ما هي الأسباب الستّة وراء “الطّلاق” السّعودي الباكستاني البائِن؟ وهل إهانة الأمير بن سلمان لرئيس الجيش الباكستاني أبرزها؟ ولماذا أعاد عمران خان القرض السّعودي بطريقةٍ نَزِقَة؟ وهل يُخطّط لتكتّل إسلامي إيراني تركي باكستاني بزعامة الصين كبديل..!

302

بقلم/ عبد الباري عطوان

خبرٌ صغيرٌ في عددِ كلماته، كبيرٌ في معاني السياسيّة الإستراتيجية، جرى نشره في ذيل الصّفحات الاقتصاديّة في مُعظم الصّحف العربيّة اليوم، يُسلّط الأضواء على أزمة إستراتيجية كُبرى في العُلاقات بين المملكة العربيّة السعوديّة ودولة الباكستان، القوّة النوويّة الإسلاميّة الوحيدة في العالم، قد تَصِل إلى حدّ القطيعة.

يقول الخبر إنّ الباكستان أعادت مِليار دولار من قرضٍ سعوديّ قيمته 3 مِليارات دولار، جرى تسديد مِليارًا منه في تمّوز (يوليو) الماضي، بحيث لم يبق منه إلا مِليارًا واحدًا ستُسدّده الحُكومة الباكستانيّة الشّهر المُقبل كانون الثاني (يناير) بعد حُصولها على قرضٍ ماليٍّ “مُيسّر” من حليفها الصّيني.

تتضارب الآراء حول أسباب هذا التوتّر بين دولتين يعود تاريخ تحالفهما الاستراتيجي لحواليّ سبعين عامًا، وبالتّحديد إلى انفِصال باكستان عن الهند، فهُناك رواية تقول إنّ المملكة العربيّة السعوديّة التي تراجع اقتصادها، ودخلها القويّ من جرّاء تراجع العوائد النفطيّة ووصول العجز إلى 80 مِليار دولار في ميزانيّة العام الحالي، وحواليّ 40 مِليار دولار في ميزانيّة العام المُقبل (2021) التي انخفضت بنحو 7 بالمئة باتت بحاجةٍ إلى الأموال..

ومارست ضُغوطًا على الحكومة الباكستانيّة التي لا يكن رئيسها عمران خان إلا القليل من الود لها، لتسديد هذا المبلغ، بينما تقول رواية أخرى إنّ التّقارب الاستراتيجي الهندي السّعودي، والإيراني الباكستاني في المُقابل، كان من أبرز أسباب هذا التوتّر، أوْ بالأحرى أحد عناصر التّفجّر له، وظُهوره على السّطح.

يُمكن اختِصار هذا الإنقلاب الخطير في العُلاقات السعوديّة الباكستانية المُرشّحة إلى تصعيدٍ أكبر للخِلافات مُستقبلًا في النّقاط التّالية، قبل أيّ استِشرافٍ لانعِكاسها على العالم الإسلامي ومِنطَقة الشرق الأوسط تحديداً:

أولاً: بدأت الخِلافات تتفاقم بين السعوديّة وباكستان مُنذ حرب اليمن في آذار (مارس) عام 2015، عندما رفضت حُكومة إسلام أباد إرسال قوّات للمُشاركة في هذه الحرب، مثلما رفضت أيضًا فكرة تشكيل حلف “ناتو إسلامي” دعا إلى تأسيسه الأمير محمد بن سلمان وليّ العهد السّعودي بزعامةِ بلاده.

ثانياً: بلغ التوتر ذروته بين البلدين عندما أقدمت الرياض على إزالة خطّ الحُدود التّابعة لباكستان في كشمير ممّا يُفَسَّر على أنّه اعترافٌ بضمّ الهند للإقليم المُتنازع عليه، وأصدرت المملكة عُملةً من فئة عشرين ريالًا احتِفالًا برئاستها لتنظيم قمّة العشرين 21 – 22 من الشّهر الماضي، وكان على ظهرها خريطة “جديدة” للعالم تختفي فيها هذه الحُدود السّابقة للإقليم حسب تقرير نشرته صحيفة “يورو آسيا”.

ثالثاً: تحذير أصدره السيّد محمود قريشي، وزير خارجيّة باكستان، وارتكب إساءةً للمملكة هدّد فيه أنّه إذا لم تطرح السعوديّة قضيّة كشمير وانتِهاكات الهند فيها على قمّة جدول أعمال اجتماع طارئ لمُنظّمة التّعاون الإسلامي ومقرّها جدّة فإنّ باكستان ستنضم إلى كُتلةٍ إسلاميّةٍ أُخرى، ويعني بذلك الكُتلة الإيرانيّة التركيّة التي تتزعّمها الصين والمُناهِضَة للسعوديّة، فردّت السعوديّة على هذه الإهانة بمُطالبة باكستان باستِعادة مِلياراتها.

