لماذا فَشِلَت جميع مُحاولات “الموساد” في الوصول إلى السيّد نصر الله الذي يحتل رأس قائمة اغتِيالاتها؟

267

أبين اليوم – متابعات

وكيف تَحمِل عمليّة اغتِيال البروفيسور فخري زادة بصمات فرقته الخاصّة المُكلّفة بالتّنفيذ؟ وما صحّة التوقّعات التي تُقسّم الرّد الانتِقامي الإيراني على مراحل؟

بعد اغتِيال عالم الذرّة الإيراني الأبرز محسن فخري زادة يوم الجمعة الماضي قُرب العاصمة طِهران، امتَلأت الصّحف الإسرائيليّة، والأوروبيّة، بتقاريرٍ تستمدّ معلوماتها من تسريباتٍ استخباريّة تُؤكّد أنّ هُناك قائمة اغتيالات لدى وحدة “كيدون” التّابعة لجِهاز “الموساد” الإسرائيلي تَضُم على رأسِها السيّد حسن نصر الله، وأُمناء فصائل فِلسطينيّة وعِراقيّة ويمنيّة، وقادةً في الحرس الثّوري، وعُلماء في البرنامج النّووي الإيراني، ويجري حاليًّا تفعيل عمليّات الاغتيال هذه بضُغوطٍ من الرئيس دونالد ترامب وحُكومته لخلط الأوراق، ونشر حالة من الفوضى في مِنطَقة الشرق الأوسط لتصعيب مَهمّة الرئيس الجديد المُنتَخب جو بايدن.

صحيفة “الصنداي تايمز” البريطانيّة واسعة الانتشار أكّدت أنّ تفاصيل عمليّة الاغتِيال التي استهدفت البروفيسور فخري زادة، واستِخدام الخليّة المُنفّذة درّاجات ناريّة، تَحمِل بصمات هذه الوحدة الإسرائيليّة التي أسّستها غولدا مائير لمُلاحقة وقتل مُنفّذي الهُجوم على مقرّ الرياضيين الإسرائيليين في دورة ميونخ الرياضيّة عام 1972، فمُعظم عمليّات الاغتيال التي نفّذها جهاز “الموساد” الإسرائيلي سواءً ضدّ خمسة من عُلماء الذرّة الإيرانيين، أو القادة الفِلسطينيين وأبرزهم الشّهيد فتحي الشقاقي، زعيم ومُؤسّس حركة الجهاد الإسلامي، الذي اغتيل في مالطا عام 1992، جرى تنفيذها بالطّريقة نفسها، الأمر الذي دفع السيّد علي خامنئي المُرشد الأعلى إلى توجيه الاتّهام بشَكلٍ فوريٍّ إلى “إسرائيل” والتّوعُّد بالانتِقام.
“الموساد” الإسرائيلي وبالتّعاون مع عُملاء محلّيين في لبنان لم يتوقّف مُطلقًا عن مُحاولاته للوصول إلى السيّد نصر الله، ولكنّ جميع مُحاولاته هذه فَشِلَت بسبب الحِس الأمنيّ اليَقِظْ للدّائرة المُكلّفة بحِمايته، ولا نَستَغرِب أنّ الطّائرتين المُسيّرتين اللّتين جرى إسقاطهما، والاستِيلاء عليهما وجميع أجهزة التجسّس فيهما، الدّقيقة، والمُتطوّرة، كانت في مَهمّةٍ إرهابيّةٍ لاغتِياله، وجرى رصدها مُسبَقًا وإحباطها بالتّالي.

ولأنّ هذا المِلَف على درجةٍ عاليةٍ من السريّة والحساسيّة، من الصّعب التكهّن بالهدف المُقبل لأعمال الاغتِيال هذه التي يُمكِن أن يتم تنفيذها في الأسابيع القليلة المُتبقّية قبل انتهاء إقامة ترامب في البيت الأبيض، لكنّنا لا نَستبعِد أعمال انتقاميّة أوّليّة وسريعة تستهدف أهدافًا في دولة الاحتِلال الإسرائيلي، وربّما سِفاراتها في الخارج تَسبِق الانتقام الأكبر، على غِرار ما حدث بعد اغتيال اللواء قاسم سليماني ورفيقه أبو مهدي المهندس، حيث جرى قصف قاعدة عين العرب، وقاعدة أمريكيّة أخرى في كركوك، وإطلاق زخّات من الصّواريخ على السّفارة الأمريكيّة في بغداد، الأمر الذي دفع الإدارة الأمريكيّة إلى اتّخاذ قرارًا بتخفيض قواعِدها إلى ثلاث فقط من مجموع 13، وسحب مُعظم قوّاتها من العِراق إيثارًا للسّلامة.
القِيادة الإيرانيّة لن تَسقُط في المِصيَدة الأمريكيّة الإسرائيليّة، وتُقدِم على عمليّة اغتِيال انتقاميّة سريعة لسببين: الأوّل أنّ هذه العمليّات تحتاج إلى وقتٍ وإعدادٍ جيّدين لضمان النّجاح، والثّاني، أنّ القِيادة مُستعدّةٌ للتّأجيل، وكظم الغيظ إذا كان الثّمن المُقابل كبيرًا جدًّا، وخاصّةً من إدارة بايدن القادمة، مِثل تعهّد برفع العُقوبات والعودة إلى الاتّفاق النووي، خاصّةً أنّ اتّصالات سريّة جرت وتجري بين الجانبين في هذا الصّدد.

ما نطرحه آنِفًا يأتي في إطار التّحليل، وما يُمكِن أن يترتّب عليه من قراءاتٍ وتوقّعاتٍ، لكنّ الأمر المُؤكّد أنّ الأسابيع القليلة القادمة ستكون حافلةً بالمُفاجآت بسبب خُطورتها، والانتقام الكبير حتميّ وقادم، وتظل هُناك استِثناءات لكُلّ قاعدة.. واللُه أعلم.

“رأي اليوم”