ما هو المبلغ الذي دفعته السعودية لمنع قيام الوحدة اليمنية..“تقرير“..!

1٬465

أبين اليوم – تقارير

تقرير/ قيس الوازعي:

كان الخامس والعشرون من مايو 1981م هو التوقيت الأنسب لدعوة الدول العربية على شاطئ الخليج للاجتماع، وكانت أبوظبي هي المدينة الأجدر باحتضان لقاء القادة، للوقوف على آخر مستجدات الحرب العراقية الإيرانية، التي بدأت كفَّتُها تميل لصالح إيران، مهدِّدة أمن ووجود الدول الست الداعمة لصدام حسين، وفي مقدِّمتها المملكة العربية السعودية..

التي أدركت أنها هي المستهدفة إيرانياً، بسبب تواجد الأماكن المقدسة على أراضيها، وبسبب علاقاتها الوثيقة مع أمريكا والدول الغربية، فكانت أول من حرَّض صدام حسين للإنقلاب على الرئيس أحمد حسن البكر، الذي رفض فكرة الحرب ضد إيران..!

تمَّت إزاحة الرئيس البَكر بإجباره على الإستقالة من جميع مناصبه في 16 يوليو عام 1979 ، ولأسباب صحية طبعاً. حدث ذلك في اجتماع عقد في منزل خير الله طلفاح، تمهيداً للحرب..!

كانت مخاوف القادة الخليجيين مُحِقَّة من إحتمال إستعادة القوات الإيرانية زمام المبادرة والتحكُّم بمصير الحرب مع العراق..!

فقد إستعادت القوات الإيرانية في عام 1982م معظم أراضيها من يد القوات العراقية، التي بدأت بالحرب في 22 سبتمبر من عام 1980م، فاتحة جبهة طويلة على حدود إقليم خوزستان الإيراني، واستولت على مدينة خرمشهر، ووصلت إلى عمق 180 كيلومتراً، داخل الأراضي الإيرانية، دون أن تلقى مقاومة حقيقية في البداية..!

في نهاية اجتماع أبوظبي وافق القادة الخليجيون على مقترَح الشيخ زايد بن سلطان ـ رئيس دولة الإمارات ـ بإنشاء كيان مؤسسي، يُؤطِّر علاقات التعاون بين دولهم ويوحِّد مواقفها، ليس فقط تجاه الخطر القادم من إيران، بل وإتجاه ابتزازات صدام حسين المتزايدة، وحتى تجاه بعضهم البعض، فكان أن أعلنوا اتفاقهم التاريخي على إنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية، على أن يكون مقر أمانته العامة في الرياض..!

كان الشيخ زايد بن سلطان عروبياً، ملتزماً بقضايا الأمة العربية الكبرى، وكان يرى في جامعة الدول العربية (بيت العرب الأول)، على الرغم مما أحدثته اتفاقية (كامب ديفد في 17 سبتمبر عام 1978م)، بين مصر وإسرائيل، من تصدُّعات في الصف العربي، ما أدى إلى نقل مقر الجامعة العربية من القاهرة إلى تونس العاصمة.

مع ذلك فقد جاءت موافقة الشيخ زايد على قيام مجلس تعاون، يضم دول الخليج العربية السِّت تلبية لمتطلبات الأمن الخليجي الراهن، ولكن دون أن يكون المجلس بديلاً للجامعة العربية ولا منتقِصاً من دروها..!

في نفس الوقت لم يتجاهل الشيخ زايد شكاوى وتململات الدول الخليجية الصغرى، وبالذات سلطنة عمان ودولة الكويت، من أساليب الاستعلاء والاستبداد والهيمنة التي تمارسها المملكة العربية السعودية ضد الدول الخليجية، بما فيها دولة الإمارات نفسها، حتى أن السعودية لم تفوِّت مناسبة إلَّا واستغلَّتها لصالحها في ابتزازهم ومصادرة مواقفهم وقراراتهم الوطنية المستقلة..!

