جذور القضية الجنوبية.. رؤية سياسية تاريخية.. ومن أين يبدأ الحل.. “تحليل“..!

8٬775

أبين اليوم – خاص 

القضية الجنوبية هي نتاج فشل النخب السياسية اليمنية في تحويل وحدة 22 مايو 1990م السلمية الطوعية من حالة عاطفية شعبوية إلى مشروع سياسي نخبوي مجسد في دولة لكل مواطنيها.. ومعنى ذلك أن العلاقة بينها وبين بناء الدولة علاقة ارتباط وضرورة.

فالقضية الجنوبية هي قضية بناء الدولة.. وهي من هذه الزاوية القضية اليمنية المركزية الأكثر إلحاحاً رغم الإيحاء الجهوي للتسمية.. وحلها يبدأ من البحث الجاد والموضوعي في أسباب ومظاهر فشل بناء هذه الدولة، وينتهي ببنائها فعلياً على أرض الواقع.

وفي رؤية “أنصار الله“ للقضية الجنوبية: هل كان اليمن موحداً على مر الزمن:

لفهم القضية الجنوبية علينا أن نميز تحت مسمى اليمن بين اليمن الحضاري الثقافي واليمن السياسي.

الأول هو نتاج تفاعل الجغرافيا والتاريخ في هذه المنطقة من العالم المعروفة باليمن وتشمل أراضي الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والمخلاف السليماني..  هذا التفاعل بدأ في لحظة ما من التاريخ واستمر حقباً زمنية طويلة ونتج عنه بروز جماعة بشرية اسمها الشعب اليمني.. ولهذا الشعب هوية جامعة متعددة الأبعاد برموزها المستقرة في الذاكرة الجمعية لليمنيين..

ومن غير الجائز اختزال هذه الهوية في بعد واحد ديني أو مذهبي أو جهوي.. واليمن الحضاري الثقافي واحد لا يقبل التجزئة، ولا يعترف بأي حدود سياسية داخل الجغرافيا اليمنية، وليس بمقدور الأفراد ولا الجماعات ولا حتى الدول أن ترسم له حدوداً نهائية من هذا القبيل.. وإذا وجدت مثل هذه الحدود سيقاومها من جهتيها وليس من جهة واحدة عاجلاً في المدى المنظور أم آجلاً في المدى البعيد..

وهذه المقاومة هي وظيفته غير القابلة للتعطيل.. وأي محاولة لتعطيلها هي الحكم على اليمن بعدم الاستقرار.. واليمن الحضاري الثقافي يندرج في إطار اللامختار؛ لأن اليمنيين ليسوا أحراراً في قبوله أو عدم قبوله.. إنه قَدَرُهُمُ الذي لا فكاك منه.. ومثلما لا يختار المرء أمه وأباه؛ فالشعوب لا تختار انتماءاتها الحضارية الثقافية.

أما اليمن السياسي فهو التعبير السياسي المجسد في دولة.. وعلى هذا الأساس يكون اليمن الحضاري الثقافي هو الأصل وتعبيراته السياسية هي الفرع.. والأصل كان واحداً دائماً، بينما تراوحت تعبيراته السياسية بين الوحدة والتعدد في كل مراحل التاريخ القديم والوسيط والحديث.. وهذه المراوحة كانت دائماً نتاجاً لصراع العصبيات على السلطة والثروة والنفوذ في بلد ذي جغرافية صعبة لم تكن حينها قادرة على إسناد التاريخ بقدر كاف من الفاعلية التي تحول دون تعدد التعبيرات السياسية..

فعندما يكون مستوى التساند بين الجغرافيا والتاريخ قوياً يكون هناك في الغالب الأعم تعبير سياسي واحد عن الكيان الحضاري الثقافي الواحد بغض النظر عما إذا كان هذا التعبير متوافقاً مع الكيان أو مهيمناً عليه..

جذور القضية الجنوبية “1990 – 1994“:

لا يمكن لنا أن نتحرك صوب المستقبل، ما لم نعمل على تصحيح ماضينا، بتحريره من أسر القراءات المتحيزة التي تسعى لتوظيفه في صراعات الحاضر.. ونحن هنا لا نشير إلى الماضي البعيد، إنما إلى الماضي القريب جداً الذي مازال حاضراً بشخوصه وعاشه معظم اليمنيين الأحياء الذين شهدوا يومي 22 مايو 1990 و7 يوليو 1994، ولم يستوعبوا بعد ما جرى خلال الفترة الزمنية الواقعة بين هذين اليومين، وما بعدها بسبب غلبة الرواية على الدراية..

