تصحيح مفاهيم “20” : بالونة كيري .. والركود العسكري والسياسي في الأزمة اليمنية !!

964

بقلم /أزال الجاوي

يقال أن الحرب وسيلة من وسائل السياسة أو هي النشاط السياسي بشكله العنيف بمعنى أنه إذا بلغ النشاط السياسي السلمي ذروته وانسد افقه تحركت الآلة العسكرية لتبديد ذلك الركود او الإنسداد لتحقيق الأهداف التي تعثرت الأساليب السياسية السلمية من الوصول إليها أو أن تكلفة الحرب كوسيلة تكون أقل من الوسائل السياسية الأخرى أحياناً , لذلك تكون البديل الأمثل (المقصود بالتكلفة ليس المالية فقط وانما في كل المجالات ) .

عندما بدأت عاصفة الحزم كان أهم مبرراتها انسداد أفق الحوار السياسي بين الفرقاء اليمنيين من جهة  , ومن جهة اخرى استحالة الحوار مع انصارالله باعتبارهم حركة اسلامية راديكالية انقلابية مسلحة لاتقل خطورة عن داعش والقاعدة وتحمل نفس العقلية ونفس الفورمة أو الهيكلية التي تجعل منها منظمة ارهابية وان اختلفت في المدرسة الدينية او المذهب  , لذلك يستحيل الحوار أو التفاوض معها ويجب اجتثاثها بالمطلق , وهذا ما كان يزعمه ويسوقه التحالف العربي إضافة الى الروابط المزعومة والمبالغ فيها مع إيران في حين كان الغرب وعلى رأسه أمريكا يرفض وضعهم في قوائم الارهاب بل وينفي خطرهم المحدق المبالغ فيه كما ذهب المجتمع الدولي أبعد من ذلك في اعترافه باتفاق السلم والشراكة وباعتبار انصارالله طرفاً سياسياً يمنياً يجب إشراكهم في العملية السياسية , إلا أنه وبسبب الحاح دول “التحالف العربي” تراجع المجتمع الدولي عن ذلك ووافق على منح دول التحالف غطاء للحرب ليس على تلك الأسس والمزاعم التي حاولت دول التحالف تسويقها , بل على أسس أخرى تمثلت في اعادة الشرعية والعملية السياسية إلى مجاريها وحسم الأمور بحرب قصيرة ودقيقة ومركزة وهذا ما التزم به التحالف امام العالم .

انطلقت الحرب وانطلقت معها عملية سياسية ذات مسارين الأول مساراعادة بناء الشرعية ومؤسساتها والتحالفات بين الأحزاب التقليدية المنضوية فيها ومسار آخر تفاوضي -وإن كان بصورة غير مباشرة – مع انصارالله “الانقلابيين” كان الهدف منه ربما جس النبض وتليينهم كحركة وليس كمواقف فقط واستمرت العمليتان السلمية والحربية في السير بالتوازي إلى أن استنفذت كل إمكانياتها دون تحقيق شيء جوهري أو حاسم في الجانب العسكري أو الجانب السياسي , وتفاقمت فاتورة الحرب مالياً وسياسياً وانسانياً وكبرت نتائجها المدمرة ووصلت إلى مرحلة يصعب تحمل تكاليفها الشاملة وكذلك يستحيل التملّص منها او إخفاؤها.

بالونة كيري الاختبارية :

كان بإمكان السعودية إيقاف الحرب والتنصل عن مسؤولية نتائجها أو اختزال النتائج في الجانب المالي فقط عندما اعلنت انتهاء “عاصفة الحزم” والإنتقال إلى عملية “إعادة الامل” إلا أن تعهداتها للمجتمع الدولية بإعادة الشرعية والعملية السياسية إلى مجاريها وكذا تطرفها في إقناع العالم بأن أنصارالله منظمة راديكالية يجب اجتثاثها منعها من اغتنام تلك الفرصة , وأدى بها إلى الإنزلاق نحو مزيد من الحرب والتدمير وإضافة مزيد من التعقيدات حتى جاء اجتماع ظهران الجنوب مع أنصارالله ليمثل لها طوق نجاة من الحرب وتحويلها من مسؤول مسؤولية كاملة عن الحرب ونتائجها إلى راعٍ للأطراف وللعملية السياسية مقابل تخليها عن شرعية الرئيس هادي ولم يتبقى شيء إلا إخراج ذلك الاتفاق بشكل يكون فيه مقبول للعالم عبر مفاوضات الكويت التي كان يفترض فيها أن تكون انعكاساً لما تم الاتفاق عليه في ظهران الجنوب , لكن “الشرعية” رفضت ذلك ووقف معها المجتمع الدولي الذي بدا الامر له كأن هناك حلقة مفقودة لم يستوعبها وهي الفرق بين مبررات الحرب وأهدافها التي كانت تسوقها السعودية وبين ذلك الإتفاق الذي هو نقيضها تماماً , لذلك انتهت مفاوضات الكويت دون نتيجة وجاءت مبادرة كيري الذي انتقل بنفسه للمنطقة لمحاولة فهم مايدور بالضبط حاملاً مبادرة تحمل في مضمونها نفس روح اتفاقية ظهران السرية والتي بدت انها لصالح السعودية وانصارالله وضد “الشرعية” التي أريد لها أن تكون كبش الفداء , وما إن وافق جميع الأطراف باستثناء “الشرعية” حتى حمل كيري مبادرته معه بعد ان تم وقف او تعليق العمل بها لتتضح الأمور فيما بعد أنها كانت مجرد بالونة اختبار لكل الأطراف لسبر اغوار مواقفهم الحقيقية وماتم الاتفاق عليه سراً وهذا لايعني أنها لم تكن تحمل في طياتها مبادئ عامة يمكن اعتبارها اسساً للحل حتى في المستقبل .