كان أمير دولة الكويت حينها الشيخ جابر الأحمد الصباح قد زار دولة الإمارات في 16 مايو 1976م وبحث مع الشيخ زايد فكرة وضع حدٍ لعبث السعودية من خلال إيجاد إطار مؤسسي مُلزم، يضع حدوداً واضحة لعلاقة السعودية بجيرانها.

وفي قمة للجامعة العربية في الأردن في نوفمبر من عام 1980م كرر أمير دولة الكويت اقتراحه بإنشاء مجلس ما، لكن ذلك الطلب لم يتحقق إلا بإنشاء مجلس التعاون الخليجي في عام 1981م.

ظلت الكويت تشعر بالمرارة من سلوك السعودية المتسلط، حتى بعد قيام مجلس التعاون الخليجي، لذلك اقترحت، في القمة الخليجية السابعة عشرة في الدوحة عام 1996م، إنشاء مجلس شعبي استشاري لدول مجلس التعاون الخليجي، يتكوَّن من ثلاثين عضواً، بمعدَّل خمسة أشخاص لكل دولة.

وهو ما يعني وجود الرغبة والطموح لإحداث التكافؤ والتساوي، منعاً لهيمنة السعودية.

وفي تضجُّر آخر من أنانية السعودية وتعاليها، الذي لم ولن يتوقف، على بقية الدول الخليجية انسحبت دولة الإمارات من قمَّة الرياض المنعقدة في 7 يونيو 2009، احتجاجاً على اختيار الرياض مقرَّاً للبنك المركزي الخليجي، بينما لم تحضر سلطنة عمان منذ البداية، لمناقشة موضوع الوحدة النقدية لدول الخليج العربية..!

وفي كلمته الافتتاحية لقمة مجلس التعاون المنعقدة في 21 ديسمبر 2011م في الرياض، عبَّر الملك عبدالله، بصراحة، عن مكنون السياسة السعودية تجاه دول الخليج، حيث دعا إلى إعلان قيام الوحدة الخليجية، بدلاً عن التعاون القائم، من أجل ـ كما قال ـ مواجهة الأخطار في المنطقة أي “ثورات الربيع العربي” والتهديدات الإيرانية.

وهنا نلاحظ كيف أن السعودية لاتتردد عن استغلال أي ظرف متاح لتمرير مقاصدها، ولاتبالي..!

الوحدة، إذن، هي الهدف وهي الغاية، التي ظلَّت السعودية تحوم حولها، منذ زمن، وتعمل من أجل تحقيقها، بوسائل شتى، ولكن وفق رؤيتها هي، لا غير..!

والحقيقة هي أن فكرة إنشاء مجلس تعاون، على هذه الشاكلة، هي فكرة سعودية، بالأصل..
سبق لها أن لمَّحَت إليها في مناسبات خليجية عِدَّة، لكن الدول الخليجية الخمس ظلَّت متوجِّسة ولم تبدِ حماساً للفكرة، وقد علمت، جميعها، بمطامع السعودية بالأرض والثروة، خلال الإشكالات الحدودية المتكررة..!

السعودية تجيد فن استعمال سياسة العصا والجزرة، وتعرف متى تمارس الضغوط والإغراءات والإحراجات مع الآخرين، حتى تجبرهم على تقديم ما يمكن تقديمه من تنازلات. لكنها ترفض التنازل عن شبر واحد من الأرض إلا بمقابل أثمن وأغلى..!

ولأجل التسريع في إنشاء المجلس فقد أوعز خادم الحرمين الشريفين “بالإنابة” الأمير فهد بن عبدالعزيز “ولي العهد والقائد الفعلي للسياسة السعودية” للشيخ زايد بأن يدعو الدول الخليجية للاجتماع في أبو ظبي وتبنِّي طرح فكرة إنشاء مجلس تعاوني، كونه رجلاً موثوقاً لدى الجميع ومشهوداً له بالعقلانية والحكمة، وكون الوقت بات مناسباً لتوحيد الصف الخليجي من أجل التَّصدِّي للمخاطر والأطماع المتزايدة..!

