لماذا يحث بايدن خصمه بوتين على عدم استخدام أسلحة نوويّة وكيماويّة تكتيكيّة في أوكرانيا؟ وكيف سيكون الرّد الذي توعّد به الرئيس الروسي على “هزيمة” خاركيف؟ وهل قدّمت موسكو للأمم المتحدة أدلّةً مُوثّقة عن إنتاج معامل أمريكا في كييف لفيروس الكورونا؟

5٬136

أبين اليوم – مقالات وتحليلات

نستغرب الحالة الاحتفاليّة الضّخمة التي سادت مُعظم أجهزة الاعلام العربي، وبعض الخليجيّة منها خاصَّةً بالهزيمة الجُزئيّة الثانويّة التي لحقت بالقوّات الروسيّة في مِنطقة خاركيف الشماليّة الشرقيّة إثر هُجومٍ مُضاد من القوّات الأوكرانيّة بدَعمٍ أمريكيّ، حتّى لكأنّ هذه القوّات احتلّت موسكو واعتقلت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وجميع أعضاء الصّف الأوّل من قيادته.

هذه حَربٌ تُوشِك على دُخولها شهرها الثّامن، استطاعت خلالها القوّات الروسيّة من السّيطرة على خُمس الأراضي الأوكرانيّة، وتعزيز ضمّها لشِبه جزيرة القِرم، وإقامة جسر برّي يربطها باليابسة الروسيّة، وعلينا أن نتذكّر أن حرب اليمن على حافّة عامها الثامن.

هذا “انتصارٌ” جاء من أجل توفير ذخيرة لآلةٍ إعلاميّة غربيّة جبّارة لرفع معنويّات الشّعب الأوكراني المخطوف أوّلًا، والرّأي العام الغربي الذي يعيش حالةً من القلق من جرّاء أزماته الاقتصاديّة والمعيشيّة المُتفاقمة بعد تورّط حُكوماته في هذه الحرب التي تقودها أمريكا من على بُعد خمسة آلاف ميل، ودون أن تخسر جُنديًّا واحِدًا، ثانيًا.

هُناك عدّة نقاط تؤكّد هذه الحقيقة وأن الاحتفال بالنّصر قد يكون سابقًا لأوانه، مع اعترافنا بالصّدمة المُفاجئة التي ترتّبت عليه في موسكو وعواصم أُخرى حليفة لها:

أوّلًا: إقدام الرئيس الأمريكي جو بايدن (الجمعة) على حثّ نظيره الروسي بوتين بعدم استخدام أسلحة نوويّة أو كيمياويّة تكتيكيّة، الأمر الذي يعكس قلقًا أمريكيًّا (من اليوم التّالي)، وليس نَشْوَةً بنصر الحليف الأوكراني.

ثانيًا: تَوَعُّد الرئيس بوتين برَدٍّ قويٍّ على هذا “الانتصار” الأوكراني بالتّحذير من أن الضّربات الروسيّة المُستقبليّة على أوكرانيا ستكون أكثر خُطورةً، والإشارة إلى أن روسيا لا تستخدم جيشها بالكامل وإنّما جُزء صغير منه فقط، وأن هدفها الرئيسي هو تحرير كُل “إقليم دونباس”.

ثالثًا: اعتراف فلوديمير زيلينسكي رئيس أوكرانيا، في رَدٍّ على سُؤال وُجِّه إليه حول عدم تحقيق انتصارات أُخرى بالقول اليوم الاثنين “إنّ قوّاته لا تأخذ استراحة، وإن الهُجوم تباطأ استعدادًا للمراحل القادمة”، وهذا اعترافٌ يؤكّد العودة إلى عدم المُبالغة بانتصارٍ في مِنطقةٍ تُعرف بأنّها غير استراتيجيّة (خاركيف) في أقصى الشّمال بينما تندلع المعارك الضّارية في الجنوب الشّرقي من البلاد.

