معطيات التحرر في جنوب اليمن! بقلم صفوان باقيس

رحم الله المفكر العربي الإسلامي الكبير عبدالرحمن الكواكبي عندما قال "الأمة التي لا يشعر كلها أو أكثرها بآلام الاستبداد، لا تستحق الحرية" فهي تحمل الكثير في طياتها إذا ما اسقطناها اليوم على واقع جنوب اليمن المحتل.

5٬661

أبين اليوم – مقالات

 بقلم / صفوان باقيس

  المقال هذا رد على مقال الاستاذ سمير المسني على موقع ابين اليوم، بعنوان أحداث جنوبية بتاريخ ٧ ديسمبر ٢٠٢٠ و هو تطرق للجنوب مستعرضا ثلاث جوانب

الأول توفر الأرضية الخصبة لقيام عمل مسلح في جنوب اليمن، نظرا لتردي الأوضاع العامة في الأراضي المحتلة، وما شابه من اقتتال الأدوات وانفلات أمني، وما رافقه من تدهور معيشي حتى بلغ ذروة السخط الشعبي.

الثاني وهو الدور المناط على كاهل القيادات الجنوبية التي تعيش في المناطق المحررة، مع التقصير العام من القيادات المكلفة في إدارة شؤون الجنوب، وتحديدا المحافظين.

الجانب الثالث وهو التأكيد على الثقة التامة بقيادة أنصار الله العليا، وهي دعوته لها لإعادة النظر في بعض القرارات ضمنيا؛ إذا ربطت مع الجانب الثاني.

 

 

أحداث جنوبية

شخصيا أرى أن الجنوب بشكل عام في الوقت الراهن، غير مستعد لتقبل اي حل قد يأتي من الشمال، وإن كان الحق و اليقين لعدة عوامل، واهمها فقدان الثقة بعد عقود من التهميش و الاقصاء المنظم من عصابة ٧/٧ ، و ما تبعه من تحالف أنصار الله مع عفاش، وبما يسميه الجنوبيين الغزو الثاني للجنوب.

محو ذلك سيتطلب جهد اكبر عن المعتاد ، ولا أرى توفر ذلك في أسلوب ونهج القيادات العليا في المناطق المحررة، لن ادخل في الأسباب لتلك اللامبالاة، لأني ربما اجهلها، ولكن أرى تأثيرها السلبي على سياسة أنصار الله تجاه الجنوب، وربما تعيين محافظين من خارج أبناء تلك المحافظات يشكل ذروة سنام تلك السياسة التي قد تتسم احيانا بالسطحية.

الأسلوب العفاشي في الحكم، كان يتسم بتعيين محافظين و مدراء عموم أجهزة الدولة ونوابهم ومساعيدهم من خارج المحافظة او المديرية، مثالا مدراء أمن عدن كانوا من خارجها ؛ وبل من خارج الجنوب ، معتقدا انه بذلك يقوم بتعزيز الوحدة الوطنية، فتلك الأساليب الراعناء كان لها مردود عكسي غير ما أمل له بضم الالف.

الإدارة الناجحة في الدول المتقدمة علميا، والمستقرة سياسيا، تعتمد على السكان المحليين في إدارة شؤونهم ، و لا تعتمد على المركز بشكل كلي. من اهم مشاكل اليمن هي المركزية المفرطة في اتخاذ القرار.

استبعد ان يستطع اي محافظ من خارجها، أن يتعامل مع أبنائها بشكل سليم و منظم، مراعيا للتفاصيل الدقيقة في سلوك وتعامل أبناء المحافظة المعينة ، لأن هناك عوائق ربما تكون صغيرة، ولكن مهمة جدا مثالا تخيل وجود محافظ للمهرة ، لا يتحدث المهرية! كارثة في التواصل و عائق سلوكي من الدولة تجاه مواطنيها!

نرجع لتوفر البيئة المناسبة في الجنوب لمقاومة التحالف العربي الصهيوني، وهل هناك من إمكانية؟ فالجواب بكل تأكيد نعم، ولكن قد يشعر الاغلبية بوجود نفس المشكلة، ولكن لا يتفق الاغلبية على تشخيص تلك المشكلة من نفس الزاوية، وبالتالي تباين الحلول و الأفكار. الجنوب مقسم بين الولاء للشرعية المدعومة من السعودية على الاقل، هكذا تبدو الأوضاع و بين الانتقالي المدعوم إماراتيا او هكذا يروج لها، وهناك نسبة مئوية لا بأس بها ترى التحالف ككل عدو. على مستوى رجل الشارع العادي فالاغلبية لا تثق باي طرف وهي الاغلبية المحايدة.

اليوم نعول على المكونات الجنوبية الوطنية في تضافر الجهود لرفع مستوى الوعي المجتمعي بخطر تواجد قوات اجنبية غازية ، وما يحاك لهذا الوطن من مؤامرات؛ فالمواطن العادي في الجنوب وصل لقناعة تامة، فلا يهمه من يحكم بقدر ما يهمه توفير ابسط مقومات الحياة وأدنى مستويات الخدمات العامة كالكهرباء، وتوفر المياه الصالحة للشرب، والصرف الصحي، وإيقاف تدهور الريال و ارتفاع أسعار المواد الغذائية.