فالرواية كانت ومازالت صاحبة الصوت المرفوع الذي أشاع في الناس أن يوم 7 يوليو هو يوم النصر العظيم، وأنه يوم مشهود من أيام الوطن لا من أيام العصبيات المدمرة للأوطان.

إن ما حدث يوم 22 مايو 1990م هو الإعلان عن تأسيس جديد لوحدة بين يمنين سياسيين تفصل بينهما قرون من التشظي، وليس إعادة تحقيق وحدة يمن سياسي واحد، انشطر في لحظة زمنية منظورة إلى شطرين أحدهما أصل متبوع والآخر فرع تابع..

و”الإعلان عن التأسيس” هو لحظة التدشين في عملية التوحيد التي تحتاج بالضرورة إلى وقت وإلى رعاية وتفاهم وتوافق من كل الأطراف.. أما “إعادة التحقيق” فهو تعبير مخادع يوحي بأن ما حدث في 22 مايو 1990م هو لحظة التتويج في عملية توحيدية بدأت في وقت ما، وانتهت في هذا اليوم.

الوحدة لم تكن بين حزبين ولا بين سلطتين؛ وإنما كانت بين دولتين لصالح دولة ثالثة بحقائق عسكرية وأمنية وسياسية وإدارية مختلفة لا هي حقائق دولة الشمال ولا هي حقائق دولة الجنوب.. وهذه الدولة الثالثة ذات نظام سياسي ديمقراطي يتضمن إدانة صريحة للنظامين السياسيين السابقين، ويعطيها وحدها دون أي من الدولتين السابقتين حق التمدد وممارسة السيادة على كامل جغرافية اليمن الحضاري الثقافي الواحد..

ومن غير هذه الدولة الثالثة ذات الحقائق المختلفة والنظام السياسي الديمقراطي المغاير تكون الوحدة باطلةً وغير مؤهلةٍ للبقاء والاستمرار.

وفي مفهوم الوحدة نميز – منطقياً ومنهجياً – بين سياقين:

الأول:  هو الوحدة كحالة عاطفية وجدانية استدعتها الحركة الوطنية اليمنية من أرشيف التاريخ بصورة مثالية بعد تنقيته ذهنيًّا من حروبه وصراعاته وتغلباته وانقساماته وأيقظتها في نفوس وعقول الجماهير كحلم تغييري منذ ثلاثينيات القرن الماضي انطلاقاً من مدينة عدن.

والثاني: هو الوحدة كمشروع سياسي وطني نخبوي معيار نجاحه الوحيد أن يتجسد في دولة – ثالثة – ذات نظام سياسي ديمقراطي حقيقي يضمن أن تكون الدولة لكل مواطنيها لا دولة يغتصبها حزب أو مراكز قوى متكئة على عصبيات.

وعلى أساس هذا التمييز بين الوحدة كحالة عاطفية شعبوية والوحدة كمشروع سياسي نخبوي نرى أن الذين وقفوا ضد مشروع دستور دولة الوحدة وقاطعوا الاستفتاء عليه لم يكونوا ضد الوحدة بالمعنى الأول لكنهم كانوا ضدها بالمعنى الثاني.. أي أنهم كانوا ضد “الدولة الثالثة” دفاعاً عن دولة الشمال ضد الجمهورية اليمنية، دفاعاً عن الجمهورية العربية اليمنية.

والأرجح أن يوم 22 مايو 1990 كان سيتأخر كثيراً لو أن حملة تكفير مشروع دستور دولة الوحدة كانت سابقة عليه وليست لاحقة له.. لذا نلاحظ أن تأجيل الاستفتاء على مشروع الدستور إلى ما بعد 22 مايو 1990م تحول من الناحية العملية إلى تبكير بالحرب.

أما التحالف «العسكري القبلي الديني»  الذي أشعل حرب 1994م فقد استثمر الوحدة كحالة عاطفية شعبوية لتدميرها كمشروع سياسي وطني نخبوي.. فبدلاً من تجييش عاطفة الوحدة لدى الجماهير لصالح بناء “الدولة الثالثة” جرى تجييشها لصالح حرب 1994 وبالحرب تحولت عاطفة الوحدة إلى دماء وجراح أشاعت الكراهية ونقلت براميل التشطير من الجغرافيا إلى النفوس..

