جذور القضية الجنوبية.. حروب “الرفاق” الدامية..“تقرير“..!

236

أبين اليوم – تقارير

شهد جنوب اليمن منذ قيام ثورته 1967 ضد بريطانيا الى قيام الوحدة الاندماجية، عدداً من الحروب الداخلية لم تتوقف طيلة أكثر من نصف قرن لعبت قوى إقليمية في تأجيج الصراع وتداخلت الأحداث الدراماتيكية بين شمال اليمن وجنوبه وفيما يأتي رصد للتسلسل التاريخي لهذه الحروب:

صراع حركتي التحرير وإعلان الحزب الاشتراكي
خلال السنوات الأربع من الكفاح المسلح ضد بريطانيا.. وتشكلت حركتا التحرير المتنافستان “الجبهة القومية للتحرير” وجبهة “تحرير جنوب اليمن المحتل.”

كانت الجبهة القومية قاعدة ريفية امتد نشاطها في ارياف وقرى عدن شملت قيادتها أعضاء برزت أسماء بعض منهم في السنوات اللاحقة:

– باسم “سالمين” (1935-1978)..
– عبد الفتاح إسماعيل (1939-1986)..
– علي ناصر محمد (1939-)..
– وعلي سالم البيض (1939-)

وقد تولّى كلّ من هؤلاء قيادة المنظمة، ثم الحزب الاشتراكي اليمني الذي ورثها ثمّ رأس كل منهم الدولة نفسها لفترات مختلفة، وتورطوا جميعاً في الصراعات الدامية التي مزّقتها.

في المقابل، فإنّ جذور جبهة تحرير جنوب اليمن المحتلّ تعود إلى الحزب الاشتراكي الشعبي وقد تمركز نشاطها بالأساس في عدن معتمدًا على قوّة الاتحادات العمالية هناك، ومتبنيا إيديولوجيا أقرب إلى اشتراكية حزب العمال البريطاني والاشتراكية على الطريقة الناصرية ومن أبرز زعماء الجبهة:

– الراحل عبد الله الأصنج (1934-2014)..
– وعبد الرحمن الجفري (1943-) الذي لا يزال نشطاً في المطالبات بانفصال جنوب اليمن إلى اليوم.

نشبت معارك بين الجبهتين انتهت بانتصار الجبهة القومية للتحرير( الحزب الاشتراكي) بفضل تمتعها بدعم شعبي أقوى وقوات عسكرية في المناطق الريفية وسيطرت خلال عام 1967 على جميع المناطق النائية التي غابت عنها جبهة تحرير جنوب اليمن المحتلة مما زاد من شعبيته الاولى وقد اعترفت بها بريطانيا على أنّها حركة التحرير الرئيسية وسلّمتها السلطة بعد مفاوضات الساعة الأخيرة السريعة في جنيف.

تشكلت تجربة اشتراكية وحيدة في الشرق الاوسط أطلق عليها في 1970جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية بقيادة الرئيس قحطان الشعبي ساندتها روسيا.

مواجهات دامية داخل الحزب:

بعد أن سيطر الحزب الاشتراكي على السلطة أدارت البلاد بفكر يساري سرعان ما دبَّ الصراع داخلها وأطيح ب”قحطان الشعبي” في 22 يونيو 1969، بقيادة سالم ربيع علي(سالمين) بعد ذلك بسنوات قُتل (سالمين) من قبل الرفاق في 26 يونيو 1978 واستمر الحزب خلال حكمه في صراع داخلي اثرت عليه الخلافات الشخصية والخلافات الاقليمية الايديولوجية و التي ازدادت حدتها في 13يناير1986 سنتحدث عنها لاحقا.

حروب الشمال والجنوب في السبعينيات:

في عام 1972م قتل 65 من شيوخ القبائل الشمالية في عدن، كانوا قد اجتمعوا لمناقشة قضايا الحدود وخطوات بناء الوحدة بين البلدين لكن حكومة عدن وعبر اذاعتها اعلنت مقتلهم جميعا بنسف خيمتهم، مما أدى الى اندلاع حرب على اثرها بين حدود البلدين..