لعل وصول المواطن في الجنوب إلى هذه القناعة (اي ان لا يهمه من يحكمه بقدر وجود من يوفر له ابسط مقومات صراع البقاء) ، ويعتبر أخطر منعطف وصلت له الأوضاع في جنوب اليمن المحتل، وهي مرحلة متقدمة في تطويع الشعوب، والقبول بالاحتلال المباشر، فماذا يمنع مثلا من عودة بريطانيا لحكم مستعمراتها القديمة كعدن و او محمياتها الشرقية بشكل مباشر او حتى غير مباشر عبر الإمارات او الانتقالي ، إذا تمت ترقيته لمستوى عميل مباشر، وخصوصا عندما أكد الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي أثناء زيارته الأخيرة للمملكة المتحدة عن شراكة الاستعمار البريطاني لشعب ” الجنوب العربي ” أو كما اسموه فالحديث هنا عن ندية العلاقة تاريخيا، ولا أعرف كيف ارتكز على معطيات تلك العلاقة فلا ندري إن كان غباء او استغباء!

أمام أنصار الله فرصة تاريخية، وهي توطيد العلاقة مع المكونات الوطنية الجنوبية الرافضة للتواجد الأجنبي المباشر، بكل أشكاله تلك التنظيمات المتحركة على الأرض و التي تلامس الواقع ؛ فالقاعدة الشعبية لهم تتسع يوما بعد يوم، ولكن يظل تعدد ايدلوجيات تلك المكونات عائق، وتحدي حقيقي في مواجهة ادوات المحتل الأكثر تنظيما و تجهيزا و دعما.

اليوم في العالم العربي والإسلامي صراع طرفين لا ثالث لهما، وهو أن تكون في الوحل العربي الصهيوني او كما يسمونه المحيط العربي من جهة او في المقابل محور المقاومة في مواجهة الزحف الصهيوني واختراقه للضمير العربي الميت اصلا. و صدق الشاعر عمر بن معدي كرب في الأبيات التالية:-

لقد أسمعت لو ناديت حيا  ولكن لا حياة لمن تنادي
ولو نار نفخت بها أضاءت   ولكن أنت تنفخ في رماد

فقيام دولة صهيونية الهوى في الجنوب اليمني المحتل، ليس خطرا على الشمال اليمني وأنصار الله فحسب؛ وإنما تداعياته قد تمس المقدسات الإسلامية كلها، عوضا عن تصفية القضية الفلسطينية بشكل نهائي. تخيلوا وفد سياح اسرائيلي وسط الحرم المكي!

ليس هناك خيار أمام أنصار الله و المخلصين في الجنوب اليمني المحتل، الا تضافر الجهود لطرد المحتل الأجنبي، لا بل واستعادة كل الأراضي اليمنية المنهوبة.

رحم الله المفكر العربي الإسلامي الكبير عبدالرحمن الكواكبي عندما قال “الأمة التي لا يشعر كلها أو أكثرها بآلام الاستبداد، لا تستحق الحرية” فهي تحمل الكثير في طياتها إذا ما اسقطناها اليوم على واقع جنوب اليمن المحتل.

أحيي صمود محافظة المهرة و بقياداتها اللواء احمد محمد قحطان و الشيخ علي سالم الحريزي و كذلك الرؤية الوطنية لمجلس الإنقاذ المنبثق عن تطور الرؤية الوطنية في هذا المجلس وامينه العام الأخ المناضل ازال الجاوي و لكن مجلس الإنقاذ لوحده لايشكل إجماع فهناك تيارات أخرى كالحراك الثوري وامينه العام فادي باعوم و اخرين على الساحة الجنوبية فيجب الوصول لعدد اكبر ممكن وضم كل التيارات في إطار جنوبي واحد يذوب فيها التباين الايدلوجي وتغيب عنه المصالح الذاتية و تتحد تحت هدف واحد وهو تحرير الجنوب و كل اليمن من براثن الاحتلال.

ستفشل اي جبهة لا تضع وعد صادق لابناء الجنوب عن إجراء استفتاء لتقرير المصير بعد التحرير ، وحين توفر المناخ المناسب و الاستقرار السياسي النسبي لإجراء هذا الاستفتاء. هناك شريحة لاباس بها من أبناء الجنوب رافضين للوحدة، وفي نفس الوقت رافضين للتدخل الأجنبي؛ فينبغي استيعابهم في هذه المرحلة. لايمكن فرض الانفصال بالقوة ، وكذلك لا يمكن فرض الوحدة بالقوة. لهذا الاستفتاء يعتبر حل عادل وسط مقبول من معظم الأطراف، والمكونات السياسية في الساحة الجنوبية.

 

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي موقع أبين اليوم، وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً