رافائيل غروسي.. والتقارير المسمومة..!

796

أبين اليوم – الأخبار الدولية

كان من المنتظر أن يتخذ المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، موقفاً ولو تلميحاً، من الترسانة النووية “الإسرائيلية” التي تعتبر الخطر الأكبر الذي يهدد أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط، أو من الممارسات الإرهابية والمخربة للكيان الإسرائيلي ضد المنشآت النووية الإيرانية، او من جرائم الاغتيال الجبانة التي نفذها هذا الكيان ضد العلماء الايرانيين، إلا ان الرجل، لم يتخذ مثل هذا الموقف أبداً، بل على العكس، لم يكف عن اتخاذ مواقف ضد إيران، فسرها أغلب المراقبين، بأنها تأتي في سياق جهود مريبة لتسميم العلاقة بين ايران والوكالة الدولية.

غروسي هذا، كان شاهداً على التقارير الـ15 الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتي اكدت التزام ايران الكامل بالاتفاق النووي، وهو إتفاق وبشهادة العلم، لم يلتزم به إلا طرف واحد، وهذا الطرف هو إيران، حتى بعد إنسحاب امريكا من الإتفاق النووي، وفرضها حصاراً غير مسبوق على إيران، وحتى بعد سحب الاطراف الاوروبية في الاتفاق، شركاتها من ايران، في تواطؤ صارخ مع امريكا ضد ايران، بذريعة الخوف من الحظر الامريكي.

ايران وفي محاولة منها منح الأطراف الأوروبية فرصة للتعويض عن الخسائر التي تعرضت لها جراء الإنسحاب الامريكي، استمرت متمسكة بالاتفاق النووي على مدى عام كامل بعد الانسحاب الامريكي، بشهادة تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلا أن الأوروبيين، كانوا شركاء في الاتفاق، في الشعارات والخطابات فقط، بينما على الارض، فكانوا يتعاملون مع ايران كما تعاملت امريكا، فقاطعوا النظام المالي والمصرفي الإيراني، ولم يتعاملوا تجارياً مع ايران، وجمدوا جميع الاموال الايرانية الموجودة في البنوك الاوروبية.

بعد ذلك وفي محاولة للضغط على الأطراف الأوروبية ودفعها للالتزام بما تعهدت به في الاتفاق النووي، ، بدأت ايران ، كل ثلاثة اشهر بتقليص التزاماتها بالاتفاق النووي، واستمر هذا الحال لمدة عام آخر، ولكن دون جدوى. إلا ان إغتيال العالم الايراني محسن فخري زادة، والاعتداء الارهابي الذي استهدف منشأة نطنز النووية ، والذي كاد ان يؤدي الى كارثة انسانية وبيئية خطيرة جداً..

وهما جريمتان “اسرئيليتان” بإمتياز، بدعم وتواطؤ امريكي واضح، دفعتا ايران الى وقف تنفيذ جميع أنشطة المراقبة والتحقق التي تتجاوز اتفاقية الضمانات الإيرانية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بما في ذلك التنفيذ الطوعي للبروتوكول الإضافي، ورفع مستوى التخصيب في نطنز الى 60 بالمائة.

ادارة الرئيس الامريكي جو بايدن، التي لمست لمس اليد، فشل سياسة ترامب ازاء ايران، وفشل “اسرائيل” في وقف عجلة البرنامج النووي الايراني، بدات بالتفكير بالعودة الى الاتفاق النووي، عبر مجموعة 4+1 التي تتفاوض مع ايران، الا انها مازالت تأمل في استغلال الحظر الذي فرضه ترامب ضد ايران، من اجل الحصول على تنازلات منها، او محاولة تغيير اتفاق عام 2015 بما يتلائم مع رؤية امريكا، وهو امر رفضته ايران جملة وتفصيلاً، واكدت على لسان كبار مسؤوليها، ان لا تغيير في الاتفاق النووي، ولا عودة لامريكا الى الاتفاق ، الا بعد رفع الحظر الاحادي الجانب الذي تفرضه على ايران، وبالشكل الذي يجب التحقق منه.

المفاوضات التي تشهدها فيينا، منذ نيسان ابريل الماضي، بين ايران ومجموعة 4+1، لايجاد آلية لعودة امريكا الى الاتفاق النووي، ورفع الحظر الامريكي عن ايران، يبدو انها وصلت الى نتائج مهمة، الأمر الذي استفز، الكيان الإسرائيلي والسعودية واليمين الامريكي المتصهين، الذين بدأوا حتى قبل شروع المفاوضات، بشن حملة منسقة، من اجل افشالها بشتى الوسائل المتاحة لها.

المراقبون يرون في تقارير المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي، التي تضمنت مزاعم واكاذيب، حول العثور على آثار مواد نووية في موقع يعود تاريخه الى عقود مضت، محاولة واضحة لتسميم العلاقة بين ايران والوكالة، وبالتالي التشويش على سير المفاوضات الجارية في فيينا.

ايران أعربت عن اسفها لاصدار الوكالة تقارير غير موثقة، مبنية على ادعاءات واهية، بالرغم من التعاون العملاني والبناء الذي جسدته ايران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ودعت الوكالة الى ان تنأى بنفسها عن تسييس الاجواء وإيجاد حالة من الاستقطاب تهدد تماسك الوكالة ومهامها التقنية، اعتماد اعلى ادعاءات مفبركة.

مندوب روسيا في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ميخاييل اوليانوف، بدوره دعا الوكالة الدولية ، إلى عدم تسييس قضايا متعلقة بالاتفاق النووي مع إيران واشار الى ان بلاده اطلعت على تقرير مديرها العام، رافائيل غروسي، حول تطبيق اتفاق الضمانات مذكراً بأن الهدف الأساسي من أعمال الفحص التي تنفذها الوكالة يتمثل في ضمان عدم إستخدام أي من المواد الأصلية أو الانشطارية في النشاط السلمي على أراضي البلاد لأغراض متعلقة بالأسلحة النووية.

وان الأسئلة الخاصة بالجزيئات المكتشفة للمواد النووية، لا تستحق انتباها من قبل مجلس المحافظين في الوكالة، نظرا لطابعها التاريخي وغياب مخاطر متعلقة بقضية عدم انتشار الأسلحة النووية في الوقت الحالي.

من الواضح، ان تقارير غروسي الأخيرة، وان كانت تبدو انها كتبت من أجل عيون أعداء الإتفاق النووي، الا ان الامريكيين، هم من اكثر المستفيدين منها، ان لم يكونوا هم من أمر بكتابتها، فامريكا ترى في هذه التقارير، وسائل ضغط ، يمكن ان تستخدمها في المفاوضات الجارية في فيينا.

ولكن فات أعداء الاتفاق النووي، وادارة بايدن، ان تجارب الاعوام الاربعة الماضية، اثبتت ان ايران، ليست بالبلد الذي يمكن الحصول منه على تنازلات، من خلال الحظر الاقتصادي والضغوط السياسية والتهديدات العسكرية والحرب النفسية والممارسات الإرهابية..

فقد ردت على كل استفزاز، امريكي او اسرائيلي، بأقوى منه أضعافاً مضاعفة، وما نسبة تخصيب اليورانيوم، وإستخدام أجهزة طرد مركزي متطورة، إلا بعض هذا الرد. لذا ليس أمام بايدن، إلا أن يلجم أتباعه في تل أبيب والرياض وفي الوكالة الدولية، وكذلك منافسيه في واشنطن، ومنعهم من إفساد عودته إلى الإتفاق النووي، فالوقت ليس في صالح أمريكا.

المصدر: العالم