وتدخلت أطراف عربية وتم التوصل إلى اتفاق القاهرة لوقف إطلاق النار، بوساطة الجامعة العربية ووقعت اتفاقية الوحدة في القاهرة ثم تبعها بيان طرابلس في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه ووردت فيه أول إشارة لموضوع دستور الوحدة الذي أنجز فعلا عام 1981م.

حرب وأحداث 1979م:

كان الحزب الاشتراكي قد قرر التواصل مع الجبهة الشمالية وهي تعتبر ايضا جبهة يسارية فكرياً تكونت في الستينيات في عهد رئيس الجمهورية العربية اليمنية عبد الرحمن الارياني نظرا لتردي الحالة المعيشية اتخذت مسار التصحيح الثورية، لكنها بلغت اوج نشاطها في الفترة التي أعقبت مقتل الرئيس إبراهيم الحمدي وتولي الرئيس علي عبد الله صالح الحكم في 17 يوليو 1978، وقد امتد نشاطها الملتهب نحو خمس سنوات.

حرب الجبهة، أو حروب المنطقة الوسطى .. هي حرب بالوكالة دعمها الحزب الاشتراكي الجنوبي ماليا وعسكريا في ( تعز – إب – البيضاء – ذمار – ريمة وغيرها)وعاشت فصول صراع دموي راح ضحيته عدد كبير من الأبرياء حيث انتهجت سياسة التخريب والتفجير والقتل وروعت الآمنين وقوضت استقرار الأمن وهددت في فترة من فترات عنفوانها العاصمة صنعاء.

ومن ضمن الاحداث في عام 1979م استطاع الحزب الاشتراكي وبدعم من قوات الجبهة الشمالية، اجتياح عدة قرى ومدن الشمال خلال ساعات فقط، واستطاعت وحدة عسكرية دخول مدينة البيضاء ودلفت إلى داخل بنك حكومي وقامت بجرد الاموال ردا على تهديدات شمالية طالبت القوات الجنوبية بالانسحاب وبعثت رسالة إلى الحكومة اليمنية في صنعاء تبلغها ان قوات الحزب قامت بجرد الاموال في البنك الحكومي في البيضاء وانها في طريقها لعد النقود في البنك المركزي بصنعاء.

وهنا ايضا تدخلت جهود عربية وأوقفت الحرب وأجبرت الطرفين على العودة إلى المفاوضات، وعادت القوات الجنوبية وحلفاؤها إلى الحدود السابقة.

أحداث يناير 1986م:

مع مرور الوقت سيطر النزاع على السلطة على تنظيمية الحزب الذي بدأ يتآكل ويضعف تدريجيا حيث انقسم الى فريقين واشتعلت الحرب الأهلية في يناير وفبراير من عام 1986م وعمل أنصار الرئيس السابق عبد الفتاح إسماعيل على الإطاحة بحكومة علي ناصر محمد، حيث تسببت في الكثير من الأضرار قتل فيها الآلاف من قيادة الحزب وكوادره في مقدمتهم عبد الفتاح إسماعيل وعلي عنتر وعلي شايع هادي بأوامر من علي ناصر محمد الذي غادر وزمرته الجنوب نازحاً مع كافة العناصر الموالية له إلى الشمال الذي استضافهم وقدم لهم التسهيلات..

وكانت التصفيات الدموية خلال الأحداث تتم وفق فرز مناطقي ونجا في هذه المواجهات الدامية علي سالم البيض وحيدر أبو بكر العطاس وسالم صالح محمد وآخرون.

وفي تفاصيل الحرب الأهلية تذكر أغلب الروايات ان الصراع أخذ طابعاً مناطقياً بين المنتمين لمحافظة أبين من جهة وبين المنتمين للضالع ولحج من جهة أخرى.