رابعاً: حاول الجِنرال قمر جاويد باجوا رئيس هيئة أركان الجيش الباكستاني التحرّك لتطويق الخِلاف بحُكم عُلاقاته الجيّدة مع المملكة، وطار إلى الرياض لهذا الغرض، ولكنّ الأمير محمد بن سلمان وليّ العهد ووزير الدّفاع، رفض استِقباله، وعاد إلى إسلام أباد بخُفّي حُنَين، الأمر الذي أثار غضب الحُكومة والمُؤسّسة العسكريّة الباكستانيّة معًا اللّذين اعتَبرا هذا التصرّف إهانةً لا يُمكِن غُفرانها.

خامساً: السعوديّة شعرت بالصّدمة من جرّاء التّقارب الباكستاني الإيراني مُنذ وصول السيّد عمران خان إلى رئاسة الوزراء، وقِيام العالم عبد القدير خان مُؤسّس البرنامج النّووي الباكستاني بتقديم خُبراته النوويّة لنُظرائه الإيرانيين حول كيفيّة بناء أسلحة نوويّة، مُضافًا إلى ذلك، مُوافقة الرئيس خان على المُشاركة في قمُة كوالالمبور الإسلاميّة كانون الأوّل (ديسمبر) عام 2019، التي دعا لعقدها الزعيم الماليزي مهاتير محمد بالتّنسيق مع نظيره التركي رجب طيّب أردوغان لتأسيس تكتّل إسلامي بديل لمُنظّمة التّعاون الإسلامي التي تتزعّمها السعوديّة.

سادساً: السعوديّة باتت في غنى عن باكستان التي ضخّت مِليارات الدّولارات دعماً لبرنامجها النووي واقتِصادها بشَكلٍ عام لكيّ يكون الرّدع النووي الباكستاني ضمانة لمُواجهة أيّ تهديد إيراني.. ولكن مع الهجمة التطبيعيّة الخليجيّة الحاليّة نحو إسرائيل وبمُباركةٍ سعوديّة، يبدو أنّ القِيادة السعوديّة وجدت في إسرائيل البديل المُستقبلي لباكستان، خاصّةً أنّ العداء لإيران يُشكّل أرضيّةً مُشتركةً للبلدين، أيّ إسرائيل والسعوديّة.

ما يُمكِن استِخلاصه من كُل ما تقدّم هو وصول التّحالف التّاريخي الاستراتيجي بين الباكستان والسعوديّة ودول خليجيّة أُخرى إلى طريقٍ مسدود، والاحتِمال الأكثر ترجيحًا هو الفُراق في المرحلة الحاليّة على الأقل، وتوجّه الباكستان إلى الصين شرقًا وإيران وتركيا غربًا، وما بينهما من حُلفاء وأذرعة عسكريّة حليفة مِثل قطر “الجزيرة”، ويمن أنصار الله، ولبنان حزب الله، وعِراق الحشد الشعبي، وأيّ دولة إسلاميّة ترغب في الانضِمام إلى التّكتّل الجديد الذي قد يتبلور بقُوّةٍ في العام المُقبل 2021.

نحن أمام محور عالمي جديد تتزعّمه الصين  وروسيا، ويَضُم إيران وتركيا وباكستان وربّما الهند أيضاً، وهذا المحور قد يتعزّز مع تَصاعُد احتِمالات الحرب الأهليّة وتفكّك القوّة الأمريكيّة الأعظم خاصّةً مع وصول تقارير بأنّ الرئيس دونالد ترامب لن يُغادر البيت الأبيض طوعًا وباتَ يُعَبّئ أنصاره العُنصريين على التمرّد والثّورة.

أين العرب في ظِل هذه التطوّرات؟ إنّهم يتّجهون في مُعظمهم للانضِمام إلى تكتّلٍ بزعامةِ “إسرائيل” اعتِقادًا من بعض زُعمائهم المُطبّعين أنّها يُمكن أن تكون بديلًا لأمريكا شِبه المُنسَحِبَة من المِنطَقة، وبما يُمكن أن يُوفّر لهُم الحِماية باعتِبار إسرائيل “العم” أو “الكفيل الجديد”.. وتوقّعاتنا أنّه رِهانٌ خاسِرٌ حتماً سيكون ثمنه باهِظاً جداً.. والأيّام بيننا.