وهنا بالتحديد يكمن جذر القضية الجنوبية باعتبارها قضية وطنية نجمت عن انقلاب عسكري عصبوي موجه ضد مشروع دولة الوحدة.. والأنكأ من كل ذلك أن الانقلابيين ظلوا يستخدمون عاطفة الوحدة لشرعنة نهب واستباحة الجنوب، الأمر الذي دمر هذه العاطفة عند أغلب سكان المحافظات الجنوبية وأشاع الخوف عليها عند سكان محافظات الشمال..

وبهذا انقسم اليمنيون جغرافياً بين كاره للوحدة جنوباً وخائف عليها شمالاً.. ومع أن سبب الكراهية والخوف في الحالتين واحد وهو حرب 1994م التي دمرت الوحدة كمشروع سياسي وطني إلا أن نخباً في الجهتين تتهرب من الاعتراف بهذه الحقيقة.. فالتي في الجنوب تعمق الكراهية وتعطيها بعداً جهوياً صريحاً..

والتي في الشمال توسع مساحة الخوف وتحرضه بشعارات وطنية ودينية للتستر على جهويتها وعصبويتها الضيقة.. الأولى تستشهد بنتائج الحرب لشرعنة فك الارتباط وتستعدي الكارهين ضد الخائفين.. والثانية تتمسك بالضم والإلحاق تحت شعار الوحدة لشرعنة ما تقدر على شرعنته من نتائج الحرب وتستعدي الخائفين ضد الكارهين..

والحقيقة متوارية في المسافة الواقعة بين هذين القطبين، مع أنه يجب علينا التمييز بين الفعل وردة الفعل، وبين الجلاد والضحية.  والحرب التي أنتجت القضية الجنوبية لم تكن بين جهتين في الجغرافيا إنما بين اتجاهين في السياسة.. فالذين كسبوا الحرب وجنوا ثمارها هم من الشمال والجنوب.. والذين خسروها هم أيضاً من الشمال والجنوب.. أما المهزوم الأول والأكبر فيها فهو الشعب اليمني بشقيه الكاره والخائف.

ولأن الوحدة لم تقم ابتداء على الدمج وإنما على الجمع الميكانيكي أو المجاورة بين حقائق دولتين فقد بقي الريال مجاوراً للدينار وطيران اليمدا مجاوراً لطيران اليمنية وتلفزيون عدن مجاوراً لتلفزيون صنعاء وصحيفة 14 أكتوبر مجاورة لصحيفة الثورة، وقس بقية الحقائق على هذا المنوال بما في ذلك البرلمان والحكومة اللذين لم يدمجا، وإنما جمعا ميكانيكيا.

ولأن البرلمان لم يكن مؤهلاً للوقوف على مسافة واحدة من الرئيس ونائبه خرجت الأزمة من أقبية الائتلاف الثلاثي إلى فضاء الحوار الوطني الموسع.. ونتج عن ذلك تشكيل لجنة حوار القوى السياسية التي شخصت الطابع الوطني العام للأزمة وصاغت الحل في وثيقة العهد والاتفاق الموقع عليها بشكل نهائي في العاصمة الأردنية بتاريخ 20 فبراير 1994.. لكن ميزان القوى في البلاد وقتها لم يكن لصالح بناء الدولة من خلال تطبيق الوثيقة الأمر الذي يفسر الاندفاع السريع نحو الحرب.

وبسبب المجاورة والجمع الميكانيكي الذي بنيت على أساسة دولة الوحدة، احتفظت حقائق كل دولة بتبعيتها البنيوية للنظام الذي أنتجها.. وكان مجلس الرئاسة يدير حقائق دولتين يتوقف نوع العلاقة بينها على نوع العلاقة بين الرئيس صالح ونائبه علي سالم البيض.. لذلك قيل: إن الوحدة لم تتحقق عملياً إلا من خلال العلم والنشيد الوطني.. لكن الخطورة الكبيرة في هذا الإجراء مثلتها وحدات الجيش التي تجاورت من غير دمج ثم انزلقت بسهولة نحو الحرب متأثرة بمناخ الأزمة السياسية ألتي أعقبت انتخابات أبريل 1993 النيبابية.

هنا نلاحظ أن دولة الوحدة المفترضة كانت عملياً دولة منقسمة.. وهذا الانقسام بني بناء.. وكأننا إزاء اتحاد كونفدرالي.. ولأن نظام الشمال لم يكن مؤمناً بقضية الوحدة كمشروع سياسي وطني؛ فقد أعاق عملية دمج حقائق الدولتين في إطار مخطط مدروس لتصفية الكيان الاعتباري لدولة الجنوب بمختلف مكوناته وشخوصه من خلال التطويق الإداري وعدم التمكين من ممارسة الصلاحيات والتحريض الأيديولوجي بشقيه السياسي والديني ثم الاغتيالات التي طالت العشرات من كوادر الاشتراكي..

