نتنياهو العنوان.. انتخابات إسرائيلية رابعة في ظلّ “التلقيح والتطبيع”

174

بقلم / عماد البشتاوي

أحكم بنيامين نتنياهو قبضته على الوضع الداخلي في حزب “الليكود”، بطريقةٍ لم يستطع حتى شارون نفسه أن يقوم بذلك، من خلال استبعاد البعض وإقصاء البعض الآخر.

أحكم نتنياهو قبضته على الوضع الداخلي في حزب
أحكم نتنياهو قبضته على الوضع الداخلي في حزب “الليكود”

نتنياهو “الحاكم أو المحكوم” هو العنوان الأبرز، ليس للانتخابات الإسرائيلية القادمة فحسب،  بل للسياسة الإسرائيلية في العقد الأخير، كيف لا وهو رئيس الوزراء الأطول الذي تفوّق على “مؤسس إسرائيل” بن غوريون نفسه. ونتساءل هنا عن سرّ طول بقائه في وسط ساحةٍ إسرائيلية لم تعرف الاستقرار ولا الاستمرار على الصعيد السياسي الداخلي في السنوات الثلاثين الأخيرة  على أقل تقدير، بدءاً برابين مروراً ببيريز وباراك وأولمرت، وصولاً إلى شارون.

إنّ قيام انتخاباتٍ رابعة في أقلّ من سنتين، يكاد أن يكون عنوانها الوحيد نتنياهو. لقد غابت  الأفكار والمشاريع والتسويات السياسية عن الدعايات الانتخابية، واستُبدلت بشعارٍ واحدٍ فقط، ألا وهو “نتنياهو: إما الحاكم أو المحكوم”.

أحكم نتنياهو قبضته على الوضع الداخلي في حزب “الليكود”، بطريقةٍ لم يستطع حتى شارون نفسه أن يقوم بذلك، من خلال استبعاد البعض وإقصاء البعض الآخر، وتقديم الإغراءات السياسية والوعود لأعضاء قيادة حزبه. لقد شكّلت الانتخابات بشكلٍ عام هوايته المفضلة، سواءٌ كانت داخل حزب “الليكود”، أو على مستوى “إسرائيل”، لكي يحافظ على رئاسته الحزبية والسياسية أطول فترةٍ زمنيةٍ ممكنة.

لم يترك نتنياهو في حزب “الليكود” شخصيةً كارزماتية تنافسه وتهدّد زعامته بشكلٍ جديّ طوال السنوات الماضية، باستثناء الفترة الحالية، والتي تمخض عنها بروز جدعون ساعر، وهذا الأخير تتلمذ  بشكلٍ جيّد على يد نتنياهو، ويسير على خطاه، فقد اختار التوقيت المناسب للانشقاق عن حزب “الليكود” وتشكيل حزب “أمل جديد”.

لم تقتصر هيمنة نتنياهو على المراوغة والدهاء الذي مارسه على حزب “الليكود” فحسب، فقد امتدّ تأثيره إلى باقي الأحزاب والقوائم من خلال تفتيتها وخلق استقطاباتٍ وتجاذباتٍ في داخلها، من أجل التخلص منها في الوقت المناسب. وهذا ما جرى مع القائمة العربية المشتركة، حيث نجح نتنياهو في ضرب مكوّناتها من خلال استدراج “الحركة الإسلامية” بزعامة منصور عباس، مما أدى إلى إضعافها، وهي ربما في طريقها إلى التفكك.

ومن ناحية أخرى، نجح نتنياهو في استدراج حزب “أزرق أبيض” وزعيمه بيني غانتس، من خلال جذبه باتفاقية مغرية لتشكيل حكومة الوحدة والطوارئ، وأوكل إليه منصباً مستحدثاً (رئيس وزراء بديل)، وأغدقه بوعودٍ وهمية على التناوب. وفي الوقت ذاته، كان يبيّت له النية في التخلص منه، من خلال إظهاره للشارع الإسرائيلي بصورة الضعيف المنقاد، وهذا ما نجح به نتنياهو، مما سهّل عليه تطويعه وضمان تبعيّته، بعد أن أشارت جميع استطلاعات الرأي  وبوضوح، إلى تدهور حزب “أزرق أبيض” وانهيار جمهوره، حيث لم يبدِ غانتس، وعلى مدار  الأشهر الماضية أية دلائل تشير على قدرته في مجاراة نتنياهو، أو حتى التمثّل بمكانته، بل على العكس تماماً، كان أقرب ما يكون للتابع له، والمنجرّ خلف سياساته.

الانتخابات الرابعة في أقلّ من سنتين، كانت إحدى الأوراق القوية التي استخدمها نتنياهو للضغط والمساومة على الحلفاء قبل الخصوم، لاسيما وأنّ جميع استطلاعات الرأي تعطيه الأفضلية في جميع الحالات.

هناك فقط ثغرة تتمثّل بعامل الوقت وتوقيت الانتخابات. هو ما حاول نتنياهو التحكم به والسيطرة عليه، للتخلص من الآثار المترتّبة على جائحة كورونا صحياً واقتصادياً، والتي قد تؤثر بشكلٍ أو بآخر على هيمنته في الساحة السياسية، ومن هنا كان حرصه على تأمين اللّقاح بأقصى سرعة.

بمجرد وصول اللقاح وبلوغ التطبيع العربي ذروته، وجد نتنياهو في الانتخابات ضالّته للتخلص من غانتس، “حليفه اللّدود”، ومن اتفاقية التناوب التي أُبرمت معه. نعم، لقد كان رهان نتنياهو ولا يزال على قضيتيْ “التلقيح والتطبيع” للعودة مرةً أخرى إلى رئاسة الوزراء.  وسيكون رهانه أيضاً على الاستمرار في ممارسة سياسته المفضلة التي تقضي بتفتيت خصومه في معسكر اليمين، وإثارة المخاوف والشكوك فيما بينهم، ليجدوا أنفسهم في نهاية المطاف، أمام خيارٍ واحد لا بديل عنه، وهو نتنياهو.

ومن ناحية أخرى، سيبذل  قصارى جهده لتوسيع دائرة التطبيع، والقيام بزيارة بعض الدول المطبّعة، ودعوة البعض الآخر إلى “إسرائيل”. إنّ  نتنياهو  يشعر الآن بأنّ التطبيع والتلقيح هما الورقتان الرابحتان في يده، واللتان من خلالهما، يستطيع هزيمة الخصوم.

لم يتّضح بعد لمن ستؤول الزعامة بعد الانتخابات، لكنه من المؤكد أنها لن تخرج عن إطار اليمين بشقّيه “الديني والقومي”. إنّ الأشهر الـ3 القادمة هي فترةٌ زمنيةٌ طويلة في منطقةٍ تعجّ بالأحداث والمفاجآت والتقلبات. ولا يجب أن يغيب عن خاطرنا أننا أمام شخصٍ لا يتورع عن استخدام أو استحداث أية وسيلة للبقاء في الحكم، أولاً بسبب شغفه للسلطة وإدمانه عليها، وثانياً لمحاولة كسب الوقت من أجل إقرار قوانين وتشريعات تبعده عن المحاكمة والسجن.