الذكرى 15 للتصالح والتسامح الجنوبي.. محطة لتقييم ما تم إنجازه..!

428

بقلم/ سمير المسني

الذكرى 15 للتصالح والتسامح الجنوبي محطة لتقييم ما تم إنجازه لتحقيق هذا الهدف النبيل الذي نسعى جميعا للوصول إليه وليست مناسبة لإقامة الفعاليات والاحتفال ؛ ولكن يظل السؤال الأهم هو هل حققنا شئ في هذا الاتجاة بالرغم من مرور كل تلك السنوات..!

اسمحوا لي بداية أن “وأنا أقل تشاؤماً” اقول وللأسف أن الواقع الذي نعيشه – وسلسة الأحداث الدموية المستمرة منذ تم إطلاق الدعوة للتصالح والتسامح الجنوبي من قبل الرئيس علي ناصر محمد والسفير أحمد الحسني – لم تحقق الشيئ الكثير وظلت الدعوة مجرد أفكار لم تتبلور وتتحول إلى طرح علمي يستند إلى منهجية واقعية لتطبيق مبدأ التصالح والتسامح الجنوبي..

وحتى نصل إلى تحليل شفاف وموضوعي وذو مصداقية علينا أن نتساءل بداية لماذا تعثرنا في توحيد الصف الجنوبي؟ وماهي مكامن الخلل؟ هل بسبب عدم توفر النية الصادقة أو بسبب عدم توفر نقاط التقاء واضحة تساعد على التئام القوى الوطنية الجنوبية؟ ولماذا هذا التباين والتباعد في الرؤى الوطنية؟ وهل يعود السبب إلى دور القوى الخارجية وتبعية بعض المكونات السياسية المتنفذة التي تدعي الوطنية لهذه القوى الخارجية واجنداتها لتمزيق نسيجنا الاجتماعي؟..

أسئلة كثيرة يجب أن نضعها على بساط البحث ونتدارسها جميعاً وبشكل متعمق وموضوعي.

لا أريد أن انبش في صفحات المنعطفات التاريخية المؤلمة في ذاكرة شعبنا ولكن علينا أن نحدد أسباب وعوامل ما حدث في الماضي لغرض استنباط المعالجات الصحيحة وهذا لن يتأتى إلا من خلال إسقاط تلك المنعطفات التاريخية على واقعنا المعاصر..

فمشكلتنا الأساسية تكمن في تخوفنا من المصارحة باخطائنا والكشف عنها ( وذلك قبل المصالحة ) لذلك أصبحنا ندور في حلقة مفرغة ونتعامل مع الواقع بشكل مغاير للواقع النمطي المطلوب إتباعة للوصول إلى مانصبوا إليه..

وحتى أوضح القصد من هذة المقدمة المتواضعة لنعود بالزمن إلى الوراء وتحديداً إلى فترة ما بعد الإستقلال في الثلاثين من نوفمبر 1967م وبروز بعض الأطروحات الفكرية الثورية والتي كانت تتوافق “بداية” مع الواقع الاجتماعي لكافة شرائح المجتمع آنذاك..

وتبلورت تلك الأطروحات وأخذت تنمو تدريجياً مترافقة مع نمو الفكر المجتمعي شيئاً فشيئاً ولكن للأسف سرعان ما تلاشى ذلك التناغم بسبب التعصب للفكر المناطقي من جهة ومحاولة فرض أفكار وأطروحات “الفكر الماركسي” والتي لا تتناسب والفكر المجتمعي القائم من جهة أخرى..

الأمر الذي أدى إلى وجود فجوة بين القيادة والمجتمع والذي بدوره أوجد خلل في الأنماط السلوكية للمجتمع وبالتالي أدخلنا في دوامة فكرية لم نتمكن من تجاوزها..

ومما زاد الطين بله إصرار بعض القيادات على تنفيذ اجنداتها بالقوة ؛ وهنا نستعرض بعض تلك المواقف الخلافية والفارق بين مضامين القرارات والقوانين الصادرة من تلك القيادات وعشوائية التنفيذ..

فمن أهم تلك القرارات والقوانين كان قانون التأميم والذي نص صراحة على تأميم المرتفعات الاحتكارية الكبرى والذي تم تطبيقه بأسلوب مغاير لمضمون القانون.. حيث تم التعدي حتى على ممتلكات المواطنين الشخصية مما أدى إلى تزايد السخط الشعبي على طرق التنفيذ..

