وفد للكونغرس في بيروت.. هل يسعى لإصلاح ما أفسدته واشنطن وسفيرتها..!

4٬784

أبين اليوم – الأخبار الدولية

يقال أن وفداً للكونغرس الأميركي برئاسة النائب مارك تاكاتو وعضوية النائبين كولن الريد وكاتي بورتر وصل لبنان مباشراً تشديده خلال لقائه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وبحضور السفيرة الأميركية دوروتي شيا، أمس الإثنين في السراي الحكومي، على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية داعياً النواب الى إنجاز هذا الأمر في أسرع وقت ممكن.

وفد الكونغرس الاميركي جاء في وقت يبحث فيه لبنان عن حلول للخروج من نفق أزماته المالية والاقتصادية والنقدية التي يعاني منها، ومن ضمن ذلك طرق باب صندوق النقد الدولي للحصول على قرض مالي، وإمكانية تعويم العملة المحلية.

لماذا صندوق النقد الدولي؟

المعروف أن صندوق النقد الدولي تأسس في ظرف استثنائي في اربعينيات القرن الماضي حيث كان النظام العالمي يعيش انتشار وتفاقم الأزمات الاقتصادية، وتخبُّطاً في السياسات المالية، فضلاً عن الآثار المدمرة للحرب العالمية الثانية، وهو الشيء الذي دفع القوى العالمية، بقيادة الولايات المتحدة، إلى عقد اجتماع أممي في عام 1945، ضم 44 دولة، نتج عنه توقيع اتفاقية “بريتون وودز”، التي تم بموجبها إنشاء صندوق النقد والبنك الدوليين.

عمدت الولايات المتحدّة الى تصوير صندوق النقد الدولي على انه “المخلّص” لأزمات الدول الاقتصادية فيما لم يكن سوى “فخ” لإيقاعها تحت “الاستعمار المالي” الأمريكي من خلال العديد من الأساليب والبنود، من أهمها الخصخصة والمديونية ومبدأ المشروطية، وتفتعل واشنطن الأزمات في الدول حتى تتسلّل عبر صندوق النقد الى الدول لتسطو على مفاصل الدولة الاقتصادية ومؤسساتها بما يخدم مصالحها وأجنداتها الرأسمالية.

وقت ذاك، كان الهدف الرئيس من إنشاء صندوق النقد الدولي هو تحقيق النمو الاقتصادي بعد الحرب العالمية الثانية، وتعزيز سلامة الاقتصاد العالمي، إضافة إلى منع وقوع الأزمات المالية، من خلال إلزام الدول الأعضاء باعتماد سياسات اقتصادية سليمة، وقد عمد الى تأمين موارده من الدول الأعضاء، وبذلك تمثل حصة البلد العضو في الأساس انعكاسًا للحجم الاقتصادي النسبي للبلد العضو ومركزه في الاقتصاد العالمي، كما تحدد هذه الحصة مدى قدرة البلد العضو في التأثير على قرارات صندوق النقد الدولي.

هل من مخرج لازمة لبنانية ‘في الافق القريب’؟

لا يخفى أن للتعامل مع صندوق النقد آثاراً اقتصادية كارثية ظهرت على أغلب الدول المقترضة، ماأظهرت دوراً خفياً يلعبه الصندوق، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية.

يوم امس اعتبر عميد كلية الاقتصاد في جامعة الحكمة في لبنان، أن هناك حاجة لتأمين ايرادات إضافية للدولة اللبنانية متسائلاً هل ستأتي من الضرائب؟ أم سيطلب من مصرف لبنان طباعة أموال اضافية؟

وهذه هي الإشكالية الأساس التي تطرح اليوم، حيث كان المصرف المذكور يطبع كمية كبيرة جداً من الليرة اللبنانية ويطرحها في السوق والكتلة النقدية في مطلوبات مصرف لبنان التي تظهر في ميزانيته تشير ان مطلوباته زادت من 38 الف مليار الى اكثر من 70 الف مليار خلال هذه فترة 5 أشهر، وهذا الأمر له تداعيات كبيرة جدا على سعر صرف العملة الوطنية مقابل الدولار، الّذي سيستمر بالتصاعد ويُفقد المزيد من قيمة الليرة.

