عطوان: لماذا كُنّا نتوقّع ردًّا أقوى على مسيرة الأعلام.. عربيًّا وفِلسطينيًّا ودوليًّا؟ وهل ستطول فرحة نِتنياهو بهذا “الإنجاز”؟ وكيف سيكون ردّ كتائب المُقاومة المُتوقّع..!

5٬812

أبين اليوم – مقالات وتحليلات

بقلم/ عبد الباري عطوان

وجّه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نِتنياهو وحُكومته اليمينيّة العُنصريّة المُتطرّفة صفعةً قويّةً جدًّا ليس للأمّتين العربيّة والإسلاميّة وإنّما أيضًا لبعض فصائل المُقاومة، والسّلطة الفِلسطينيّة بتنظيمه “بنجاحٍ” لمسيرة الأعلام واقتحامها بوّابات المسجد الأقصى.

خمسة آلاف مُستوطن شاركوا في المسيرة السنويّة، أيّ ضِعف عدد المُشاركين فيها العام الماضي، والأخطر من ذلك أن المُشاركين هتفوا بشعاراتٍ عُنصريّةٍ استفزازيّةٍ مِثل “الموت للعرب” و”اليهوديّة رُوح الرّوح، والعربي ابن الزّانية، وجميع العرب أبناء العاهرات”، ومن المُؤسف أن ردّ فِعل العالم الغربيّ المُتحضر على هذه العنصريّة الوقحة، ووجود وزراء في حُكومة تدّعي أنها مُمثّل الحضارة الغربيّة في المِنطقة كان محدودًا وشِبه معدوم.

التخلّي عن حركة “الجهاد الإسلامي” وتركها وحيدةً في ميدان المُواجهة مع دولة الاحتِلال عندما ردّت فورًا، وبقوّة، على استشهاد ثلاثة من قادتها الميدانيين في قطاع غزّة، هذا التخلّي هو الذي شجّع نِتنياهو وحُكومته على المُضيّ قدمًا في المسيرة، لأنّهم يعلمون جيّدًا أن فصائل المُقاومة، لن تتصدّى لها، مثلما فعلت أثناء معركة “سيف القدس” في أيّار (مايو) عام 2021، وأن مقولة وحدة السّاحات كانت مُجرّد شِعارات وليس استراتيجيّة، وسقطت في أوّل وأهم امتحان.

نِتنياهو وأثناء معركة الأيّام الخمسة الأخيرة على قِطاع غزّة وجد في الوُسطاء العرب الذين أنقذوه من صواريخ حركة “الجهاد الإسلامي” وقذائف هاونها (1400)، وضغطوا على الحركة للقُبول بوقف إطلاق النار، طوق النجاة، ولكنّها استراحة المُحارب، والتقاط أنفاس، والجولة الثانية قادمة لا محالة، حسب مصدر كبير في الحركة.

كُنّا نتمنّى أن يكون الرّد على مسيرة الأعلام في القدس المحتلّة، ليس بتنظيم مسيرة أعلام فِلسطينيّة مُضادّة على حُدود قِطاع غزّة، ولكن يبدو أن هُناك جهات لا تُريد “معركة سيف ثانية” وتُفضّل تجنّب المُواجهة العسكريّة تجاوبًا مع مطالب الوُسطاء العرب وإملاءاتهم.

لا نعتقد أن فرحة الثلاثي نِتنياهو وإيتمار بن غفير، وبتسلئيل سموتريتش ستطول، ولا بد أن كتائب المُقاومة “المُستقلّة” في الضفّة الغربيّة والقِطاع تعكف حاليًّا على إعداد الرّد الذي سيُفاجِئ هؤلاء، مثلما فعلوا في الأشهر الماضية.

كان مُؤلمًا بالنّسبة إلينا، والكثيرين مثلنا، داخل الأراضي المُحتلّة وخارجها، أن نرى الرئيس الفِلسطيني محمود عبّاس “يَلطُم” من على منبر الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة، ويُطالب بحماية الشّعب الفِلسطيني، ويُقارن بين هذا الشّعب والحيوانات التي يُوفّر لها العالم الغربيّ أفخر أنواع الحماية والحياة الرّغِدَة.

والأكثر إيلامًا أن الرئيس عبّاس طالب بتعليق عُضويّة دولة الاحتِلال في المنظّمة الدوليّة بسبب مجازرها التي ترتكبها في حقّ الشعب الفِلسطيني، وهذا طلبٌ مشروع، ولكن كان على الرئيس عبّاس أن يكون هو المُبادر، والقُدوة، بسحب الاعتِراف بالدّولة العبريّة، وإلغاء اتّفاقات أوسلو وكُل ما تفرّع عنها من مُؤسّساتٍ وتنازلاتٍ، وأوّلها حلّ السّلطة، ووقف التّنسيق الأمنيّ، ولكنّه لم يفعل ولن يفعل، ولهذا لن تجد مطالبه أيّ صدى في المنظّمة الدوليّة.

الحرب جولات، ومثلما أجبرت عمليّات المُقاومة نِتنياهو على وقف جميع عمليّات اقتِحام المسجد الأقصى وباحاته طِوال شهر رمضان خوفًا ورُعبًا، سيأتي اليوم الذي سيُجبَر فيه على وقف هذه المسيرات كُلّيًّا، فَنَفَسُ الشّعب الفِلسطيني طويلٌ جدًّا، وإبداعاته في مُواجهة الاحتِلال بلا حُدود، ولنا في كتائب جنين، وعرين الأسود، والقسّام وشُهداء الأقصى، وسرايا القدس، وعمليّاتها في تل أبيب والخضيرة وبني باراك، والسّبع بعض الأدلّة.

الأيّام القادمة حُبلى بالمُفاجآت، ومن حقّ المُقاوم أن يلتقط أنفاسه، ويسدّ الثّغرات في حيطان صدّه.. ويُعيد تعزيز قوّاته ويتعلّم من بعض أخطائه.. ولا نُريد أن نقول الكثير ففي الفم ماء.. والأيّام بيننا.

المصدر: رأي اليوم