إعادة تقييم القدرات الروسية في بلاد الشام وشمال إفريقيا..!

4٬037

أبين اليوم – وكالات

مع إقتراب الذكرى السادسة لتدخل موسكو العسكري في سوريا في أيلول/ سبتمبر 2021، من الصعب تجاهل عودة روسيا إلى سياسات القوّة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

حيث تعزف موسكو بشكل روتيني على وتر الشواغر التي خلقتها محاولات الولايات المتحدة للانسحاب من المنطقة وعلى أخطاء اللاعبين الآخرين. فعلى امتداد المنطقة، يُنظر إلى روسيا مرة أخرى على أنها مُحاوِر مهمّ، مع الجهات الفاعلة المحلّية التي تلتمس المشاركة الروسية وتقييد المدى الذي يمكن أن تصل إليه بالفعل.

وعلى الرغم من أن الكرملين يحتفل بكونه في قلب الحدث، إلا أنه لم يثبت أنه يمتلك النفوذ أو الموارد أو الرغبة في معالجة مصادر الخلل الوظيفي وعدم الاستقرار الراسخة في المنطقة.

إن الطبيعة الانتهازية الشديدة للنشاط الروسي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ليست ظاهرة جديدة. حيث أشار محللون بارزون مثل أرنولد هوريك مراراً، خلال الستينيات والسبعينيات، إلى أن أسلوب عمل الكرملين خلال فترة الحرب الباردة كان محكوماً بالتكيف مع أو اغتنام تدفق الأحداث أثناء محاولته إدارة سلوك الوكلاء الذين لم يكن لديه سيطرة كاملة عليهم. إنه من الصعب التغاضي عن أوجُه التشابه مع الحقائق الحاصلة اليوم.

في الوقت نفسه، إن التركيز المتزايد في دوائر السياسة الغربية على المنافسة الإستراتيجية مع روسيا يُلقي أحياناً بظلاله على الوعي بمثل هذه الأنماط من السلوك، وأخطاء موسكو نفسها، ونقاط الضعف الكامنة في مجموعة أدوات السياسة الروسية.

بالطبع ، موسكو صريحة بشأن عدم قدرتها على معالجة المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتصاعدة في المنطقة. لكن حلّ المشكلات الحقيقي لم يكن أبداً محورياً في الأهداف الاستراتيجية لروسيا. وبدلاً من ذلك، فإن انخراط روسيا في الشرق الأوسط هو جزء من حملة أوسع نطاقاً من أجل أن يُنظر إليها على أنها قوّة عظمى على المسرح العالمي.

بعد التخلي عن معظم منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عملياً بين عشية وضحاها خلال أواخر الثمانينيات، حاول الكرملين وبأبخس الأثمان إلى حد كبير استعادة الزحارف والبهرجات التي تمتع بها لفترة طويلة خلال العهدين القيصري والسوفييتي.

لكن مثل هذه الطموحات المتغطرسة غالباً ما تخضع لأهداف قصيرة المدى مثل تشويه سمعة الولايات المتحدة وملء الفراغ في السلطة ومواكبة طموحات ومشاكل انعدام الأمن لدى اللاعبين الإقليميين، واغتنام أي فرص تجارية تأتي في طريقها.

يظل فَهْم الخلفية التاريخية لمشاركة روسيا الحالية في المنطقة أمراً ضرورياً للتعرف على الأنماط والأهداف طويلة المدى، ولكن هذا لا يروي سوى جزء من القصة.

فخلال فترة ما بعد عام 2015، كانت الجهات الفاعلة الحكومية وشِبه الحكومية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا سعيدة عموماً بمجاراة نهج الكرملين القائم على عقد الصفقات بشكل كبير، حيث تعاملوا معها في بعض الأحيان كبديل للنظام الأمني الذي تقوده الولايات المتحدة.

بالنسبة لإسرائيل ودول أخرى بشكل عام فإن تكاليف اتباع نهج أكثر عدوانية من شأنه أن يضعها في وسط التوترات بين الشرق والغرب، يفوق فوائد التعامل مع موسكو. فإن فوائد الانخراط مع موسكو تفوق بشكل عامّ تكاليف اتباع نهج أكثر عدوانية يضعها وسط التوترات بين الشرق والغرب.

كما كانت إسرائيل بارعة أيضاً في الاستفادة من العلاقات الوثيقة مع موسكو أو استغلالها لتحقيق أغراض قادتها الخاصة. في جميع أنحاء المنطقة، لا يعتمد القادة بشكل كبير على موسكو ولا يشعرون بخيبة أمل مفرطة عندما لا تحقق النتائج. فنظام بشار الأسد في سورية مسرور للغاية لمجاراة وكيله الآخر (إيران) لروسيا.

تتجلى هذه الديناميكيات بشكل خاص في شمال إفريقيا، وهي المنطقة التي شهدت نشاطاً روسياً منسقاً على جبهات متعددة. ومع ذلك، فإن هذه التدخلات الروسية هي نتاج الانتهازية أكثر من كونها إستراتيجية كبرى محسوبة ولم تسفر بشكل عامّ إلا عن نتائج متباينة للمصالح الروسية.

ومن المؤكد أن موسكو تدخلت عسكرياً في الحرب الأهلية الليبية وسعت إلى صفقات أسلحة كبيرة مع الجزائر ومصر، وغالباً ما ألمحت وسائل الإعلام الروسية والأجنبية إلى مخططات روسية لإنشاء قواعد عسكرية في الجزائر ومصر وليبيا، لكن التواجد الفعلي لموسكو يضم خليطاً من التعاملات في قطاعات الجيش والبنية التحتية والطاقة والزراعة والسياحة. هذه المعاملات ذات مغزى ولكنها لا تهدد بالضرورة المصالح الأمريكية، كما أنها ليست نقاط انطلاق مضمونة لوجود أمني دائم واسع النطاق.

غالباً ما تصطدم الإنجازات الروسية بعوامل متأصِّلة في المنطقة. ففي شمال إفريقيا، على سبيل المثال، تكون قدرة موسكو على التحكم في الأحداث محدودة بسبب السياسات المتصدعة لتلك البلدان والحوكمة الشخصية المنفردة والتي لا يمكن التنبؤ بها في بعض الأحيان.

غالباً ما يستغل الحكام المحليون المبادرات الروسية لتأمين اهتمام أكثر إيجابية من رُعاتهم القدامى؛ الولايات المتحدة وأوروبا. ولعل الأهم من ذلك أنه يجب على روسيا أيضاً أن تتعامل مع الوجود الحازم المتزايد للجهات الأجنبية الأخرى التي تسعى إلى صفقات بيع الأسلحة والطاقة، مثل فرنسا وألمانيا وإيران وتركيا والإمارات، والتي تتداخل مصالحها أحياناً أو تتعارض مع مصالح موسكو.

المصدر: مؤسسة كارنيغي
بقلم: فريديرك ويري & آندرو إس. ويس
ترجمة: عبد الحميد فحام