لماذا يحتاج لبنان رئيسًا وِفقَ الصّيغة “اللحّوديّة” للخُروج من مُعظم أزَماته؟ ولماذا قد يُغيّر التّوافق السعودي- الإيراني مُعظم المُعادلات اللبنانيّة البالية.. وكيف.. “تقرير“..!
أبين اليوم – تقارير
يعيش لبنان، والوسط السّياسي فيه على وَجهِ الخُصوص، حالةً من الصّدمة، والضّياع بسبب فشل دورة الانعِقاد الـ 12 للبرلمان اللبناني في انتخابِ رئيسٍ جديدٍ للبِلاد، ممّا يعني أن “الفراغ الرئاسي” سيستمر وربّما لشُهورٍ قادمةٍ إن لم يكن أكثر.
الشّيء الجديد الذي يُميّز الدّورة الأخيرة عن الدّورات التي سبقتها كشف المُعسكرين المُتصارعين عن هُويّة مُرشّحيهما رسميًّا، بعد انسِحاب المُرشّح ميشال معوض، الذي كان مُجرّد “بالون اختبار” أوّلي للمُعسكر المسيحي بقِيادة حزب القوّات برئاسة سمير جعجع وحُلفائه.
انضِمام السيّد جبران باسيل المُفاجئ إلى مُعسكر القوّات كان “مُقامرةً” خلطت كُلّ الأوراق، وخاصّةً في مُعسكر المُقاومة من حيث سحب الورقة المسيحيّة الأكبر المُتمثّلة في التيّار الوطني الحُر الذي أسّسه الرئيس السّابق ميشال عون من هذا المُعسكر، وحصره في الثّنائي الشّيعي أيّ “حزب الله” وحركة “أمل”، إلى جانب بعض النوّاب المُستقلّين، من المُسلمين والمسيحيين المعروفين بمواقفهم للمشروع الأمريكي الإسرائيلي في المِنطقة.
المُعسكر المسيحي بقِيادة جعجع وعُضويّة التيّار الوطني بزعامة باسيل ودعم السيّد وليد جنبلاط رشّح السيّد جهاد أزعور الخبير الاقتصادي والوزير السّابق للرّئاسة اللبنانيّة، بينما طرح محور المُقاومة السيّد سليمان فرنجية رسميًّا كمُمثّل لهُ في حلبة السّباق الرّئاسي، ولم يتم الانتقال إلى الدّور الثاني لانعِدام تَوفّر النّصاب، أيّ تَوفّر أغلبيّة الثّلثين، ولم يتم أيضًا تحديد موعد جديد لانعِقاد الجلسة القادمة لمجلس النوّاب، ممّا يعني أن الأزمة قد تطول، لأن “التّوافق” حول مُرشّحٍ ثالث ما زال بعيدًا جدًّا بسبب تمسّك كُل طرف في المُعسكرين بمُرشّحه، وتراجع فُرص نجاح التدخّلات الخارجيّة، العربيّة والغربيّة في حسم هذا الصّراع حتّى كتابة هذه السّطور.
لبنان يحتاج إلى رئيسٍ يكون مِثل “خيال المآته” لا نُفوذ له، ولا دور، رئيس مِثل شاهد الزّور يُبقي الوضع المأساوي على حاله، ولا يحظى بدَعمٍ كاملٍ من مُعظم القِوى المحليّة ويقود البِلاد بالتّالي إلى برّ الأمان، وعلينا أن لا ننسى أن جميع الأزمات الحاليّة ابتداءً من انهِيار اللّيرة، أو انعِدام الوقود والكهرباء والخدمات العامّة الأساسيّة وتفاقُم الدّين العام، هذه الأزمات لم تحدث في ظِلّ فراغٍ رئاسيّ، أو بسببه، وإنّما في وجود رؤساء في قصر بعبدا، جاءوا ثمرة ما يُسمّى بـ”توافقٍ” سياسيٍّ بين القِوى المُتصارعة، وآخِرهم الرئيس ميشيل عون وقبله ميشيل سليمان.
لنَكُن صُرحاء، ولنبتعد عن اللّف والدّوران والعِبارات الإنشائيّة، والتّحليلات ذات الطّابع “الفذلكي” ونقول إنّ لبنان لم ينعم بالأمن والاستقرار السّياسي والاقتصادي إلّا في عهد الرئيس الوطني الأسبق إميل لحود الذي انحاز للمُقاومة وهُويّة لبنان العربيّة المُستقلّة، وحظي بتأييدِ مُعظم ألوان الطّيف السّياسي في لبنان.
رِهانُ البعض في لبنان على أمريكا وفرنسا والوقوف في خندق مُؤامراتهما المُعادية لمحور المُقاومة، وتِكرار اسطوانة هذا الثّنائي المشروخة في نزع سِلاح المُقاومة كشَرطٍ لتعافي لبنان ورفع الحِصار التّجويعيّ عنه، هو الذي أدّى إلى وصول لبنان إلى هذا الوضعِ المُؤسِف.
محور المُقاومة في وضعٍ أقوى حاليًّا، سياسيًّا وعسكريًّا، ولم يعد منبوذًا عربيًّا بعد الاتّفاق السعودي الإيراني، وتراجع النّفوذ الأمريكي في المِنطقة والعالم لمصلحةِ نظامٍ مُتعدّد الأقطاب بزعامةِ روسيا والصين وعلى المُعسكر الآخَر أن يُراجع حِساباته.
الصّيغة “اللحوديّة” نجحت في حِماية لبنان وجنّبته السّقوط في جميع هذه الأزمات، لأنّها اعترفت بوطنيّة المُقاومة، وإنجازاتها المُشرّفة في تحرير الأراضي اللبنانيّة المُحتلّة إسرائيليًّا، وتشكيل قُوّة ردع صلبة تحمي لبنان من تِكرار الاعتِداءات الإسرائيليّة، وبسبب هذه القُوّة لم تجرؤ دولة الاحتِلال على التوغّل سنتيمترًا واحِدًا في الأراضي اللبنانيّة مُنذ انتِصار تمّوز (يوليو) عام 2006 الذي سيحتفل محور المُقاومة بذِكراه السّنويّة بعد ثلاثة أسابيع، ولهذا لا بُدّ من العودة إليها وتكريسها كحجر التّوافق الأساسي والوحيد، ففي زمن هذه الصّيغة كانت اللّيرة أكثر قُوّةً، والخدمات العامّة أفضل، والنفط يتدفّق، والدّين العام أقلّ كثيرًا، والبلد في حالِ انسجامٍ مع مُحيطه العربيّ، واستضافَ أحد أنجح القمم العربيّة.
لبنان لا يحتاج رئيسًا يطعن المُقاومة في الظّهر فِعلًا، ويقوده إلى حربٍ أهليّةٍ دمويّةٍ، وإنّما يحتاج إلى رئيسٍ يُحقّق التّوافق، لا أن يأتي نتيجةً له فقط، ولا يتلقّى التّعليمات من واشنطن وباريس، و أيّ دولة عربيّة تسير في فلكهما، وإنّما من الشّعب اللبناني المسحوق المُجَوّع والمُكبّل بدُيون الفسَاد، وإلا فإنّ البديل مُرعبًا بكُلّ المقاييس.
المصدر: “رأي اليوم”