ماذا بعد كورونا؟ بقلم/أشواق محمد

6٬610

 أبين اليوم _ مقالات

بقلم  / اشواق محمد 

    منذ تفشيه لا يزال فيروس كورونا يعيث في الاقتصاد العالمي دماراً حتى أصابه بالشلل، فقد عرقل الإنتاج والإمداد والنقل الجوي عبر العالم، وأضعف الطلب العالمي، وعزل دولاً ووضعها تحت الحجر الصحي، وأخرى تحت حظر التجول، وأصاب قطاعات المال والطيران والنقل والسياحة بخسائر فادحة .

ومع استمرار الاغلاق الكلي والجزئي التي اتخذتها الدول  تستمر المؤشرات الاقتصادية في التراجع مع تأثر قطاعات اقتصادية واسعة جراء فرض التجوال وغلق الحدود …

ومن اكثر القطاعات تأثراً :-

_ قطاع النقل الجوي –  تخفيض معدل الرحلات واغلاق العديد من المطارات حول العالم،  ترك آثار سلبية عميقة على العرض والطلب العالميين وتسبب في خسائر كبيرة  لشركات الطيران مما دفع الاتحاد الدولي للطيران لحث الحكومات لتقديم مساعدات مالية  لشركات الطيران لمواجهة ازمة كورونا .

_ السياحة – تسبب اغلاق الحدود والحجر الصحي في عدة دول الى تراجع عدد السياح في العالم بمعدل 65% في النصف الاول من العام الجاري بحسب منظمة السياحة العالمية  .

_التبادل التجاري – إذ يؤدي إلى إعاقة الإنتاج وعرقلة الإمداد وإضعاف الطلب العالمي، ومنه الطلب على الطاقة..

_الترابط المالي – وقد طال تأثيره المادي والمعنوي أسواق المال العالمية التي شهدت انهيارات وأسوء أداء منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية عام 2008، وبهذا تعطي أسواق المال مؤشراً سلبياً على شعور المستثمرين بتوجهات تأثير الفيروس على الاقتصاد العالمي.

أما على مستوى الاقتصاد المحلي للدول فيؤثر الفيروس من خلال ثلاث قنو ات :

1 – إعاقة النشاط الاقتصادي، وذلك عبر إعاقة الإنتاج والخدمات والمواصلات والنقل والسياحة والتسوق، وإضعاف العرض والطلب .

وهناك مدن وضعت تحت حظر التجول وتحولت إلى مدن أشباح كما شهدنا في الصين وإيطاليا وغيرها من المدن الكبرى التي كانت تضج بالحياة ليلاً نهاراً .

2.تكاليف التصدي والاحتواء، من إنقاذ ودعم وإجراءات احترازية لقطاع الصحة والقطاعات الاقتصادية والاجتماعية بتكاليف باهظة.

3.الثقة واليقين، فالارتباك وعدم اليقين يضعفان الثقة، ويؤدي ذلك إلى الإحجام عن الاستثمار والإنفاق والسياحة .

ومن تداعيات فيروس كورونا حدوث انخفاض في طلب البترول ، وانخفاض في معدلات التجارة الامر الذي اثر على حركة  الصادرات والواردات بالاضافة الى سلسلة التوريدات العالمية مما ادى الى ارتفاع معدلات البطالة وبالتالي ازديار عدد الفقراء في العالم .

ومما لا شك فيه أن انتشار فيروس كورونا أحدث زلزالاً اقتصادياً عنيفاً لكل دول العالم، ترتبت عليه خسائر مالية ضخمة، وعمليات إغلاق وتقييد حركة غير مسبوقة، حيث تشير منظمة السياحة العالمية، التي تضم في عضويتها 217 دولة، إلى إغلاق 83% من دول العالم حدودها، من بينها 175 دولة أغلقت الحدود بصورة كلية، بالإضافة الي طوابير العاطلين، وتزاوج الانكماش وخفض الإنتاج .

و نتيجة  لتدهور الاوضاع الاقتصادية والمالية  والاجتماعية العالمية فإنه من المتوفع ان يشهد الاقتصاد العالمي انكماشاً حاداً يتجاوز نسبته 3% وهو ما أشار إليه تقرير آفاق الافتصاد العالمي الصادر عن صندوق  النقد الدولي .

هذه الصورة القاتمة للوضع العالمي شكل توافق دولي وشبه إجماع بين أوساط الاقتصاديين والسياسيين في جميع أنحاء العالم حول اختلاف النظام الاقتصادي العالمي الراهن عنه في مرحلة ما بعد كورونا، فعلى الرغم من محاولة البعض وضع سيناريوهات تبني على  مدى نجاح  لقاح الفيروس، وبالتالي عودة الحياة إلى طبيعتها في محاولة للتنبؤ بالتداعيات الاقتصادية على دول العالم، إلا أن مجموعة من التساؤلات الاقتصادية حول ركائز النظام الاقتصادي العالمي الجديد وجدت تبايناً حاداً في الإجابة من قبل المتخصصين..

تلك التداعيات الغير مسبوقة، والتي مثلت جميعها تحديات ستدفع العديد من الحكومات والدول وحتى الشركات والأفراد إلى إعادة النظر في سلوكهم الاقتصادي في مرحلة ما بعد كورونا، ليس فقط لمحاولة تجاوز هذه التحديات، بل كذلك لمحاولة تفاديها في المستقبل .

وبالرغم من عدم وجود إجابات قاطعة حول الملامح الاقتصادية للمرحلة المقبلة، وتفاصيل صورتها، إلا أن دراسة التاريخ الاقتصادي قد تكون مرشداً لرسم بعض من ملامح تلك الصورة، والتي ربما تجميعها إلى جوار بعضها قد يشير أو يقترب من النظام الاقتصادي الكلي المتوقع .

– اعادة هيكلة الاقتصاد العالمي .

– توقعات ومخاوف الى عودة طريق الحرير ليدشن مرحلة عالم مابعد كورونا في مرحلته الاولى ثم ثقافياً واجنماعياً وعسكرياً في مراحل لاحقة .

– مستقبل النظام الرأسمالي:-

هناك  تكهنات حول تحولات عميقة في النظام الرأسمالي  مما يضعف النفوذ الأمريكي والأوروبي، من الواضح أن الرأسمالية فشلت في مواجهة الأزمة، ما تسبب في تعالي الكثير من الأصوات لاستبدالها بنظام جديد يكون أكثر قدرة على مواجهة الأزمات.

ومن الجدير بالذكر أن الرأسمالية فشلت كذلك في مواجهة معظم الأزمات التي واجهتها تاريخياً، واضطرت في مرات عديدة إلى التخلي عن بعض من مبادئها الرئيسية، وارتداء بعض الأفكار التكتيكية التي سرعان ما خلعتها بعد مرور الأزمات.

ورغم عمق وضراوة الأزمة الحالية، واكتفاء الرأسمالية بموقع رد الفعل، ورغم التوقعات بالمزيد من التداعيات على مستوى خسائر وإفلاس الشركات، وربما الدول، بالإضافة إلى المعدلات غير المسبوقة من البطالة وتراجع النمو وغير ذلك من المؤشرات السلبية للاقتصاد الكلي، إلا أن تغيير أي نظام يحتاج في حده الأدنى إلى وجود النظام البديل، وليس فقط فشل النظام الحالي، وبالتالي فإن السؤال سيكون عن وجود نظام اقتصادي يمكنه تعويض النظام الرأسمالي، ومدى تمتعه بالشمولية والجاهزية للحلول محل النظام الحالي، وإيقاف نزيف الخسائر، و قدرته على فرض آلياته وأدواته بصورة دائمة وليست مؤقتة .

مستقبل العولمة وحرية التجارة:-

يكبر التساؤل حول مستقبل العولمة وحرية التجارة، في ظل الانطباع السائد حالياً كنتيجة للأزمة. ان شبكات العولمة هشة للغاية بسبب تعقيداتها الكبيرة، وان سلاسل الإمداد والتوريد قد تتعطل بسهولة، وتجعل الدولة وسكانها رهينة الاعتماد على الخارج، مع الاستدلال على ذلك أنه عندما تفشى الفيروس في الصين، فإن العالم وجد مصاعب في تلبية احتياجاته من بعض السلع، وبالتالي فان ذلك يؤذن بأفول عصر العولمة .

لكن ذلك لم يكن بسبب العولمة، ولكن بسبب الاعتماد العالمي على المصنع الصيني فقط دون تنويع معولم للإنتاج، علاوة على انحراف مؤشرات تخصيص الموارد عبر العالم بإهماله المنتجات الصحية، ومن هنا يمكن القول إن العالم ما بعد كورونا ربما يصبح أكثر تكاملاً .

ترى إيلين تشودري، أستاذة التجارة الدولية في جامعة ليفربول والاستشارية في منظمة التجارة العالمية، القائلة “سيكتشف العالم بعد أن يهدأ، أن العولمة الاقتصادية حالت دون أن يكون العالم خلال الجائحة رهينة لدولة واحدة أو مجموعة محدودة من الدول لإمداده باحتياجاته .

بل إن العولمة ستكون الوسيلة الوحيدة لضمان إنهاء حالة الركود الاقتصادي التي باتت واقعاً حقيقياً الآن، وهذا لا يعني بالطبع أن ملايين من الأشخاص لن يفقدوا وظائفهم، ومئات الآلاف من الشركات ستنهار، لكن الخسائر ستكون أكبر بكثير إذا كان رد الفعل العالمي مزيداً من الحمائية الاقتصادية”.

وبالتالي فإن العالم سيتعلم من خطئه بالاعتمادعلى الصين وحدها، بالتحول نحو نقاط إنتاج متعددة تتميز بالعمالة الرخيصة والأيدي العاملة المدربة، والبيئة التشريعية الجاهزة، وربما ستكون العولمة من الركائز الهامة في مواجهة الركود والانكماش المتوقعين خلال الفترة القادمة .

ينعكس صدى الآثار الاقتصادية والاجتماعية للجائحة على الصعيد العالمي:

فوسط حالة من عدم اليقين، يمكننا جميعاً أن نستشرف عالماً سيكون مختلفاً تماماً لفترة طويلة. ومن المرجح أن يسقط ملايين آخرون من البشر في براثن الفقر المدقع بسبب فيروس كورونا، وسيعاني الفقراء الحاليون المزيد من الحرمان. وهناك أكثر من مليار وظيفة مهددة في العالم، ما يزيد الحاجة إلى تحسين شبكات الأمان لأغلب العمالة غير الرسمية والعديد من الفئات الأكثر تأثراً.

وفيما تدخل البلدان النامية في سباق مع الزمن لوقف حالة الطوارئ الصحية، سيتعين عليها البحث عن سبل لاحتواء الخسائر الاقتصادية والاجتماعية، والعمل بصورة عاجلة على إعادة خطط التنمية إلى مسارها من جديد .

ان هذه الجائحة أثرت في الإنسان والإنتاج والاستهلاك والاستثمار والقرارات الحكومية، حيث أصبحت الحكومات محتارة هل تقدم المساعدات للمستهلكين والأفراد والأسر أم للمستثمرين والمنتجين والمؤسسات الصحية، فأين تكمن الأولويات؟

ان تداعيات هذه الجائحة على الاقتصاد العالمي ستكون قاسية جداً بالرغم من أن هذه الصورة لم تكتمل بعد- لكن  هذه الآثار تتميز بحدتها وبشموليتها،  حيث وصلت الخسارة  الى  5.5 تريليون دولار في الإنتاج العالمي؛ و شملت الجائحة معظم دول العالم بخلاف تقدمها الاقتصادي وأنظمتها الاقتصادية. وسيكون الأثر أكبر على الدول التي تعتمد على نشاط اقتصادي واحد والدول التي تعتمد على تدفق رؤوس الأموال والدول النامية التي تعتمد على الاستثمارات الأجنبية المباشرة والدول الأقل نموًا التي تعتمد على المعونات،