في تلك الفترة , كان يُتداول في الأوساط السياسية أن كيري بعد عودته إلى أمريكا أخبر قيادة التحالف العربي (السعودية) أنه لايمكن لهم أن يفرّوا من استحقاقات الحرب وأن يتنصلوا أمام المجتمع الدولي من أهداف ومبررات الحرب التي وضعوها بأنفسهم , وتم تذكيرهم بأهدافهم و بسقوفهم التي كانت مرتفعة جداً وانه لايمكنهم الهروب الى نقيض ذلك ,  وأن أمامهم خيارين لاثالث لهما وهما :

– إما الإستمرار في الحرب لتحقيق الأهداف التي وضعوها هم بأنفسهم (أي التحالف العربي ) وهي إعادة الشرعية إلى صنعاء واجتثاث انصارالله بالكامل .

– أو تحمل التكلفة والمسؤولية كاملة (المالية والسياسية والانسانية والاجتماعية …. الخ ) وانعكاساتها السلبية عليهم .

فيما بعد تبنت إدارة الرئيس ترمب نفس ذلك الموقف , وهذا ماوضع السعودية في حرج شديد كونها لاتستطيع أن تحقق تلك الأهداف وحتى إن استطاعت فالتكلفة في مختلف المجالات ستكون اكبر من قدرتها على تحملها فهي غير قادرة على تحمل ماسبق فكيف يمكنها تحمل أعباء إضافية قادمة مستقبلاً إن حاولت الحسم عسكرياً , في المقابل كذلك حلفاء صنعاء (الانقلابيون ) وقعوا في نفس المازق بعد أن اعتقدوا أن الحل في متناولهم من خلال المفاوضات التي تمت مع السعودية سراً وتقاعسوا عن التمسك بكامل الارض فأصبحوا غير قادرين على استرجاع الأراضي التي ليست تحت سيطرتهم لاعتبارات كثيرة اهمها عدم مقدرتهم على تحمل اعباء وتكلفة استرجاعها وإدارتها والدفاع عنها كالمناطق التي تخضع لهم وكذلك غير قادرين على تقديم أي تنازلات إضافية لمعرفتهم أنه سيتم تحميلهم مسؤولية الحرب ونتائجها وفي ذلك نهايتهم وربما لعقود طويلة , لذلك كان ذلك الإنسداد والركود في مسرح العمليات على امتداد كل الجبهات وكذا في العملية السياسية والذي أوصل الأزمة اليمنية لحالة اللاحرب واللاسلم الإستنزافية (المقصود لاحرب حاسمة ولاتوجد عملية سلمية تفضي لحل نهائي ).

تجميد بالونة كيري أو مبادرته ووقف تنفيذها أنعشت في أذهان الأطراف الإقليمية والمحلية الأسئلة الأهم عن ماهية تكلفة الحل ؟ ومن سيتحمل التكلفة ؟ وهل يمتلك طرف بمفرده القدرة على تحمل تلك التكلفة ؟

كما كشف للجميع ايضاً أن حالة الركود والإنسداد تلك ستستمر إلى حين امتلاك الأطراف الإجابة على تلك الاسئلة , حينها فقط سيمكن تحريك ذلكم الركود وإنهاء الحرب سواء بالحسم العسكري لأحد الأطراف أو بالسلم وبالعمل السياسي .

من حساب الأستاذ أزال الجاوي على فيسبوك , نشرت بتاريخ 4 أكتوبر 2017م