خطط علي ناصر المنتمي لمنطقة أبين والذي كان يشغل منصب الرئيس للتخلّص من الفريق الآخر داخل الحزب بعد اتهامهم بالتحضير لانقلاب يطيح به وبرفاقه لتدخل البلد في حرب اهلية شملت المواجهات كل التشكيلات العسكرية واستمرت حوالي أسبوعين وسقط ضحيتها من 10 آلاف إلى 20 ألف مواطن، كان جزء منهم من القيادات والكوادر البارزة، بعدها انتهت الحرب بتمكن الجناح علي سالم البيض المعارض من الاستيلاء على عدن، ونزوح الرئيس علي ناصر ونحو 30 ألفاً من العسكريين والمدنيين الموالين له إلى الشمال.

وكانت أحداث 1986 الأكثر دموية في الذاكرة اليمنية، ولا تزال آثارها جزءاً من عوامل الصراع حتى اليوم، على الرغم من دعوات التصالح والتسامح بين الطرفين، التي انطلقت مع “الحراك الجنوبي” منذ عام 2007.

انهيار الاتحاد السوفييتي وقيام الوحدة اليمنية:

ومع نهاية الثمانينات وسقوط الاتحاد السوفييتي وتفكك المعسكر الشرقي وجد الحزب الاشتراكي نفسه مكشوفا في العراء منبوذاً اجتماعيا وإقليميا ولا يمتلك الموارد الكافية لإدارة الدولة ومعالجة الأوضاع التي بدت متأخرة بالنسبة للشمال كما أنه خرج من أحداث 1986 الدموية خائر القوى ومحملا بثارات قبلية واجتماعية نتيجة موجات الصراع التي أدارها في البلاد فهرب الحزب الى الوحدة اليمنية مجبرا.

وكان الشمال أحسن حالاً من الجنوب نتيجة ظهور النفط في مارب وكذا دعم المغتربين اليمنيين في السعودية.

ونتيجة لضعف الحزب بعد أحداث يناير قررت السعودية دعم حكم صالح ودعم الوحدة الاندماجية لكن قوى محافظة وقبلية ودينية ممثلة بحزب الاصلاح عارضت اندماج البلدين لأسباب تعود الى مخالفة الافكار اليسارية والشيوعية المنفتحة مقابل المجتمع الشمالي القبلي المحافظ، إلا ان الرئيس علي عبد الله صالح اصر على قيامها وقد حظيت الاتفاقية بدعم واسع النطاق آنذاك..

وبعد فترة انتقالية لمدة 30 شهراً أكملت عملية الاندماج السياسي والاقتصادي بين النظامين نتج عنها قيام مجلس رئاسي تم انتخابه من قبل ال26 عضواً في المجلس الاستشاري للجمهورية العربية اليمنية وال17 عضواً في مجلس الرئاسة لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. المجلس الرئاسي عَين رئيساً للوزراء كان حيدر أبوبكر العطاس. إضافة لمجلس برلمان يضم 301 يتكون من 159 عضواً من الشمال و 111 عضواً من الجنوب و 31 عضواً مستقلاً يتم تعيينهم من قبل مجلس الرئاسة.

حرب الإنفصال 1994م:

إثر خلافات متواصلة بين الرئيس علي عبد الله صالح ونائبه علي سالم البيض الذي كان يتهم صالح بالاستيلاء على كل مقاليد السلطة والثورة وإقصاء شركائه في الوحدة ونتيجة لشعور قادة الحزب بالاضطهاد عبر الاغتيالات والاقصاءات قرروا فك الشراكة بدعم من السعودية ايضا وانطلقت شرارة حرب الانفصال في شهري مايو ويوليو انتصر الشمال فيها وهرب قادة الجنوب لخارج البلاد وانتصر صالح وحلفاؤه بينهم قيادات جنوبية بارزة كان في طليعتها الرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي.