تحذيرات الوفد الاميركي.. منها دولية:

الوفد الاميركي بدا محذراً من تحديات قادمة كثيرة سيشهدها عام 2023 القادم، عالمياً ومنها ما يتعلق بالأمن الغذائي وتأمين المساعدات من الولايات المتحدة للدول الصديقة، لذا يتوجب على المشرعين والسياسية اللبنانيين بذل جهود كثيرة لوضع لبنان على سكة التعافي التي لا تتم من دون محاربة ما اسماه بـ”الفساد” واقرار القوانين المطلوبة من قبل “صندوق النقد الدولي”، مهنئاً في الوقت ذاته الدولة اللبنانية على جهودها في انجاز مشاريع القوانين التي طلبها صندوق النقد الدولي والتي أحيلت الى مجلس النواب متمنيا الاسراع في اقرارها.

وكما يعلم الجميع ان صندوق النقد الدولي هو مؤسّسة دولية مهمّتها الظاهرية تتجوهر في مزاعم “الحفاظ على الاستقرار النقدي وتسهيل عمليّات التجارة الدوليّة ومساعدة الدّول على معالجة مشاكلها الاقتصادية المستجدة ومحاربة البطالة والفقر”، حيث يقدّم الصندوق قروضا لمعالجة الخلل في ميزان المدفوعات، شرط أن تقدّم الدولة المعنيّة ما يلزم لتصحيح أوضاعها بالتعاون مع الصندوق أو بتوجيه منه، وبما يصب في صالح السياسة الاميركية الاستحواذية في المنطقة والعالم.

الصندوق يصدر تقارير سنوية عن اقتصادات البلدان المنضوية بعد زيارات معاينة، وأبحاث مع السلطات النقدية والمالية. تلك التقارير تعتبر مرجعاً من المجتمع الدولي لقياس سلامة الاقتصاد المعني، وتسهّل له في حال كانت إيجابية (ومطابقة للسياسات الاميركية)، الحصول على قروض يزعم الصندوق انها “ميسّرة” من بلدان مقتدرة وراغبة لأسباب مختلفة في مساعدة هذا البلد لتخطّي مشاكله أو أزماته. ليس من عادة الصندوق تقديم هبات مالية، إنّما يقدّم مساعدات تقنيّة وعلميّة وقروضاً ميسّرة محدودة.

قالت مجموعة البنك الدولي في تقرير نشرته الاربعاء الماضي، أن إجمالي الخسائر المالية للبنان وصل إلى 72 مليار دولار، وإن الخسائر المالية التي يعاني منها اقتصاد لبنان وماليته العامة، تعادل 3 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي لسنة 2021، داعيا إلى ضرورة إعادة هيكلة القطاع المصرفي المحلي، فيما قالت “رويترز” ان الاقتصاد اللبناني انكمش بأكثر من 40% منذ 2018.

القاسم المشترك بين لبنان وسوريا والعراق:

الاوضاع الاقتصادية في داخل العراق وسوريا ولبنان لا تختلف كثيرا عن بعضها، فالبلدان الثلاثة لها خطورة مباشرة على الكيان المحتل لفلسطين، إمّا لقربها الجغرافي او لإقتدارها العقائدي او للاثنين معا، وقد عانا العراق من احتلال مباشر قادته الولايات المتحدة الاميركية في 2003، وبذلك يعتبرا البلد الاكبر تضرراً من سياسات صندوق النقد الدولي منذ احتلاله عبر قوانين “بول بريمر” الذي “عينه الرئيس الأمريكي جورج بوش رئيسا للإدارة المدنية للإشراف على ما يسمى بـ”إعادة إعمار العراق” في 6 مايو 2003، بدلاً من الجنرال المتقاعد جاي غارنر”، حيث سمحت قوانين “بريمر” بتوغّل الشركات الامريكية في العراق وسادت فيه الاحتكارات..

