13يناير.. ذكرى أليمة لا تُنسى ..“تقرير“..!

169

أبين اليوم – تقارير

تحل على اليمنيين ذكرى المجزرة الدامية التي شهدتها مدينة عدن في الثالث عشر من يناير عام 1986م، والتي حصدت أرواح الكثير من اليمنيين من أبناء المحافظات الجنوبية.

أبناء الجنوب اكتووا بنار تلك الجريمة البشعة، على خلفية مواجهات حزبية، في ذلك الوقت، بين أجنحة الحزب الحاكم بعدن (الحزب الاشتراكي اليمني) في إطار الصراع على السلطة والنفوذ، والتي استمرت شهراً كاملاً.

مدينة عدن شهدت حرب شوارع وصراعاً مسلحاً وتصفيات بالهوية، بعد أن تم تصفية قيادات كثيرة من الحزب، وتم إستهداف قيادات كبيرة كان لها دور بارز في ترسيخ النظام وعلى رأسها عبدالفتاح اسماعيل الذي لا زالت ظروف مصيره ومن أقدم على تصفيته غامضة، فمنهم من يتهم علي سالم البيض؛ ومنهم من يرجح أنه خرج حياً من صالة الاجتماعات التي شهدت المجزرة واختفت أخباره بعدها.

محللون سياسيون يرون أن أحداث يناير كان لها بعدٌ قبليٌ في ثوب ماركسي، بعد أن اتخذ الصراع أبعاداً قبلية ومناطقية بحتة، بالنظر إلى الإنتماء القبلي والمناطقي للمجموعتين المتصارعتين، فأنصار علي ناصر محمد كلهم من أبين وشبوة، وشخصيات من مناطق أخرى، أما خصوم الرئيس علي ناصر، والمتمحورون حول علي عنتر، نائب الرئيس، فمعظمهم ينتمون إلى محافظة لحج.

كتاب ومحللون اعتبروا أن المسار العام للاهتمامات بفكر الحزب انزلق إلى حلقات ضيقة، اتسمت بالنفاق والتزلف والحديث عن القيادة التاريخية والقائد الملهم، واقتضت استحضار الطائفية والمناطقية والقبلية بهدف التجييش العشوائي، وترجيح الكفة من قبل كل طرف على حساب المبادئ والقيم التي وضعها الحزب لتسيير شؤونه وضبط سلوكيات أعضائه.

المحللون أشاروا إلى أن هذا التحول الخطير أجج رغبات الثأر والانتقام من الآخر المخالف، وإن في نطاق الحزب نفسه، وعندما غدت هذه الأفكار ممنهجة تعاظمت الرغبات المشبوهة، لتستهدف الواقع وتجعل رفاق الدرب يوجهون فوهات البنادق إلى صدور بعضهم البعض.

الرئيس الأسبق علي ناصر محمد روى للصحافيين عن أحداث يناير بالقول إنه اتجه من منزله، الذي يقع على تلة لا تبعد سوى عشرات الأمتار من مبنى اللجنة المركزية، قبيل الساعة العاشرة من يوم الثالث عشر من يناير، حيث كان ذاهباً إلى الاجتماع بصحبة ابنه جمال وحرسه الخاص، الذي كان يرافقه في الأيام العادية.

الرئيس ناصر يضيف: ”عندما اقتربت سيارتي من مدخل مبنى اللجنة المركزية وترجلت منها انطلقت صيحات من عدد من المرافقين والحرس، الذين كانوا يتجمعون على المدخل، تطالبني بالرجوع وتحذرني من أنهم يريدون قتلي.

وما كادت هذه الصيحات تصل مسامعي حتى انهمرت زخات كثيفة من رصاص الرشاشات باتجاهي، فقتل ابني جمال على الفور وكان يقف بجانبي”.

ناصر يشير إلى مقتل بعض أفراد حراسته وسقوط رصاص وقذائف من كل حدب وصوب، وتصاعد أصوات الرصاص والانفجارات داخل مبنى اللجنة المركزية بدون أن يعرف ماذا كان يجري في الداخل.

بلغ عدد الضحايا من أفراد الشعب الأبرياء ومن الطرفين المتصارعين ما يزيد على 16 ألف قتيل، بالإضافة إلى عدد كبير من الجرحى والمعتقلين، الذين تمت تصفية غالبيتهم جسدياً بعد التعذيب، وقتلوا سراً في السجون بدون محاكمة، فيما تم تشريد ما يزيد على 54 ألف مواطن خلال المعارك..

وتمت عملية القتل للمعتقلين في السجون على أساس الهوية الشخصية التي يحملها المواطن، والتي تثبت انتماءه القبلي والعشائري للمعسكر المعارض أو إلى الفئة الأخرى المخاصمة.

وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه) وجهت في الرابع من فبراير 1980 مذكرة مؤلفة من ثلاث صفحات من جهة ما إلى أخرى داخل وكالة الاستخبارات المركزية تحت عنوان “جذور المعارضة للرئيس عبد الفتاح إسماعيل”.

وتم تكريس السطور العشرة الأولى للموضوع الوارد في العنوان، فيما خصص كاتب المذكرات ما تبقى لسرد تاريخي مختصر لأحداث 12 سنة سابقة.

السطور الأولى من المذكرة جاء فيها أن الحكومة الماركسية في جنوب اليمن، رغم عدم شعبيتها في الداخل، الا أنها قد أحكمت قبضتها على الأوضاع في ذلك البلد، عن طريق أجهزة أمنية فعالة وقاسية لحفظ النظام الداخلي في البلاد.

المذكرة أشارت إلى أن غالبية العناصر المعارضة للنظام القائم، إما أنها قد فرت إلى المنفى، وإما أعدمت أو سجنت، ومع ذلك طبقًا للمذكرة يوجد قنوات اتصال بين عناصر في الدائرة الداخلية للنظام ورفاقهم المنفيين إلى الشمال ومصر والسعودية، وغيرها.

في تقرير آخر تتحدث الإستخبارات المركزية عن عهد الرئيس علي ناصر محمد وما تخلله من صراعات كانت مقدمة للمذبحة الكبرى عام 1986، وجاء في الوثيقة أن الحسني (علي ناصر محمد) دخل في صراع مع منافسيه، تمثل في نقلهم إلى مواقع قد تبدو كبيرة..

لكنها في الحقيقة عديمة المعنى. فمثلاً نقل علي عنتر من موقعه كوزير للدفاع ليصبح وزيراً للحكم المحلي، وبعد ذلك عينه نائباً له، وهو منصب سياسي هام. وأعطت المناصب الرسمية الرفيعة الفرصة لعنتر للقاء الوفود الأجنبية وترؤس بعض اللقاءات الهامة على مستوى الدولة، عندما يكون الحسني غائباً، لكن من دون إعطائه صوتاً في قرارات مجلس الوزراء.

التقرير اشار إلى أن علي ناصر محمد قام بنقل المسؤولين الأقل خطورة والمتعاطفين مع المسؤولين المنقولين، ووضعهم مكان قيادتهم السابقة ليخفف من ردود الفعل الغاضبة. فعلى سبيل المثال، قام الحسني بتعيين علي سالم البيض، أحد الداعمين غير الأكفاء لعنتر، وزيراً للحكم المحلي خلفاً لعنتر.

وكان من المكن لتصرف كهذا أن يتسبب في مشكلات، فبعد إزاحة عنتر من موقعه، قام الحسني (علي ناصر محمد ) بتعيين صالح مصلح قاسم وزيراً للدفاع، ليتحد بعدها عنتر وقاسم في مواجهة الحسني.

التقرير اورد أن موسكو غير راغبة في الوقوع في فخ الصراعات السياسية اليمنية، ويعتقد محللو «سي آي إيه» أن موسكو لا تريد أن تخاطر بوضعها في البلاد بالانحياز لفصيل معين.

أول تقرير عن 13 يناير كتبه غراهام فولر نائب رئيس مجلس الاستخبارات الوطنية وكان موجهًا إلى مدير الوكالة ونائب مدير الوكالة، وجاء تحت عنوان: «محاولة انقلاب مؤيدة للسوفيات في جنوب اليمن».

تفاصيل التقرير أشارت إلى أن مجموعة من كبار مناصري الاتحاد السوفياتي في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية استولوا مع أنصارهم على السلطة، وأقر التقرير بأن المعلومات شحيحة عن طبيعة ما جرى، ولكن ترجح الوكالة أن الانقلاب يقوده عبد الفتاح إسماعيل، وهو من أكثر المتحمسين اليساريين للاتحاد السوفياتي، وأنه تم عزله من السلطة عام 1977، ونفيه إلى الاتحاد السوفياتي قبل خمس سنوات.

وهنا المعلومة غير دقيقة في التقرير؛ إذ إن السنة التي نفي فيها عبد الفتاح إسماعيل إلى موسكو هي 1980، وليس 1977.

التقرير الأميركي ربط بين عودة عبد الفتاح إسماعيل من موسكو قبل الانقلاب بفترة وجيزة ثم حدوث الانقلاب ليبرهن أن موسكو تقف وراء الانقلاب، وأن منفذيه يعملون لصالحها، في حين اتضح لاحقاً أن ما حدث لم يكن انقلاباً وإنما مجزرة حقيقية استهدفت أربعة من كبار قادة الحزب والدولة، وهم علي عنتر، وعبد الفتاح إسماعيل، وعلي سالم البيض، وعلي شايع هادي.

وكالة عدن الإخبارية