عطوان: هل اقترب اليوم الذي سنَشكُر فيه “بن غفير” على اقتِحامه للمسجد الأقصى؟ وما هو الإنجاز الضّخم الذي حقّقه للشعب الفِلسطيني دون أن يُدرك؟ ولماذا لن يَجِد نتنياهو وسيطًا عربيًّا يُهرول إليْه إذا انهمرت الصّواريخ والمُسيّرات فوق رأسه؟ وما هو الجديد القادم والوشيك من الجبهةِ اللبنانيّة..!

5٬610

أبين اليوم – مقالات وتحليلات

بقلم/ عبد الباري عطوان

اقتِحام إيتمار بن غفير وزير الأمن القومي الإسرائيلي للمسجد الأقصى قد يكون أغلى هديّة يُقدّمها للشعب الفِلسطيني، وكتائب مُقاومته في جميع الأراضي المُحتلّة، خاصَّةً في مِثل هذا التّوقيت الذي تتآكَل فيه السّلطة وتنسيقها الأمني، وتفقد اتّفاقات التطبيع العربيّة ما تبقّى لها من زخمٍ قليل من المُضلّلين، وتتحوّل بشَكلٍ مُتسارع إلى عبء، وقنبلةً موقوتةً شديدة الانفِجار على موقعيها، والأهم من كُل ذلك تورّط أمريكا مصدر كُل الشّرور، والجهة الدّاعمة الأكبر للإسرائيليين في حربِ استنزافٍ اقتصاديٍّ وعسكريٍّ وسياسيٍّ ستخرج منها ضعيفةً مُهانةً وربّما مُفكّكة.

هُناك مثل إنكليزي شهير يقول “مع هكذا أصدقاء، من يحتاج إلى أعداء”، وهذا المثل ينطبق على الولايات المتحدة والعالم الغربي الذي تتزعّمه، بالنّظر إلى هذه الاستِفزازات الإسرائيليّة المُتصاعدة من قِبَل حُكومة نِتنياهو وبن غفير، ولا نستبعد أن ينطبق هذا المثل أيضًا على فلاديمير بوتين أيضًا الذي يتباهى بصداقته ببنيامين نِتنياهو.

الاحتِقان في الأراضي الفِلسطينيّة كان ينتظر عُودُ ثِقاب لتفجيره، وربّما يكون “المُفجّر” اقتِحام بن غفير للأقصى والإعلان عن فتح باحاته لصلاة اليهود وغير اليهود، وهذه خطوة قد لا تُغيّر الأوضاع، وموازين القِوى في فِلسطين المُحتلّة فقط، وإنّما ربّما مِنطقة الشّرق الأوسط كلّها.

الاقتِحام من قِبَل وزير يهوديّ عُنصريّ فاشيّ، شِعاره قتْل العرب وطردهم، وضمّ الضفّة الغربيّة، أراد أن يُثْبِت من خلاله أنه شُجاع لا يخاف صواريخ المُقاومة، ولا يركع لها، هو ورئيس وزرائه وكُل أمثاله الذين سيركعون، وسيُهرول إلى القاهرة وواشنطن استِجداءً لوَقفِ إطلاق الصّواريخ والمُسيّرات الاستشهاديّة التي ستنهال على الوطن الفِلسطينيّ المُحتل من الجِهات الأربع، ولن يجد من يستمع له بعد أن فقد كُل ما تبقّى له من مصداقيّةٍ في كُل الحُروب الأخيرة، وآخِرها معركة “سيف القدس”.

المُواجهة مع الاحتِلال باتت وشيكةً وستكون مُختلفةً، لأنّ حركات المُقاومة وكتائبها، وخاصَّةً “عرين الأسود” و”كتائب بلاطة وجنين”، ليس لها أيّ علاقة بالحُكومات العربيّة سواءً المُطبّعة أو غير المُطبّعة، ولا تكن لمُعظمها، إن لم يكن كلّها، أيّ احترام، وهذا مَصدرُ قوّتها.

