تأثير الانشقاق في الليكود على المشهد الصّهيوني

254

بقلم / حمزه ابو شنب

لا يمكن تجاهل أن جدعون ساعر أحدث متغيّراً مؤثّراً في المشهد السياسي الإسرائيلي، مع تصاعد الحديث عن قرب إجراء انتخابات للكنيست، هي الرابعة خلال عامين.

تأثير الانشقاق في الليكود على المشهد الصّهيوني
تأثير الانشقاق في الليكود على المشهد الصّهيوني

أعلن جدعون ساعر عضو الكنيست عن حزب الليكود الحاكم، والذي يقوده رئيس الحكومة الحالية بنيامين نتنياهو، الانشقاق عن الحزب وتشكيل حزبٍ سياسيٍّ جديد، لخوض المنافسة في الانتخابات البرلمانيّة الإسرائيليّة القادمة؛ وكان ساعر قد تقدّم باستقالته من عضوية الكنيست عن حزبه السابق الليكود، وهي ضرورةٌ قانونيّةٌ حسب قانون الكتل البرلمانية.

وقبل الخوض في تأثيرات الخطوة وانعكاساتها على المشهد السّياسي الصهيوني، لا بد لنا من وقفةٍ على شخصية جدعون ساعر وتاريخه السياسي، إذ يُعتبر ساعر من أبناء حزب الليكود الذي نشأ في أكناف الحزب وكان قائداً لشبيبته، مما أهّله للحصول على مقعدٍ في الكنيست السادسة عشرة عام 2003 عن كتلة الليكود بزعامة شارون، وكان يبلغ من العمر آنذاك 37 عاماً.

بقي ساعر مع نتنياهو في حزب الليكود بعد انشقاق شارون وتشكيل حزب كاديما، وحاز على عضوية الكنسيت السابعة عشرة في العام 2006 بزعامة نتنياهو، كما واصل العمل في الليكود تحت قيادة نتنياهو حتى عاد الحزب لسدّة الحكم عام 2009، بعدما نجح نتنياهو في تشكيل الحكومة عبر ائتلاف اليمين على حساب حزب كاديما بزعامة وزيرة الخارجية تسيفي ليفني، الحائزة على المركز الأول في الانتخابات.

واصل ساعر العمل في الحزب إلا أنه ترك الحلبة السياسية الرسمية في العام 2014 وعاد إليها عام 2019 ، لينافس نتنياهو على زعامة حزب الليكود في الانتخابات الداخلية التمهيدية للانتخابات البرلمانية عام 2019، وقد مُني بخسارةٍ فادحة أمام نتنياهو، لكنّه حظي على موقعٍ متقدّمٍ، الرابع في قائمة الليكود، وبقي على خلافٍ مع نتنياهو حتى انشق لوحده من دون أيّ عضوٍ مؤثّرٍ آخر، فالليكود وجمهور اليمين الإسرائيلي يعتبران أن نتنياهو هو من أعادهم إلى سدّة الحكم، وحافظ عليها لأكثر من عقدٍ من الزمان.

ساعر لم يكن المنشقّ الأول عن الحزب بعد عودته للسلطة، فقد سبقه موشيه كحلون الذي خاض الانتخابات العشرون والواحد والعشرون بحزبٍ منفصلٍ عن الليكود، إلى أن عاد إلى الحزب، غير أن الفرق يكمن هنا في مشاركة كحلون  في حكومةٍ بزعامة نتنياهو، لكن المنشقّ الجديد جدعون ساعر لم يقبل، فصراعه  بالأساس مع فساد نتنياهو.

لا يمكن تجاهل أن ساعر أحدث متغيّراً مؤثّراً في المشهد السياسي الإسرائيلي، مع تصاعد الحديث عن قرب إجراء انتخابات، هي الرابعة خلال عامين، في مارس/آذار من العام القادم، فحسب الاستطلاعات الأوليّة، فقد حصل على عددٍ كبيرٍ من الأصوات تصل إلى 17 مقعداً في الكنسيت القادمة (وإن كان من المبكر الجزم بدقة الاستطلاعات)، مما يعني تهديداً حقيقياً لقدرة نتنياهو على تشكيل حكومةٍ يمينيةٍ بزعامته؛ في ظلّ انضمام اثنين من المحسوبين على اليمين الإسرائيلي لحزب ساعر، وتصاعد الحديث عن دخول رئيس الأركان السابق أيزنكوت مع ساعر في الحزب.

أوّل المتضررين من خطوة ساعر هو حزب اليمين بزعامة بينيت، فالأصوات التي تهرب من الليكود الآن لن تصبّ في خانته، بل على العكس، سيتمكّن ساعر من قضم شعبيته المتصاعدة، كما حزب أزرق أبيض، فهو الآخر أمام تهديدٍ حقيقيٍّ بالانتهاء من المشهد السياسي، بعد أن فشل في أن يكون بديلاً عن نتنياهو؛ كما من المرجّح أن ينجح ساعر في استقطاب أوساطٍ من معسكر الوسط، وبذلك من الممكن أن يصل، حسب التجارب التاريخية والتقدير، إلى عشرة مقاعد، يمتلك خلالها القدرة على المناورة وتمثيل بيضة القبّان التي تفكّ شيفرة المشهد السياسي.

الآثار المذكورة أعلاه، جلّها مرتبطٌ بإمكانيّة إجراء الانتخابات البرلمانيّة في الشهور الثلاثة القادمة، لكنّ نتنياهو ما زال يمتلك المزيد من الأوراق التي من شأنها تحطيم حزب ساعر الجديد، بالتوجّه نحو التّنازل لحزب أزرق أبيض الذي يعاني هو الآخر من إمكانية الفشل وإقرار الميزانية، مما يعني استمرار الاستقرار السياسي لمدة أطول، تمنح نتنياهو الفرصة الكافية للقضاء على الحزب الصّاعد، خاصةً أنه يمتلك  خبرةً طويلةً في شؤون المنشقّ عنه ساعر.

بالرغم مما أحدثه ساعر في المشهد السياسي الإسرائيلي خلال الأيام الماضية، إلا أن نتنياهو مازال يتصدّر المشهد حسب استطلاعات الرأي، كما أنه يمتلك أوراق اللّعبة وإمكانية تجاوز المشهد الحالي بما يخدمه، فمن المبكر الحديث عن انقضاء حقبة نتنياهو.