كتب الأستاذ حليم خاتون: عندما يخون اليسار العربي نفسه..

974

أبين اليوم – متابعات

كتب الأستاذ حليم خاتون:

عندما يخون اليسار العربي نفسه… كيرينسكي
العربي، مثل.

كيرينسكي هذا قد يكون كيرينسكي جنبلاط، كيرينسكي إبراهيم، كيرينسكي عطاالله،
….
كيرينسكي نحّاس…
القافلة تطول وقد تحتوي عشرات آلاف الأسماء …

هذه الكلمات قد لا تصل إلى الكثيرين من هؤلاء، لعجزي عن العودة إلى السبعينيات حين كانت الحياة في الشياح تضجّ
بالحلقات والنقاشات التي تبحث عن حلول لأزمة وطن، وأزمة منطقة.

قد أكون أحد هؤلاء، الذي في لحظة ما، استسلم للهزيمة، جمع اوراق عمره وترك البلد، وترك المنطقة كلها…

في جوابه على إحدى تعليقات رفيق الحريري الساخرة، قال له مستشاره الماركسي أنه يعيش في عالم رأسمالي، ولذلك فهو يخضع لقوانين هذا النظام.

لعلي فعلت مثله.
لعلّ الكثيرين فعلوا مثله، وخرجوا إلى عالم رأس المال ليعملوا ضمن قوانينه.

ليس كل اليسار تشي غيفارا…
ولكن لا يجب أن يكون هذا اليسار محسن ابراهيم،
أو أيًّا من هؤلاء الذين على الصعيد العربي نظّروا لأوسلو، وعلى الصعيد اللبناني ركبوا مركب رفيق الحريري المليء بالعورات من كل النواحي والجوانب، سياسيا واقتصاديا وثقافيا، بل وحتى إنسانيا.

على فكرة، ذكرت أرنستو تشي غيفارا، ولم أذكر قاسم سليماني عمدا.

ليس لأن تشي يساري وسليماني إسلامي…
فحتى في النضال الديني،
هناك يسار ويمين ووسط.

من وجهة نظري، تُشكًل ظاهرة قاسم سليماني إحدى أجمل صور اليسار
المسلم، أو الإسلام اليساري.
لذلك ارجو من المناضلين الإسلاميين عدم اعتبار هذا انتقاصا من تاريخ هذا المناضل.
فكما خرج غيفارا من بلده الأرجنتين ليساعد في تحرير كوبا، خرج سليماني من بلده إيران، ليساعد في تحرير لبنان وفلسطين.

وكما سقط تشي في النضال في ادغال بوليفيا،  سقط سليماني في ساحات الجهاد في العراق.

لكني تعمّدت أخذ غيفارا مثلا، لأننا نحن، الجيل الذي كان في مقتبل الشباب، وفي بدايات النضال في أواخر السبعينيات، كان أكثر قربا لغيفارا ويغني له مع الشيخ إمام.

ما يُحزن في هذا اليسار،
أنه لم يفهم بعد أن الثوري قد يكون أيضا من أتباع الله.

الذي أسقط حلف وارسو
لم يكن حلف شمال الأطلسي؛ الذي أسقط حلف وارسو؛ كانت الكنيسة الكاثوليكية في بولندا.
كنيسة مناضلة، لكنها تركت الأميركيين يقطفون ثمار نضالها بكل سذاجة.

والذي ساهم ويساهم في تحرير أميريكا اللاتينية، أكثرهم من أتباع نفس الكنيسة الكاثوليكية المُناضلة.

الذي أسقط الشاه وطرد الأميركيين والصهاينة من إيران كانت جماهير الخميني الٱسلامية وليس حزب تودة أو “مجاهدي خلق”.

إلى اليسار أتوجّه اليوم، كما توجّهت الى حزب الله بالأمس راجيا إقامة أوسع تحالف شعبي ممكن لإنقاذ هذا البلد، ومعه المنطقة.

لقد خذل بعض هذا اليسار سوريا حين اعتقد لوهلة أن ما يجري في سوريا كان ثورة.

لم يكن النظام السوري يُلائم الكثير من احلام الثوريين، ولا كان الصورة المثالية للديموقراطية؛
بل ربّما كان يحتوي كميّة من أوساخ الرأسمالية والإنتهازية، أكبر بكثير مما يمكن أن تستطيع قوميته ووطنيته الشفاعة له فيها.