والمثال الآخر تمحور في حماس ثوري مفرط وتم إجبار العامة على الخروج للشارع للمطالبة بتحسين مستوى الوضع الاقتصادي ولكن تم ذلك من خلال إجراءات هشة وعقيمة تمثلت باطلاق شعارات جوفاء مثل “تخفيض الرواتب واجب”..

وبالمقابل تم استبعاد أهل الاختصاص من وضع بدائل علمية لتحسين وتطوير اقتصاد البلد “بالرغم من وجود نخبة من تلك الشخصيات المتمرسه في الجانب الاقتصادي”..

وهنا أعود بالذاكرة إلى فترة الثمانينات وخلال دراستي الجامعية في كلية الاقتصاد والإدارة حيث تعرفت وتتلمذت على يد أحد أبرز تلك الشخصيات الوطنية وهو المفكر والهامة الاقتصادية الكبيرة (البروفسور عبدالعزيز الترب) والذي كان “ولا يزال” يعمل على إيجاد حلول تساعد على تنمية الإقتصاد ورفع مستوى الدخل القومي..

ولكن للأسف “لاوحياة لمن تنادي” فقد اصطدمت تلك الحلول الناجعة لمشاكل التنمية الإقتصادية المطروحة من قبل تلك الشخصية الفذة في هذا المجال وبين إجراءات وقرارات هامشية جوفاء لقيادة لم تستوعب طبيعة المرحلة القائمة آنذاك.

كل تلك المخالفات أدت إلى ازدياد واتساع الهوة بين الفكر الواعي والتطبيق العشوائي الذي لا يمت للواقع بصلة ؛ ناهيك على تفشي ظاهرة التعصب المناطقي والمحسوبية والوساطة..

كل تلك الأمور عملت على تأجيج واذكاء الصراع بين الفكر والكفاءة من جهة وبين المحسوبية والمناطقية من جهة أخرى ؛ وماخفي كان أعظم.

لن أطيل في هذا الجانب التاريخي ولكنها ضرورة حتمية لتوضيح أحد أهم الأسباب التي اوصلتنا إلى هذا المستوى من العداء فيما بيننا (كجنوبيين) والذي اوصلنا بدوره إلى منعطفات تاريخية أكثر إيلاماً (أحداث 13 يناير 1986) تلك الأحداث التي أظهرت على السطح كل تلك الترسبات السلبية وبينت الصورة الحقيقية لحجم التباعد والتنافر فيما بيننا.

والآن علينا وضع النقاط على الحروف وذلك من خلال إسقاط تلك المرحلة الشائكة من تاريخنا على واقعنا الحالي ففترة الخمسة عشرة عاما منذ بدء الدعوة للتصالح والتسامح الجنوبي وحتى الآن لم تحقق المطلوب منها ومازالت حالة الانقسام هي السائدة في مجتمعنا بل ازدادت سوءاً..

ووصلنا إلى مرحلة متدنية من التوافق بسبب ما حدث في السابق بالإضافة إلى تدخل القوى الخارجية وهيمنتها على أطراف متنفذة في الداخل والتي أصبحت مرتهنة بالكامل لاجندات وسيناريوهات قوى العدوان والاحتلال الهادفه إلى نسف النسيج الاجتماعي من خلال إذكاء الصراع بين الجنوبيين لتمرير مخططاتها لإحكام السيطرة على المحافظات الجنوبية المحتلة..

والدلائل على مصداقية مانقولة كثيرة أهمها مايحصل من سفك الدم الجنوبي في جبهة وادي سالم والطرية ؛ والشواهد على ذلك لا تعد ولا تحصى ؛ ولكننا نكتفي بذلك المثال لغرض التوضيح.

في الأخير ماهو المطلوب لتصحيح ذلك الاعوجاج الفكري وبالتالي تصحيح المسار؟
باعتقادي أن الحل يكمن بالتالي:

1- العمل على الاصطفاف الوطني من خلال تقريب وجهات النظر المتباينة والجلوس مع بعضنا البعض لتحقيق ذلك.

2- نبذ كل الخلافات المتراكمة من السابق والعمل على تصحيحها.

3- البدء في وضع استراتيجية فكرية موحدة.
4- ضرورة توفر النية الصادقة لإعادة اللحمة الوطنية بيننا.

5- عدم الارتهان والتبعية للقوى الخارجية بل وضرورة التصدي ضد مخططاتها واجنداتها.

سمير المسني
عضو المكتب التنفيذي لملتقى التصالح والتسامح الجنوبي.