رابعًا: تحذير الجِنرال مارك ميلي رئيس هيئة الأركان الأمريكيّة المُشتركة يوم أمس الأحد أثناء زيارة لقاعدةٍ أمريكيّة في بولندا من أنّ الرّد الروسي على الخسائر الميدانيّة “لم يُعرَف بعد” وطالب الجُنود الأمريكيين في هذه القاعدة بالتحلّي بأعلى درجات اليقظة لأنّها ربّما تكون (القاعدة) أحد أهداف هذا الرّد الروسي القادم.

الخامسة: قدّمت روسيا اليوم إلى الأمم المتحدة في جنيف مِلفًّا كاملًا يتضمّن أدلّةً مُوثّقةً عن الأنشطة البيولوجيّة العسكريّة الأمريكيّة في معامل في أوكرانيا، وقد يكون من ضِمن هذه الأدلّة كيفيّة تصنيع وإنتاج فيروسات قاتلة من بينها فيروس “كوفيد 19” المُسَبِّب للكورونا.

حرب أوكرانيا ما زالت في بداياتها التمهيديّة، ولم تدخل المرحلة الحاسمة والحرجة بعد، ومُرشَّحَةٌ للاستِمرار ربّما لسنواتٍ، ونهايتها قد تكون نوويّة مُرعبة على غِرار الحرب العالميّة الثانية التي انتهت بالهُجوم الانتحاري الياباني على الأسطول الأمريكي في بيرل هاربر بقُنبلتين نوويّتين على نكازاكي وهيروشيما، مع الأخذ في الاعتبار أن احتمال الحسم قد يكون رُوسيًّا، وأحد الدّلائل “استِجداء” بايدن للرئيس الروسي بعدم استِخدام أسلحة نوويّة تكتيكيّة.

أوروبا التي هي الضحيّة الكُبرى لهذه الحرب بدأت “تتململ” وأشعلت شُعوبها فتيل مُظاهراتها الاحتجاجيّة على أوضاعها المعيشيّة المُتدهورة بسببها، فالعاصمة الفرنسيّة شهدت السّبت ثلاث مُظاهرات، وألمانيا تستعدّ لمُظاهرةٍ أضخم من الأُولى التي انطلقت في شِمالها للمُطالبة برفع العُقوبات عن روسيا، ولا ننسى التّذكير بمُظاهرات “ربيع براغ 2” التي شارك فيها مِئات الآلاف للسَّببِ نفسه.

روسيا التي تزعّمت قمّة شنغهاي في سمرقند (انتهت الجمعة) شراكةً مع حليفها الصيني ليست معزولةً، والمعزول هي أمريكا، فقد شاركت في هذه القمّة دول تُمثّل شُعوبها أكثر من نِصف العالم، وتُسيطر على ثُلثيّ إنتاج النفط والغاز والغذاء عالميًّا، وتضم أربع دول نوويّة (الصين، روسيا، الهند، باكستان وقريبًا إيران آخِر المُنضمّين)، وهُناك ست دول عربيّة بينها السعوديّة وقطر ومِصر والبحرين، حُلفاء أمريكا “التّقليديين” تقدّمت بطَلبِ العُضويّة.

نتمنّى على جِنرالات الحواسيب في بعض القنوات العربيّة أن يتريّثوا قليلًا، وأن يتوقّفوا عن بيْع انتصاراتٍ وهميّة، فروسيا ليست ليبيا ولا سورية ولا العِراق، فالظُّروف تغيّرت، وأمريكا لم تعد أمريكا التي حكمت العالم دُون مُنافس لأكثر من سبعين عامًا.. “زمن الثّورات وتغيير الأنظمة، والثّورات المُلوّنة قد ولّى”، ونحن ننقل هُنا عن الرئيس الصيني شي جينغ بينغ وخِطابه في قمّة سمرقند.

المصدر: رأي اليوم..
عبد الباري عطوان..