ثم جاءت حرب 1994 لتقضي على دولة الجنوب وتكرس دولة الشمال وتقضي على وحدة 22 مايو 1990 الطوعية وتفرض على الجنوب وحدة 7 يوليه 1994 التي يرفضها أغلب الجنوبيين تقريباً.

وبهذا فإن حرب 1994 قضت عمليًا على حقائق دولة الجنوب وفرضت حقائق دولة الشمال على اليمن كله.. وبذلك حكمت على مخطط الوحدة بالفشل وكرست النظام السياسي للجمهورية العربية اليمنية مع الإبقاء على بعض مكتسبات الوحدة كالتعددية السياسية والانتخابات الدورية للإيحاء بأن الوحدة القائمة هي وحدة 22 مايو 1990 السلمية المقترنة بالديمقراطية وبأن حرب 1994 كانت اضطرارية للقضاء على خطر الانفصال وليس لإفشال مخطط الوحدة وابتلاع الجنوب.

خرجت أزمة الوحدة إلى العلن في أغسطس 1993 واعتقد كثيرون أنها انتهت بحرب 1994.. غير أن الحرب لم تنه الأزمة وإنما عمقتها وأفرزت لاعبين سياسيين جدد وبدلت تموضعات فاعلين قدامى، فبدت الآن أكثر تعقيداً حيث أصبح جزء كبير من أبناء الجنوب يجاهر في زمن الوحدة بما لم يهمس به أحد في زمن التشطير..

وهذا دليل قاطع مانع على أن حرب 1994 أصابت الوحدة اليمنية بجروح لن تندمل إلا بتغيير النظام المنتج للحروب وإعادة صياغة الوحدة اليمنية على النحو الذي يضمن شراكة حقيقية للجنوب في السلطة والثروة غير مهددة بالتفاوت الكبير في تعداد السكان.

نتائج حرب 1994 تؤكد أن دولة الوحدة وليس الوحدة هي موضوع الخلاف الذي كان.. ومعنى ذلك أن ميزان القوى عند إعلان الوحدة كان ممانعاً لبناء الدولة.. وإذا كان الشمال حينها هو الطرف الأقوى في معادلة القوة فالممانعة كانت شمالية ومن قبل أطراف ومراكز نفوذ لها مصلحة في أن لا تكون هناك دولة تساوي بين كل اليمنيين.

ومهما اختلف اليمنيون في مقدمات حرب 94م، لكن لا يوجد بينهم اليوم من يجرؤ على رفع صوته دفاعاً عن النتائج.. إنما يوجد من يلقي باللائمة كلها على الطريقة التي أدار بها علي عبد الله صالح البلاد بعد الحرب.. فالمشكلة عند هؤلاء ليست في الحرب وإنما في طريقة إدارة البلاد بعد الحرب.. وهذا رأي من الصعب على العقل أن يتقبله إلا إذا استطاع أصحابه أن يثبتوا أن طريقة إدارة علي صالح للبلاد قبل الحرب تختلف عن طريقة إدارته لها بعد الحرب..

أما في الوقائع فهناك ما يكفي لإثبات أن حرب 1994 لم تكن دفاعاً عن الوحدة وإنما دفاعاً عن هذه الطريقة في إدارة البلاد.. الطريقة التي قامت على اختزال الدولة في شخص الرئيس.

أما على المستوى الاجتماعي، الذي تغفله كل الرؤى و التناولات الخاصة ببحث القضية الجنوبية، فإن أمراً خطيراً كان قائماً في الشمال ويتمثل في الوعي العام السائد لدى غالبية أفراد المجتمع تجاه “الجنوب” و”الاشتراكية”، فلم يكن حلم “الوحدة” مطروقاً لدى غالبية مواطني الشمال، بل كان شعاراً قائماً فقط لدى النخب، والأخطر أن الخطاب الديني الحليف لنظام صالح، والمدعوم منه، ظل يقدم الجنوب قبل الوحدة وبعد توقيع اتفاقيتها بأنه “جنوب ملحد”..

وعلى هذا الأساس حظيت حرب 94م بزخم جماهيري منقطع النظير من قبل مجتمع الشمال. وهذا يستلزم من كل النخب السياسية في الشمال التحلي بالشجاعة والاعتراف بأن الكتلة السكانية هنا عاشت طويلاً تحت مظلة التضليل والخداع ما جعلها خزان دعم لا ينفد لكل السياسات الإقصائية والعدائية بحق الجنوب.

