خفايا المؤسسات التمويلية الدولية

261

ابين اليوم – المحرر الاقتصادي

في الخامس من فبراير/شباط الحالي أعلنت بينلوبي جولدبيرج، كبيرة الاقتصاديين في البنك الدولي، استقالتها من منصبها، بعد أقل من 15 شهراً فقط من توليها المنصب. لم تصرح جولدبيرج عن السبب وراء استقالتها المفاجئة، واكتفت بالقول إنها سوف تعود لعملها السابق في جامعة ييل ، لكن مصادر في البنك الدولي صرحت للإيكونومست أن السبب هو خلاف حول عدم نشر ورقة بحثية حول مساعدات البنك الدولي وتأثيرها على التحويلات المالية للحسابات البنكية في الملاذات الضريبة، وحول استفادة النخب السياسية والاقتصادية في البلدان النامية من تلك المعونات لصالحهم الشخصي بدون أي تأثيرات حقيقية لتلك المعونات على معدلات التنمية…

نشر نيلز يوهانسون من جامعة كوبنهاجن، وهو أحد المؤلفين المشاركين في الورقة البحثية، نص الورقة التي رفض البنك نشرها على مدونته الشخصية، قبل أن يعود البنك لينشرها على موقعه مرة أخرى في الثامن عشر من فبراير/شباط الجاري .
تشرح الورقة المعنونة «من يستفيد من المساعدات الدولية: أدلة من حسابات بنوك الملاذات الضريبية، التي قدمها ثلاثة من علماء الاقتصاد، وهم عالم الاقتصاد النرويجي يورجن أندرسون ونيلز يوهانسون الأستاذ بجامعة كوبنهاجن وبوب ريجكرز أحد باحثي البنك الدولي، العلاقة بين تدفق أموال المساعدات الأجنبية للدول النامية وبين نمو الحسابات البنكية في الملاذات الضريبية.

المثير هذه المرة أن الورقة أثبتت هذه العلاقة من خلال بيانات دقيقة من بنك التسويات الدولية، الذي يبين حركة الأموال إلى البلدان المختلفة وخارجها، عن الودائع البنكية للدول الفقيرة المتلقية للمساعدات وربطها بتواريخ المساعدات نفسها.

حيث اعتمدت الورقة على بيانات من 22 دولة الأكثر تلقياً لمساعدات البنك الدولي، وهي دول فقيرة في أفريقيا وآسيا تعتمد اقتصاداتها على المعونات الدولية مثل بنين وتوجو، و24 دولة أخرى تعتمد على المساعدات الدولية، وإن كان بدرجة أقل مثل الأردن، سمحت هذه البيانات للباحثين بقياس العلاقة بين أموال المساعدات وزيادة التحويلات المالية من تلك الدول إلى الملاذات الضريبية الشهيرة، مثل جزر العذراء البريطانية وجزر الكايمين، أو إلى الدول التي تتميز بسرية عالية للحسابات البنكية، مثل سويسرا.

ولاحظ الباحثون الثلاثة عبر دراسة تلك العلاقة أنه في الدول التي تتلقى معونات تمثل أكثر من 1% من الناتج المحلي؛ فإن ذلك غالبًا ما يصاحبه نمو لودائعها في الملاذات الضريبية بـ 3.4%. لمعرفة تلك العلاقة على وجه الدقة عمد الباحثون لدراسة العلاقة بين دفعات المساعدات المالية بشكل ربع سنوي، وحجم الودائع في الملاذات الضريبية بشكل ربع سنوي أيضًا. ووجد الباحثون أنه غالبًا ما يرتبط تواريخ دفعات المساعدات بتاريخ زيادات كبيرة في الودائع، وهو ما يدعم فكرة أن النخب السياسية والاقتصادية في تلك الدول تستولي على أجزاء من المساعدات، لتحولها لحساباتها البنكية في الخارج.

 

وفي دراسة أوكسفام يتضح أن 51 شركة من 68 شركة ضخت فيها مؤسسة التمويل الدولية – أحد أذرع البنك الدولي- قروضاً أو استثمارات، كانت شركات تمتلك تاريخاً مع التجنب الضريبي عبر الملاذات الضريبية لكن المعضلة المنهجية التي وجدها الباحثون ان البيانات المتوفرة للتحويلات البنكية سرية تخفي المستفيدين منها.

مصر كنموذج لما يحدث في الدول النامية، حيث قدمت دراسة قامت بها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في 2018، صورة مصغرة عن الارتباط بين الاستثمارات التي تدعمها مؤسسة التمويل الدولية، وهي أحد أذرع البنك الدولي كما أسلفنا، وبين الشركات المصرية المسجلة في ملاذات ضريبية، والتي ترتبط بالنخبة الحاكمة في مصر، وجد ان 50% من المشروعات التي مولتها مؤسسة التمويل الدولية في مصر كانت لشركات تمتلك حسابات بنكية في ملاذات ضريبية، بينما في 37% من الحالات لم يستطع الباحثون التأكد من عدم وجود علاقة بين الشركة وبين الملاذات الضريبية بسبب نقص المعلومات المتاحة، وفقط 11 % من تلك الشركات كانت بلا حسابات بنكية في ملاذات ضريبية.

كما افصحت الدراسة ان 37% من تلك الشركات مملوكة لشخصيات سياسيةلها علاقة بالنظام الحاكم في مصر. تلك العلاقة المشبوهة بين مؤسسات التمويل الدولية وانظمة الحكم في البلدان النامية تشكل معوقات رئيسية امام التنمية وتساهم بقوة في خلق اقتصاد ريعي يعتمد على المساعدات وعلى القطاعات الغير انتاجية مثل البترول و الغاز والسياحة وهو مايعمق الفساد السياسي والاقتصادي الهيكلي في الدول النامية ناهيك عن تفاقم الديون الخارجية دون ان ينال الفقراء شيئا من ثمار هذه القروض والمساعدات .

هنا يبرز سؤال مهم حول جدوى تلك المساعدات والقروض في احداث التنمية المستدامة…

في هذا المضمار تخرج اصوات اقتصادية مرموقة من داخل البنك الدولي والصندوق النقدي لتجيب عن هذا السؤال وهو ان السياسة الحالية للمساعدات والقروض الدولية لاجدوى منها بل انها لا تسهم في معالجة المشاكل الرئيسية للتنمية مثل الفساد و البطالة و غيرها ، بل تسهم في تعزيز تلك المشاكل وجعل الدول النامية اكثر اعتماداً على القروض، مايضع اعباءً ثقيلة على الاجيال القادمة بالإضافة الى الأثمان الباهضة التي تدفعها الشعوب من سيادتها وحريتها.