فشل “قمّة العشرين” في السعودية قبل بدايتها

253

بقلم /محمود البازي
محمد بن سلمان علّق الكثير من الآمال على عقد “قمّة العشرين” بصورةٍ حضوريّةٍ في الرياض، وذلك لإضفاء الشرعية السياسية على “نموذج قيادته” للبلاد.
علّقت السعودية وقادتها آمالاً كبيرةً على “قمّة العشرين” في سبيل كسر الجمود والظلام الذي شاب علاقات وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان، مع الغرب. إذ أن ابن سلمان علّق الكثير من الآمال على عقد هذه القمّة بصورةٍ حضوريّةٍ في الرياض، وذلك لإضفاء الشرعية السياسية على “نموذج قيادته” للبلاد، وتشجيع رؤوس الأموال والمستثمرين للدخول في سوق الاستثمار السعودية.

وعلى الرغم من بدء هذه المساعي قبل العام 2019، حيث بدأت التحضيرات لعقد هذه القمّة والتأكيد على أهميّتها، إلاّ أن جائحة كورونا وانتشارها المخيف، بدّد هذه الآمال، وزاد من عزلة ولي العهد، وأفقده امتياز الاحتفاظ بصوَرٍ تذكاريّةٍ مع صديقه ترامب أو بعض قادة الدول الأوروبية.

الملف الحقوقي الأسود، وحرب اليمن، كانا من أهم العوامل التي ساهمت بفتور العلاقة بين السعودية والدول الغربية، فعلى الرغم من جهود ولي العهد السعودي بإظهار شخصه على أنه شخصيةٌ متحررّةٌ، ثوريّةٌ، تحاول الانقلاب على ما هو سائدٌ في السعودية، إلاّ أنّه أقدم على أخطاءَ شنيعةٍ، نسفت كل جهوده بمحاولات الإصلاح “الصُوريّة”.

أولى خطواته باتجاه الجحيم كانت، شنّ حربٍ ضد اليمن. الدولة الجارة التي تُعتبر من أفقر دول العالم. فبدلاً من مساعدة اليمن الذي خرج للتوّ من “ثورةٍ” ضد علي عبد الله صالح، اتجه ابن سلمان إلى شنّ الحرب ضد اليمن، راكضاً خلف وهم “الوجود الإيراني” هناك. فشرّد الأطفال وقتلهم، وساهم بانتشار مجاعةٍ لم تشهدها المنطقة منذ سنوات.

وحوّل ابن سلمان اليمن السعيد، إلى يمنٍ حزينٍ، ودمرّ بيوتهم وشرّد أطفالهم ونساءهم، وساهم بتشديد أزمة كورونا هناك، في ظلّ انعدام التجهيزات الطبية اللازمة لمكافحة الجائحة. وعلى الرغم من اعتقاده بأنّ حرب اليمن ستكون نزهةً لا تستغرق أكثر من أيام، إلا أن الشعب اليمني دافع وبشراسة عن أرضه وعرضه، فاختبأ الرجل خلف طائراته الأميركية، يقصف بها الشعب اليمني عن بُعد. ولم يوقف هذه الحرب المؤلمة إلى هذه اللحظة، على الرغم من أن الجميع مستعدّون للتفاوض والوصول إلى حلّ تحت قيادة أمميّة.

وكعادته بعدم القدرة على سماع الصوت الآخر، أرسل ابن سلمان فريقه إلى القنصلية السعودية في اسطنبول. واستدرج الكاتب والصحافي السعودي المعروف جمال خاشقجي، وتم قتله هناك بأبشع الطرق.

وبينما كانّ العالم في اتجاه نسيان ما قام به محمد بن سلمان، إلا أنه عاد لاعتقال الناشاطات السعوديات وزجهنّ في السجن. تتحدث تقارير المنظمات الحقوقية وتصريحات لذوي المعتقلات، عن تعذيبٍ ممنهجٍ وممارساتٍ جنسيّةٍ وعمليات صعقٍ بالكهرباء وغيرها من وسائل التعذيب ضد الناشطات السعوديات في السجون السعودية. كل ذلك ولم تتحرك المملكة باتجاه إصلاح هذه المنظومة البشعة، بل علّقت الآمال على عقد “قمّة العشرين”، لتلميع صورتها هناك.

وعلى الرغم النداءات المتكررة التي أطلقتها المنظمات الحقوقية مثال “هيومن رايتس ووتش”، والدعوات التي أطلقها نواب برلمانيون في بريطانيا والاتحاد الأوروبي والكونغرس، إلاّ أن دول أوروبا والولايات المتحدة شاركت في القمّة، وهذا إن دلّ على شيءٍ، فهو يدلّ على أنّ هذه الدول تكيل بمكيالين، ولا يهمّها سوى صفقات الأسلحة والحصول على الأموال السعودية.

رغم كل ما قِيل، فإن القمّة فشلت بتوفير الغطاء السياسي للسعودية، خصوصاً باقتصار القمّة على المشاركة عبر “الفيديو كونفرانس”، دون صُوَرٍ تذكاريّةٍ ومحادثاتٍ ثنائية.

ولا بد من التذكير، بأنّنا لو كنّا في مكان السعودية، فكان من الأحرى بنا أن نشعر بالقلق، من قدوم الحكومة الأميركية الجديدة بقيادة بايدن. ولا يأتي هذا القلق من شخص بايدن، المعروف بانتهاجه سياساتٍ تقليديّةٍ، إنما يأتي الخوف من أصواتٍ غاضبةٍ ضد تصرفات السعودية، داخل الكونغرس ومجلس الشيوخ.

بالإضافة إلى أن التيار القوي للغاية هو “تيار التقدميين” في الحزب الديمقراطي، بقيادة بيرني ساندرز، هذا التيار الذي ساهم بدعمه بوصول بايدن إلى سدّة الحكم، وبالتالي سيمارس تيار أقصى اليسار التقدمي ضغوطاّ غير مسبوقة على بايدن، للضغط على السعودية ومعاقبتها، وقد يكون هناك تقاربٌ بين الولايات المتحدة وإيران، على حساب السعودية، إذ لا يوجد بعد اليوم دعمٌ للسعودية مقابل المال، كما كان سائداً في عهد ترامب، الذي اكتفى بتصريحٍ مقتضبٍ للقمّة، ومن ثمّ ترك القمة متّجهاً إلى ملعب الغولف. إذ لا أهمية لتصريح رئيسٍ باتت أيامه معدودةً في البيت الأبيض.