وفي الأخير: فإنه لا يمكن إغفال الضرر الذي نتج عن الاستعجال في الدخول إلى الوحدة مباشرة دون منح كل شطر مرحلة انتقالية – قبل إعلان الوحدة – من سنتين إلى ثلاث سنوات ليتمكن خلالها من معالجة بعض الملفات الداخلية لديه بما ينسجم ونظام الدولة الجديدة، عبر تهيئة الأوضاع من الناحية السياسية في الشطرين كإقرار التعددية الحزبية والتصالح مع الماضي، والاقتصادية عبر التمهيد للتحول إلى النظام الجديد، ومعالجة ملف التأميم في الجنوب مثلًا، بما يمكنه من الدخول إلى الوحدة بقوة وثبات، ليكون شريكًا فاعلًا، كما أن تلك الفترة كانت ستمثل اختبارًا لمدى التزام كل طرف بما تم الاتفاق عليه؛ وبالتالي ستحدد إمكانية الدخول في الوحدة أو التريث إلى أن تتهيأ الأوضاع في فترة لاحقة؛ لتضل الوحدة حلمًا جميلًا إلى أن يتم تحقيقها على أسس علمية مدروسة.

الخلاصة

من ما سبق يمكن تلخيص جذور القضية الجنوبية في التالي:

1- إخفاق سياسيي وحسن نية زائدة لدى القيادة الجنوبية ممثلة بقيادة الحزب الاشتراكي وقتها في قراءة المشهد داخل الشمال والتوقيع على وثيقة الوحدة دون إعداد خطة استراتيجية “مرنة تجاه المتغيرات”  أو دراسة وافية لما بعد التوقيع، ومع أننا نعترف أن الحزب كان يملك مشروعًا وطنيًا طموحًا، لكنه لم يكن يملك البرنامج التنفيذي التفصيلي اللازم لتطبيقه على أرض الواقع، وإذا ما قارنا بين اتفاقية الوحدة اليمنية المكونة من صفحة ونصف وبين اتفاقية الوحدة الألمانية المكونة من 1200 صفحة عندها سندرك حجم الخطأ الذي تم ارتكابه.

2- النية المبيتة للنظام العصبوي الحاكم وقتها في الشمال؛ للاستئثار بدولة الوحدة واستئصال الشريك الجنوبي واعتبار الوحدة خطوة تكتيكية لضم الجنوب إلى نظام دولة الشمال ( ظهر ذلك جليًّا في المقطع المأخوذ من مذكرات عبدالله الأحمر)، وتراجعه عن اتفاقية الوحدة والاتفاقات اللاحقة – مع القيادة الجنوبية ممثلة بعلي سالم البيض- ووثيقة العهد والاتفاق التي حظيت بإجماع وطني.

3- إن توحيد دولتين ودمجهما ليس عملية بهذه السهولة التي تم التعامل بها من قبل نظامي الشطرين، ومن قبل النخب السياسية اليمنية بشكل عام؛ حيث إنه لم يتم عمل أي فعاليات بحثية واستقصائية وورش عمل ودراسات إدارية اقتصادية دميوغرافية، كتمهيد لإطلاق عملية التوحيد، حتى تضمن عدم حصول أضرار بالغة بأي من جانبي المجتمع بسبب تبني الدولة الوليدة لنظام سياسي أو إداري أو اقتصادي جديد؛ وهذا ما خلق ضررًا اقتصاديًا طاحنا في المحافظات الجنوبية التي تحولت فجأة إلى نظام السوق واقتصاد رأس المال.

4- الوعي العام، بالغ السلبية، لدى أكثرية المجتمع في الشمال تجاه الجنوب والتجربة الاشتراكية، بحيث تظافر هذا الوعي، معززا بالخطاب الديني، مع نوايا الاستئصال السياسي القائمة لدى قيادة تحالف حرب 94م (العسكري والقبلي والديني)، وحين اندلعت حرب 94م كان الرأي العام في الشمال في أوج الجاهزية لدعم هذه الحرب بمبررات “تكفيرية” تجاه الآخر الجنوبي.

5-  حرب 94 م وما تبعها من استباحة للجنوب أرضًا وإنسانًا ” وسيأتي تفصيل ذلك في محتوى القضية الجنوبية “، والقضاء على دولة الوحدة وتطبيق نظام دولة الشمال العصبوي الذي كان قائما قبل الوحدة على اليمن ككل بعد حرب 94م.

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com