السّلاح الذي يُقاوم الاحتِلال، سواءً كان بنادق أو صواريخ ليس عربيًّا، والشّيء نفسه يُقال عن المُساعدات الماليّة المحدودة “الطّاهرة”، ولهذا ستكون المعارك القادمة مع دولة الاحتِلال ذات نكهة خاصّة.

من “كرامات” بن غفير و”غزوته” لباحات المسجد الأقصى، توحيده لجميع الفصائل الفِلسطينيّة، قديمها وحديثها، على أرضيّة المُقاومة، وتعبئة الشّعوب العربيّة والإسلاميّة خلفها، وهذا إنجازٌ لم يتحقّق على مدى ثلاثين عامًا من الهوانِ والإذلالِ والمُفاوضات العبثيّة.

شعبيّة “حماس” تراجعت في الأشهر الأخيرة، خاصّةً بعد العمليّة الثأريّة لحركة “الجهاد الإسلامي” لمُعتقليها التي استمرّت ثلاثة أيّام، حيث وقفت “كتائب القسام” جانبًا بضُغوطٍ من بعض الدّول العربيّة المُطبّعة سِرًّا مع دولة الاحتِلال، ولكن عودة قائدها السّياسي يحيى السنوار، والعسكري محمد الضيف (أبو خالد)، و”أبو عبيدة” بكُوفيّته الحمراء أثناء الاحتِفال بذِكرى قِيامها قبل أسابيع في قِطاع غزّة، مُؤشّر على حُدوثِ طلاقٍ بائنٍ مع كُل مُنظّري الهُدن القصيرة أو الطّويلة مع دولة الاحتِلال، ولعلّ هذا الاقتِحام للمسجد الأقصى يُقدّم لها فُرصةً ذهبيّةً لاستِعادة هذه الشعبيّة.

المعلومات المُتوفّرة لدينا تُؤكّد أن جبهة لبنان تشهد تسخينًا غير مسبوق في الشّهرين الأخيرين، وأن كتائب “أحرار الجليل” الفِلسطينيّة التي أكملت عناصرها التّدريب على الاقتِحامات الحقيقيّة، وكيفيّة إطلاق الصّواريخ الدّقيقة ستنضم قريبًا جدًّا إلى شقيقاتها كتائب جنين وبلاطة وعرين الأسود، ونكتفي بهذا القدر.

العصابات الإرهابيّة اليهوديّة لعبت دورًا كبيرًا، وبدعمٍ بريطانيّ فرنسيّ، في إنجازِ اغتِصاب فِلسطين، وطرد مُواطنيها، وإقامة الدّولة العُنصريّة الصهيونيّة قبل ثمانين عامًا، وأبناء وأحفاد هذه العِصابات الدمويّة المُتطرّفة بقِيادة بن غفير سيُعجّلون بتدميرها، ليس لأنّهم أقوياء ومُتشدّدون، وإنّما لأنّ الفِلسطينيين تغيّروا، ولم يعودوا ينتظرون الجُيوش العربيّة، والسّلاح العربي، وأن هُناك محور مُقاومة يدعمهم، يملك صواريخ أسرع من الصّوت، وأكثر دقّة، ومُسيّرات غيّرت قواعِد الاشتِباك في الحرب الأوكرانيّة، وربّما كُلّ الحُروب الأُخرى القادمة.

المسجد الأقصى، وقبّة الصّخرة، وكُل المُقدّسات المسيحيّة والإسلاميّة، بقيت على حالها، بعد “غزوة” بن غفير اللُّصوصيّة، المُغافلة، لكنّ الأمْن والاستِقرار واحتِلال “الخمْس نُجوم” الذي تمتّعت به الحركة الصهيونيّة على مدى 74 عامًا لن يستمر.. والأيّام بيننا.

المصدر: رأي اليوم