لكن أن يخرج مارسيل خليفة لينظًر لثورة كانت تنام في احضان السعودية
وقطر وتركيا، وحتّى إسرائيل، فهذا منتهى السذاجة.

وأن يُصر شربل نحّاس في كل مقابلة على حشر حزب الله في سلّة الفاسدين هو شكل من أشكال الإنتهازية الرخيصة التي تريد استرضاء جمهور ساذج لا زال يخلط بين العجز عن محاربة الفساد وبين كينونة الفساد نفسه.

عندما ارتكب شربل نحّاس تلك الخطيئة المميتة، اعتقد الكثيرون ممن يتابع شربل أنها هفوة، أو زلّة لسان أو حتى استقصاد جملة خارج السياق.
لكن أن يُصرّ الوزير نحّاس على وضع قيادة الحزب ضمن الستة الفاسدين الذين يحكمون البلد؛ هذا يُصبح انتهازيّة غير علميّة.

صحيح أن وزراء الحزب كانوا غير فعّالين في كل الحكومات السابقة تقريبا،
وأنهم ساهموا، عن جهل وغير قصد، في إجهاض مشاريع شربل في قانون العمل والأمن الصحي لكل المواطنين؛

لكن هذا لا ينتقص من كونهم من المقاومة التي حرّرت ولا زالت تقاتل لاستكمال التحرير وبناء العزة لهذا الوطن الذي بها كَبُر حتى صار يُقلق ترامب وبومبيو.
وفي النهاية، على شربل أن يعرف أن شعب هذه المقاومة هو الرافعة الأساسيّة لأيّ تطوّر وتطوير في هذا البلد.

وأن تُصرّ قناة الجديد على انعطافاتها حتى بتنا لا نرى على شاشتها إلا بولا يعقوبيان وبعض الدعاية الرخيصة لنظام بني سعود، فهذا منتهى الإنحطاط.

الجديد التي لا ترى الفساد إلا عند من لا يُعجبها، لا تعود، لا إعلاما حرّا ولا إعلاما وطنيّا.

على الجديد حين تنشر أخبارا مدفوعة الثمن أن تتحلّى بالجرأة، وتضع على الشاشة كلمة أن هذا خبر إعلاني، ليفهم الناس أنه مدفوع الثمن.

أما لماذا تناوُل الجديد دون غيرها؟

لأن هذه الشاشة كانت حرّة يوما ما، أيام رفيق الحريري، فما بالها اليوم، صارت شاشة للإيجار.

الحزب الشيوعي، مثل من هذا اليسار الضائع.
ما باله حنّا غريب وقد خفت صوته بعد أن كان ايام هيئة التنسيق لا يكلّ
ولا يفلّ…
الشيوعيون الذين كانوا ايام الحرب الأهلية خليّة نحل فكريّة ونضاليّة لا يجدون طريقا للتحدث إلى جمهور المقاومة والتفاعل معه.
بل نرى حتى بعض “الشيوعيين” على شاشات تابعة للسفارة الأميركية ولا ينقص سوى أن يحملوا السلاح في خدمة ألأميركيين كما فعل “مجاهدو خلق”.

التنظيم الشعبي الناصري لا يخرج عن هذه السلبية.

حتى لو فرضنا أن حزب الله مُقصًر في هذا المجال؛

حتى لو لم يُعجبنا اهتمام الحزب بأطراف السلطة الحاكمة وإهماله للقوى الشعبية الضعيفة بسبب لامذهبيتها، يجب على هذه القوى المبادرة لإيجاد التواصل مع هذا الخزّان البشري الوطني والمناضل بكل المقاييس.

القوميون الإجتماعيون،
ضائعون.
وكأن كل همهم حصة ما، في حكومة ما.

لو كان أنطون سعادة حيًّا لكان تفاعله مع جمهور مقاومة حزب الله اكبر من أي اعتبار آخر.

الوضع في لبنان والمنطقة ذاهب الى حيث لا مجال للرمادية.

على اليسار أن يخرج من قوقعاته الأيديولوجيّة ويتجه إلى شعبه.

المقاومة تحتاج الى كل شعبها.

ليس من حجّة على من يتخلّف عن هذا النضال.

والذي اوجد تفاهم مار مخايل، يستطيع إيجاد تفاهم وطني عريض، عابر للطوائف والمذاهب.
والذي يضع لنفسه هذا الهدف، اليسار أقرب إليه من كلّ قريب.

المصدر / موقع إضاءات