الحراك الجنوبي:

ومع نهاية التسعينيات بدأت بعض قيادات الحزب الاشتراكي تنادي بتصحيح مسار الوحدة إلا ان الرئيس علي عبد الله صالح رفض واطلق شعار الوحدة او الموت.

وفي عام 2007م ظهر حراك جنوبي عبر تأسيس جمعية المتقاعدين العسكريين للمطالبة بحقوقهم، ما لبث الى ان تحول الى حركة تمرد مدنية ضد استمرار الوحدة ونادت فيما بعد بالانفصال.

ثورة الشباب 2011م:

اندلعت ثورة الشباب في 2011م مطالبة برحيل صالح، وأعلن الحراك وقف مطالب الانفصال بشكل مؤقت والانضمام إلى التظاهرات والاحتجاجات الشعبية التي تعم البلاد ثم انضمت إليها المعارضة ممثلة في أحزاب اللقاء المشترك.

ومع انطلاق مؤتمر الحوار اليمني يوم 18 مارس/آذار 2013 قرر فصيلان من الحراك المشاركة فيه، وهما مؤتمر شعب الجنوب، وكتلة الجنوبيين المستقلين، بينما رفضت فصائل أخرى المشاركة.

وبعد أخذ ورد وتمديد وتأخير، اختتم المؤتمر الوطني اليمني أعماله يوم 25 يناير/كانون الثاني 2014، وأكدت الرئاسة اليمنية حينها أن وثائق المؤتمر ستتضمن حلاً عادلاً وشاملاً للقضية الجنوبية في إطار دولة موحدة على أساس اتحادي وديمقراطي وفق مبادئ العدل والقانون والمواطنة المتساوية، وأن مخرجات ووثائق مؤتمر الحوار تستهدف “معالجة مظالم ضحايا الصراعات السياسية، وفي حدود إمكانات الدولة وفي إطار مبادئ العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية”.

وبعد سيطرة الحوثيين على السلطة في اليمن وتمددهم نحو الجنوب انخرطت القوى الجنوبية في مقاومتهم، وتمكنت الأطراف اليمنية بما فيها القوات الموالية للحكومة والموالية للحراك الجنوبي من تحرير محافظة عدن من سيطرة جماعة الحوثي وجيش صالح يوم 17 يوليو/تموز 2015م وأصبحت بعد ذلك مدينة عدن بمثابة عاصمة مؤقتة للدولة اليمنية ومقرا مؤقتا لعدد من الوزارات والأجهزة الحكومية.

المجلس الإنتقالي:

وفي 11 مايو/أيار 2017، أعلن في مدينة عدن وبدعم من الامارات عن تشكيل “هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي” لإدارة المحافظات الجنوبية برئاسة محافظ عدن السابق عيدروس الزبيدي، ونائبه في المجلس الجديد وزير الدولة المقال هاني بن بريك، وذلك بعد نحو أسبوعين من إقالتهما من طرف الرئيس هادي، وبعد نحو أسبوع من تكليف الحراك الجنوبي للزبيدي بتشكيل قيادة سياسية لإدارة وتمثيل الجنوب.

ويتكون المجلس الجديد من 26 شخصا، على رأسهم الزبيدي ونائبه بن بريك “المعروفان بقربهما من الإمارات”، ومن بينهم محافظو المحافظات الجنوبية باستثناء أبين، إلى جانب شخصيات وقيادات من تيارات ومكونات الحراك الجنوبي.

ليقف حجر عثرة أمام هادي وأعلنت الرئاسة اليمنية رفضها تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي لإدارة وتمثيل الجنوب، وقالت في بيان لها عقب اجتماع عقده الرئيس عبد ربه منصور هادي مع مستشاريه بحضور رئيس الوزراء السابق أحمد عبيد بن دغر إنها ترفض هذا المجلس رفضاً قاطعاً.

وكالة عدن الإخبارية