إما أزرق وإما أحمر.. لماذا تفتقر الديموقراطية الأميركية إلى الألوان؟

238

بقلم / علي فواز

“سياراتنا متوفرة بكل الألوان، شرط أن تكون سوداء!”. بقدر ما تعبّر هذه الجملة عن ولع مؤسس شركة “فورد” للسيارات باللون الأسود، فإنها تختصر واقع النظام السياسي الأميركي مع تعديل طفيف بالألوان.

تشكل سيرة هنري فورد قصة ملهمة على طريقة الحلم الأميركية. من الصفر بدأ الشاب حياته مؤسساً لإحدى أشهر شركات السيارات وأعرقها. على الرغم من فشله فى محاولاته الأولى، فقد تمكَّن في النهاية من تأسيس شركته الخاصة “فورد”. خلال 15 عاماً، كانت نصف السيارات في الولايات المتحدة تنتج فى مصنعه.

ما يهمنا هنا هو القول المأثور المتداول عنه: “سياراتنا متوفرة بكل الألوان، شرط أن تكون سوداء!”. بقدر ما تعبّر هذه الجملة عن ولعه باللون الأسود، فإنها تختصر واقع النظام السياسي الأميركي مع تعديل طفيف بالألوان.

بإمكان الناخب الأميركي أن يختار بحرية أي مرشح، شرط أن يكون إما أزرق وإما أحمر. بالطبع، يتيح القانون الأميركي نظرياً تشكيل أحزاب أخرى غير الحزبين الديموقراطي والجمهوري. الديموقراطية الأميركية تتيح أيضاً حرية الترشّح من خارج دائرة هذين الحزبين. لكن لأسباب عديدة، منها التمويل ومصالح اللوبيات، لا يمكن لأي مرشّح من خارج هذه الدائرة أن يصل إلى التصفيات النهائية.

رالف نادر واحد من هؤلاء المرشحين المنبوذين من قبل النظام الأميركي. لم تسعفه كل إنجازاته ونضالاته لمصلحة المستهلكين منذ ستينيات القرن الماضي في تخطي العوائق وإكمال السباق والمنافسة. نادر المتحدّر من أصول لبنانية ترشح 4 مرات لرئاسة الولايات المتحدة؛ مرتين في العامين 1996 و2000 عن حزب الخضر، ومرتين في العامين 2004 و2008 كمرشح مستقل، لكن إذا فهمنا طبيعة المصفاة السياسية الأميركية التي تحرس النظام، لا يعود مستغرباً إقصاؤه.

شنّ نادر حملات سياسية على ما أسماه “ديكتاتورية الحزبين”. قال إنها تضعف الديموقراطية الأميركية. انتقد الأوضاع الاقتصادية والصحية التي يعيشها غالبية الشعب الأميركي. وصف المرشحين الديموقراطيين والجمهوريين بأنهم وكلاء يسعون في حالة فوزهم إلى تقاسم المصالح التجارية. هاجم بشدة السياسة الخارجية للولايات المتحدة، ورأى أنها سياسة إمبريالية تعمل بمنطق الشركة، إذ يتم منح الشركات امتيازات على حساب المجتمع المدني، بما يتناقض مع حقوق الإنسان.

اتخذ قراره بالترشح في المرة الأولى عندما اعتبر أن التغيير يبدأ من صناديق الاقتراع. لم يكن الرجل مجرد حالة عابرة لا حول لها. كان السبب وراء خسارة المرشح الديموقراطي آل غور في انتخابات العام 2000 لمنصب الرئاسة. في ولاية فلوريدا الحاسمة، حصد نحو 2.9 مليون صوت كان من المفترض أن تذهب إلى آل غور. خسر الأخير الولاية في مواجهة بوش الابن بفارق 537 صوتاً وخسر معها أصوات المجمع الانتخابي.

خمّنوا الآن من قد يكون أكثر المنزعجين من رالف نادر؟ إنهم ورثة هنري فورد نفسه، صاحب قصة النجاح في عالم السيارات، والذي توفي قبل أن يبدأ نادر نشاطه السياسي.

يعود الفضل لنادر في إلزام شركات السيارات باعتماد حزام الأمان. لم يكن إنقاذ أرواح الآلاف كل عام يسيراً إلا بعد أن شنّ حملته تلك. حتى ذلك الوقت، كان جل اهتمام القائمين على هذه الصناعة منصباً على السرعة والإثارة وتحقيق أرقام المبيعات بعيداً من السلامة.

إحصائيّات ضحايا حوادث السيّارات في أميركا كانت تشير عام 1964 إلى أرقام مرتفعة جدّا، أكثر من 47 ألف قتيل وأربعة ملايين جريح. من هذا المنطلق، لم يكن من المستغرب أن تحاربه تلك الشركات بقدر ما حاربها.

خلال مسيرته في الدفاع عن حقوق المستهلكين، شنّ حملات قاسية على الشركات التي تسيطر على الحياة الاقتصادية، وأنشأ مؤسّسة “محامين من أجل العدالة الاجتماعيّة” في بداياته.

يقول إن ترشحه للانتخابات الرئاسية كشف التلاعب بالشعب الأميركيّ وكيفيّة السيطرة عليه بواسطة التخيير بين أهون الشرّين.

وحول الانتخابات السابقة، يلخّص جوابه مجمل العملية الديموقراطية الأميركية، إذ يقول “إنّها عمليّة شاذّة، حيث يعتلي الذين يملكون الثروات الطائلة، ولكنّ عديمو الكفاءة، خشبة المسرح.. إنّهم يحوّلوننا إلى مُشاهدين، وتتحوّل الانتخابات إلى تسلية نتنازل فيها عن حقّنا في المحاسبة”.