الاقتصاديات العالمية الجديدة

7٬416

أبين اليوم _ متابعات

في خضم المعركة الشاقة في الكونغرس على  أجندة الرئيس جو بايدن الاقتصادية من السهل أن يضيع التركيز على تطور أكثر أهمية يمثّله التحول الدراماتيكي في التفكير الاقتصادي الجاري حالياً ليس في الولايات المتحدة بل أيضاً بين كثير من الدول الحليفة والشريكة لها.

ففي الخطة الاقتصادية الطموحة التي وضعتها إدارة بايدن، تسعى هذه الأخيرة إلى أكثر من محاولة تمرير حافز واسع النطاق، إذ تبتعد أيضاً عن التوافق الليبرالي الجديد [“نيوليبرالي”] المهيمن منذ فترة طويلة، بما في ذلك موقف الحزب الديمقراطي نفسه خلال جزء كبير من العقود القليلة الماضية، لمصلحة رؤية جديدة كاسحة للنمو الاقتصادي تستند إلى تفضيل العمل على الثروة والكوكب على الربح. وبذا، تتحرك الإدارة بالتزامن مع حكومات جديدة ومنتخبة أخيراً في كندا وألمانيا واليابان تدفع بسياسات مكلفة تستهدف معالجة التفاوت وإزالة الكربون من الاقتصاد.

ومن ناحية أخرى، يتحرك القادة في فرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة في اتجاه مماثل، مستخدمين روافع وأدوات متضمنة في سلطة الدولة بهدف تعزيز الرفاه البشري والصناعات الخضراء. ويستخدم كثيرون من هؤلاء القادة أيضاً سلطة الاتحاد الأوروبي والمؤسسات الوطنية بغية ترويض الاحتكارات الرقمية التي تعيث فساداً في شكل متزايد بالديمقراطيات، واخضاعها للضرائب.

وفي الواقع، خلال الأعوام الستة الماضية، خصوصاً منذ أن بدأت الجائحة، يستنتج القادة وواضعو السياسات في كثير من الديمقراطيات المتقدمة أن الإصلاحات الهيكلية الأعمق ضرورية لمقاومة الشعبوية اليمينية التي جاءت بالرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب وشخصيات سياسية أخرى إلى السلطة.

ويُعتبر التقارب الدولي الواسع حول إطار اقتصادي جديد مهماً، لأن تقارباً مماثلاً ساد طيلة عقود لكنه جرى في الاتجاه المعاكس، إذ عمل واضعو السياسات الدوليون على منح الانفتاح وحجم التجارة وضعاً مميّزاً على كل ما عداهما، وسعوا إلى تحرير الأسواق ودعم القوانين التي تُصاغ بتوجيه وترفع لواءها “منظمة التجارة العالمية”.

وقد أُطلق على ذلك اسم “توافق واشنطن”، وهو نهج وضع في ثمانينيات القرن العشرين، استناداً إلى أفكار الليبرالية الجديدة المتعلقة بالخصخصة وتقليص القطاع العام وتخفيف السيطرة المركزية للدولة في الاقتصاد. والآن، تعمل إدارة بايدن والحكومات الآتية من خلفية فكرية متشابهة، على إعادة التفكير في ذلك النهج [النيوليبرالي] لمصلحة سياسات تسعى إلى وضع معايير جديدة للتجارة الدولية واستخدام الاستثمار العام في معالجة مسائل كالتفاوت في الدخل.

لا يزال كثير من هذه الأفكار في بداية الانطلاق، ويواجه بعضها رياحاً سياسية معاكسة قوية. فحتى مع نجاح بايدن في الحصول على مشروع قانون تاريخي للبنية التحتية بقيمة 1.2 تريليون دولار، فإنه اضطر إلى إجراء تسويات مهمة في المفاوضات على رزمته الأكبر في الإنفاق الاجتماعي، أي مشروع القانون المسمّى بـ”إعادة البناء في شكل أفضل”.

لكن هذه النكسة المؤقتة ليست تنازلاً عن الرؤية، إذ يتمثّل الأمر الأكثر أهمية بكثير، في أن مشروع قانون كهذا وُضع الآن قيد النقاش، للمرة الأولى، إذ يشير بحجمه وطموحاته إلى مدى تبنّي الإدارة الأميركية بالفعل فهماً جديداً بالكامل لطريقة أداء الحكومة دوراً مهماً في الاقتصاد، ليس المحلي وحده بل كذلك الدولي. بالتالي، يعرض هذا النهج أدوات قوية جديدة في معالجة بعض من أكبر التحديات الماثلة اليوم.

ومن بين الإجراءات التي يقترحها المسؤولون في إدارة بايدن لإعادة تشكيل النظام التجاري الدولي، ثمة قيود على واردات الصلب والألمنيوم التي تصدر صناعاتها انبعاثات كربونية مكثفة، وتخفيف قواعد الملكية الفكرية التي تحمي براءات الاختراع الخاصة بالشركات بهدف مقاومة الجوائح في شكل أفضل، وإيلاء الأولوية للبضائع المنتجة محلياً بواسطة سلاسل إمداد محلية.

وتتعارض جهود كهذه تستهدف ضبط الآثار الاجتماعية للتجارة، تعارضاً مباشراً مع النهج المهيمن المتبع في واشنطن منذ عقود الذي سعى إلى تشجيع التجارة الدولية المتفلتة من كل الضوابط. وتتوافق جهود فريق بايدن مع سياسات اقتصادية مماثلة، كـ”الصفقة الأوروبية الخضراء”، تنتهجها حكومات أخرى لمواجهة تغيّر المناخ ومكافحة أحتكارات الشركات الدولية وتطبيق القواعد الضريبية الدولية.

المصدر : اندبندنت عربية