحات واسعة من السواحل والبحار اليمنية مرتعاً لكثير من السُّفن الأجنبية التي تُمعن في نهب تلك الثروة مستخدمةً مُختلف الطرق المحرمة دولياً في الصيد من شبكات لا تتوفر فيها أدنى المعايير، حيث يتم جرف صغار الأسماك والإصطياد في موسم التكاثر، والعديد من التجاوزات التي تدمِّر الحياة البحرية.

وللأسف الشديد أن يتم ذلك عبر شركات صيد أجنبية، ليتم تصديرها في نهاية المطاف الى السوق المحلي اليمني بالعملة الصعبة وهي تحمل علامة تجارية واسم بلد منشأ لا علاقة له باليمن !!

يُعتبر قطاع الأسماك من القطاعات الواعدة التي من شأنها المساهمة في تعزيز الاقتصاد الوطني، حيث تُشير البيانات التي نشرتْها وزارة الثروة السمكية عام 2012، أن هذا القطاع قد ساهم بحوالي 3% من إجمالي الناتج المحلي، وشكَّل ثاني أكبر مصدر لإيرادات التصدير بعد النفط، وتُشير أحدث بيانات صادرة عن وزارة الثورة السمكية أن عدد القوى العاملة في مجال الصيد والأنشطة ذات الصلة بلغ 500 ألف صياد يعيلون قرابة 1.7 مليون نسمة..

كما تؤكد التقديرات إلى أن إنتاج اليمن من الأسماك والأحياء البحرية بلغ حوالي 200 ألف طن قبل شن العدوان، حيث يتم تصدير من ٤٠-٥٠% من هذا الإنتاج، ما يدر عائدات تقدر بحوالي 300 مليون دولار سنوياً.

في العقدين الأخيرين مُنحت تصاريح اصطياد أسماك لنافذين كان من المفترض أن يأخذوا على عاتقهم المُضي قُدماً في تطوير هذا القطاع بما يعود عليهم بالفائدة وعلى الإقتصاد الوطني من خلال النشاط التصديري ورفد البلد بالعملة الصعبة، وكذلك توفير فرص لكثير من الشباب في هذا المجال، بيْد أن ما كان يحدث خلافاً لذلك تماماً، حيث كانت تُسْتقطع مساحات واسعة من السواحل اليمنية، وتُمنح لأولئك النافذين الذين كانوا يستقدمون شركات صيد بحري أجنبية لا تكترث بالمعايير التي تحافظ على استمرار الحياة البحرية..

متستخدمةُ كل الطُّرق المحرَّمة في عمليات الاصطياد كالجرْف والتفجير، حيث لم يكن هناك هَمْ لتلك الشركات سوى جَنْي أكبر ما يمكن من ثروة تعود عليهم بالمال زهاء مبالغ مالية مقطوعه تسلم لأولئك المستثمرين المحليين، وللأسف أن صغار الصيّادين الذين يعتمدون في معيشتهم على هذا النوع من النشاط كانوا هم الضحايا، في وقت كانت الجهات المسؤولة تقف متفرجة إزاء ثروة قومية تُنْهب بشكل عشوائي وسط إرتفاع حاد في أسعار الأسماك قاربت أسعار الأسماك في دول لا تمتلك في بعض الأحيان بحار..!

تُعتبر الثروة السمكية في كثير من بلدان العالم وبالخصوص دول جنوب شرق آسيا من المصادر الرئيسة التي يعتمد عليها الناتج القومي، لا تألو الدولة جهداً في سبيل التطوير المستمر في هذا القطاع، حيث تُنظَّم الدورات التي تُنمي مهارات الطبقة العاملة بما يضمن تحقيق نتائج جيدة، ويتم تحديد مواسم معينة للإصطياد السمكي يُمْنع فيها الصيد خلال موسم التكاثر حفاظاً على صغار الأسماك لزيادة الإنتاج، كما تُنشأ مشاريع الإستزراع السمكي، ويتم تصدير الأسماك وتعليبها وفقاً لمواصفات قياسية تعكس مدة جودتها.

أن تمتلك سواحل شاسعة قد تُشكل مصدراً قومياً يُضاهي النفط والغاز في ظل طلب عالمي كبير على الأسماك، ثم تُخفق في استغلال هذا المورد الهام، فذلك يدل على خلل كبير في التخطيط والاستراتيجيات, كما أن إهمال هذا القطاع وترْكِهِ بهذا الشكل العشوائي يشير إلى غياب الحس الوطني سيما عندما تتحوَّل السواحل اليمنية إلى مناطق نُزهة للسفن والقوارب المصرية والصومالية والاريترية، ما يدُل دلالة قاطعة على غياب الجانب الرقابي الذي لا يزال يتعامل مع تلك التجاوزات بعقلية المتسيِّب الذي لا يكترث أو يفقه لمبدأ السيادة.

اليوم يتعرَّض القطاع السمكي إلى التَّهميش والتَّدمير والإهمال، في ظل ظروف صعبة تمر بها البلاد هي بأمس الحاجة لمصادر كهذه، الأمر الذي يُحتِّم على القطاعين الحكومي والخاص التنسيق فيما بينهما لصياغة الخطط والإستراتيجيات التي تُوظف هذا القطاع للإستفادة منه كرافد هام للإقتصاد الوطني، مع الاهتمام في البُنية التحتية التي لا زالت تعاني من شحة المعلومات عن المخزون السمكي للبلد، في ظل وسائل تقليدية للصيد وقوارب صغيرة لا زال يعتمد عليها الصيادين وسط ارتفاع حاد في أسعار الوقود تُصعِّب من مهمامهم, وتجعل صُنّاع القرار أمام مسؤولية وطنية للنُّهوض بهذا القطاع ودعمه, كون الثروة السمكية تُعَد أحد أهم القطاعات الإقتصادية الإنتاجية التي يمكن أن تساهم في تعزيز الاقتصاد الوطني .

مجلة إكتفاء الإقتصادية – العدد 25

رئيس الجمعية اليمنية لحماية وتشجيع الإنتاج المحلي