وطبعاً ليس النموذج العراقي هو الوحيد، انما حتى في لبنان حيث سعت السفيرة الأميركية “دوروتي شيا”، على لعب نفس دور “بريمر” في العراق وربط لبنان من رقبته باتفاقات مشروطة مع صندوق النقد الدولي، الذي يعاني من أزمات معيشية ومالية و اجتماعية في اغلبها مفتعلة.

افتعال التجويع والازمات المعيشية في لبنان وتحطيم العملة المحلية وارتفاع سعر الدولار وبالتالي ربط البلد بشروط الصندوق تحت مزاعم تخليصه من ازماته انما هي ادوار شرسة قاسية تشير بعض الأوساط الاقتصادية الامريكية الى انها “سياسته تتعارض مع حقوق الانسان”!

أمريكا.. ما الذي حدا مما بدا؟

الوفد الاميركي هنأ الدولة اللبنانية على جهودها في إنجاز مشاريع قوانين طلبها صندوق النقد الدولي وتمت احالتها الى مجلس النواب متمنيا الاسراع في اقرارها، بينما المعروف ان كل عملية مجزية للبنان باتت تحتاج إلى إذن أميركيّ كما حدث قبل فترة في مجال النفط بعرقلة واشنطن عملية ترسيم الحدود البحرية على أساس الخط 29، فيما سمحت للبنان استجرار الطاقة من الأردن والغاز من مصر عبر سوريا، والجميع يعلم ان إملاءات واشنطن في استجرار الطاقة من الاردن والغاز من مصر لا يمكن إتمامها وبذلك تضمن واشنطن شراء الوقت وتمرير مساعيها في ابقاء تلكؤ وتوقيف محطات الكهرباء عن الإنتاج، إلا ‘بالقطّارة’ لندرة العملة الصعبة في بلد منهك اقتصاديا وذلك بالفعل ما تتوخاه وتسعى اليه.

جاء في مقال سابق نشره موقع صحيفة الاخبار اللبناية بتاريخ الثلاثاء 26 تشرين الأول 2021، ان لدى صندوق النقد الدولي، لائحة مطالب يطرحها كشروط لحصول لبنان على مساعدات مادية ومعنوية محدودة، غير أنه من المرجح أن يؤدي الفراغ السياسي غير المسبوق، إلى زيادة تأخير التوصل إلى أي اتفاق بشأن حل الأزمة وإقرار الإصلاحات الضرورية، ما يعمق محنة الشعب اللبناني.

هل يتجاوز لبنان “نظرية الصدمة” والرضوخ وعقيدة أميركا في استغلال معاناة الشعوب؟

لبنان اليوم ليس بعيداً عن المخططات الاستكبارية التي تحاول دفعه إلى هاوية كارثة اقتصادية وسياسية ومالية واجتماعية مفتعلة وربما يُجَرُّ الى منحدر السقوط ثم اجباره على الرضوخ لخيارات صندوق النقد الدولي الشرسة إلا ان يتمكن من الخروج بامان شبه مستحيل مع ظروفه الحالية، إلا في حالة واحدة وهي معرفة إدارة الأزمة كما حدث في العديد من الدول التي استطاعت تسديد كامل قروضها لصندوق النقد الدولي ككوريا الجنوبية، البرازيل، وروسيا والأرجنتين والأوروغواي، وتركيا ولاتفيا وهنغاريا، ومقدونيا ورومانيا وآيسلندا، التي تمكنت من الخروج بسلام من عنق الزجاحجة الضيق بتمكنها ممن إدارة القروض التي استعانت بها من صندوق النقد دون الانغماس في هاوية الديون.

المصدر: العالم