ضرورات واشنطن فرضت المصالحة الخليجية… والهدف إيران

223

بقلم / حسن عبدالله

سارع مراقبون خليجيون في الحديث عن أنّ المصالحة الخليجية الجديدة، ستبقى أسيرة الأمزجة والتقلبات التي تتحكّم بصانعي القرار في هذه الدول.

ضرورات واشنطن فرضت المصالحة الخليجية... والهدف إيران
ضرورات واشنطن فرضت المصالحة الخليجية… والهدف إيران

الضرورات الأميركية تُبيح المحظورات أمام التحالف السعودي الإماراتي. سقطت جميع الشروط المفروضة على قطر بعد عودتها إلى الحضن الخليجي، وهبط أميرها على أرض “العلا” ليعانق أمير السعودية في خطوةٍ تُعدّ تجاوزاً للتباعد الاجتماعي الذي فرضه الوباء، إلاّ أنها بدت ضروريةً لإذابة جليد الفرقة السابقة وإشاعة أجواء الوِدّ، لا سيما أنّ ما بين قطر والسعودية وحلفائها، كاد يتسبّب بحربٍ في الخليج.

لم يُعرف حتى الآن علامَ  بُنيت الأسس الداخلية للمصالحة الخليجية وكيف أُديرت المفاوضات عبر الكويت لتجاوز الشروط والشروط المضادة، أو لتأجيل البتّ ببعضها، لكن من الواضح أنّ اليد الأميركية الخفيّة كانت تدفع الرياض والدوحة إلى إنهاء القطيعة، بغضّ النّظر عن  الخلافات والتناقضات القائمة.

حاجات أميركا في منطقة الخليج باتت ضاغطة، ولم يعد أمام إدارة دونالد ترامب الكثير من الوقت لتحقيق ما تصبو إليه في صراعها مع إيران. المهمّات التي خطّطت لها الإدارة الأميركية تحتاج إلى اكتمال العقد الخليجي كغطاءٍ سياسيٍّ واقتصاديٍّ وعسكريٍّ في أيّ حربٍ محتملةٍ ضد إيران. استجمعت المحرّكات الأميركية العملاقة طاقتها لترجمة المصالحة على نحوٍ يُسهم في تسخين الملف الإيراني وإحكام الحصارعلى طهران وتصعيد الضغوط والتهديدات ضدها.

وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو وصهر الرئيس ترامب جاريد كوشنير دفعا بالتوتر إلى مستوى الخطر، فرؤية المسؤولَيْن تتركّز على أولويّة وحدة دول مجلس التعاون الخليجي، كبوابة عبورٍ نحو تشكيل محور الحرب الذي يُشترط فيه تأمين مستلزمات ونفقات وضحايا أيّ عدوانٍ يستهدف طهران.

الآن وبعد أن التأم مجلس التعاون الخليجي، كان من اللافت استباق وليّ العهد السعودي لبيان “قمة العلا” بإعلانه “إنّ الأنشطة الإيرانية تهدف إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة”، مضيفاً بأننا “نواجه تحديات السلوك الإيراني التخريبي”. ما لم يُفصح عنه ولي العهد السعودي، كانت الشرق الأوسط السعودية  قد مهّدت له بحديثها عن أنّ العام الحالي هو عام السلام مع “إسرائيل”. هو سلامٌ يحتاج إلى مجلسٍ للتعاون يستكمل مسلسل التطبيع مع “إسرائيل”، في ظلّ تزايد معلوماتٍ مفادها أنّ الرياض ستتقدّم في ملف التطبيع في المرحلة المقبلة، تمهيداً لقيادة الإجهاز على القضية الفلسطينية ببُعدها المقاوم.

في المحصّلة، أصابت واشنطن ترامب عصفورين بحجرٍ واحد. حصلت على مجلس تعاونٍ موحّدٍ عنوانه الأوّل إيران هي العدو، أما عنوانه الثاني فتسهيل وتوسيع الاعتراف بـ”إسرائيل” كحقيقةٍ في المنطقة.

هل تصمد المصالحة؟

بالتوازي مع نجاح إدارة ترامب في استعادة الصورة الجامعة لقادة الدول الخليجية، تُثار أسئلةٌ واستفهاماتٌ تتعلق بمدى قابلية المصالحة للحياة.

سارع مراقبون خليجيون في الحديث عن أنّ المصالحة الخليجية الجديدة، ستبقى أسيرة الأمزجة والتقلبات التي تتحكّم بصانعي القرار في هذه الدول، فيما يستحيل أن تكون الشعوب قادرةًعلى المشاركة في تقرير مستقبلها.

يقول ناشطون خليجيون يعيشون في الخارج إنّ الضامن الحقيقي للاستقرار هي المصالح المشتركة، وليس المزاج الشخصي لأفرادٍ يتحكّمون بمصير الأمة، وما يجري ليس إلاّ عبثية الخصومة والتّصالح التي تقود شعوب الخليج من دون أسبابٍ مقنعة.

‏يقول الناشط العُماني علوي المشهور بتغريداته “نعم نفرح بأيّ صلحٍ أو تحسّنٍ للعلاقات بين دولنا العربية، ولكن في الوقت ذاته، علينا ألاّ ننسى سخافة هذه الصراعات، وإلى أيّ درجةٍ نحن كشعوب، ليس لنا من أمرنا شيء. يجب ألاّ ننسى أيضاً كيف تمّ تجييش الناس ضد بعضهم البعض ونحن أبناء أمةٍ واحدة، من دون أن نكون معنيين بصراعات من هم في أعلى الهرم”.

‏في سياقٍ آخر، أثبتت الهزّات المتتالية داخل مجلس التعاون الخليجي حقيقة هشاشته كمؤسسة، وأكّدت فراغه من مبادىء التكتلات والاتحادات الحديثة ومسلّماتها. كانت القرارات بكلّ صيغها، لا تصدر عن مؤسسات المجلس بقدر ما كانت تنبثق عن قادةٍ تحكمهم ارتباطاتهم وتحالفاتهم الخارجية، وهي بالتالي لا تنبع من مصلحة الشعوب ولا من دراسة احتياجاتها.

‏ استناداً إلى رأي معارضين خليجيين، النظام المؤسسي للمجلس غير موجودٍ على الإطلاق، ولا دور لمجلس التعاون بصيغته الحالية ولا مستقبل له، ويطالب هؤلاء بنظامٍ يقوم على برلمانٍ شعبيٍّ، تشارك فيه الشعوب الخليجية مثل البرلمان الأوروبي، ومحكمةٍ خليجية لحلّ الخلافات بين الدول بالطرق السلمية والقانونية، ونظامٍ أساسيٍّ للدول الأعضاء تصوّت عليه الشعوب.

وهنا، يجاهر المغرّد علوي المشهور بقوله “إمّا أن نبقى على هذا الوضع، ويكون مستقبلنا رهين اتصالات البيت الأبيض، إذا طلبوا منّا أن نتخاصم تخاصمنا، وإذا طلبوا منّا أن نتصالح تصالحنا، وهذا غير مقبول، أو أن يعود الحكّام إلى شعوبهم ويدركوا أنّها مصدر شرعيّتهم وأنّه لا بقاء لهم من دونها”.

نقلا عن الميادين