أمَّا السعودية فهي، وإن أخفت مآربها وراء الصمت، إلَّا أنها تعرف كيف تجعل الأمر يؤول لصالحها، وتعرف متى ستحقق مآربها، وتعرف، أيضاً، (من أين تؤكل الكتف)، كما يقال!؟

تم الإعلان عن قيام مجلس التعاون وتمًّ تحديد منطلقاته وأهدافه وتكويناته. وجاء تعريفه على النحو الآتي: “منظَّمة إقليمية؛ سياسية، اقتصادية، عسكريّة وأمنية عربية، مكوَّنة من ستِّ دول عربية تطلُّ على الخليج العربي، وتشكِّل أغلب مساحة شبه الجزيرة العربية وهي: المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتَّحدة ودولة الكويت ودولة قطر ودولة البحرين”.

وتحدَّدت أهداف المجلس في: “تحقيق وتنسيق التَّكامل والترابط بين الدِّول الأعضاء؛ في جميع الميادين وصولاً إلى الوحدة”.

المُتأمِّل في النَّصَّين السابقين سيجد بصمات السعودية حاضرة، بقوة، وسيلاحظ لهجتها طاغية ومآربها غير خافية..!

فلأجل تفرُّد المملكة بالزعامة، من دون أية دولة عربية أخرى تنافسها، ومن أجل احتواء الدول الخمس تحت جناحيها، لوحدها، جاءت عبارة “تُطلُّ على الخليج العربي”..!

هذا الشَّرط، لوحده، حال دون قبول دول عربية أخرى إلى عضوية المجلس، وفي مقدّمتها اليمن، على الرغم من موقعها المجاور وقوتها البشرية العاملة وثرواتها الطبيعية الواعدة، ورغم المطالبات المتكررة، لأنها لا تطل على مياه الخليج.. هكذا بدا الأمر للرؤية السطحية الأولية..!

وأمَّا العراق، وهو المطل على مياه الخليج، فقد أمكن استبعاد انضمامه، تماماً، بعد أن زُجَّ به في عدة حروب دمَّرت اقتصاده وأهدرت سيادته، وأرهقت كيانه ومزَّقت واحدية مجتمعه، حتى بات اليوم أبعد ما يكون عن عروبته..!

وحتى عندما قُبِلت عضوية اليمن والعراق، على مضض من السعودية وممن والاها، فقد حُصرت هذه العضوية في لجان المجلس؛ الرياضية والصحية والثقافية فقط..!

وكأن الهدف من هذه المشاركات الثانوية، القليلة هو المماطلة والمراوغة، بل والرَّفض المُبطَّن للنظامين الجمهوريين في اليمن والعراق..!

المملكة العربية السعودية لا تخفي عِداءها للأنظمة الجمهورية، مهما كانت مسالمة مهادنة.. ولنا في مواقف المملكة من الثورات اليمنية عبرة..!

وفي قمة تشاورية خليجية عُقدت في السعودية تأكد للجميع حقيقة الرَّفض والتعالي على الأنظمة الجمهورية عندما وافق المجلس، بسهولة، على طلب إنضمام الأردن لعضويته، بل ذهب المجلس في إيماءاته إلى أبعد من ذلك، إذ دعا المملكة المغربية، على ساحل الأطلسي، للانصمام إلى التكتل الخليجي، الذي يكاد يعلن، صراحة، رفضه لانضمام جمهوريتي اليمن والعراق المجاورتين، ولأسباب لا يفهما كثير من المتابعين..!

ربما كان هذا الشرط المُعيق هو المتسبب في استحداث تجمعات أو تكتُّلات عربية جديدة، لاحقاً، فلم تزد الصف العربي إلا تصدُّعاً، ثم آلت، في نهاية أمرها، إلى فشل ذريع “مجلس التعاون العربي في المشرق والإتحاد المغاربي في الشمال الإفريقي..!

لنعد إلى وثائق تأسيس مجلس التعاون الخليجي وسنلاحظ كيف أن السعودية ضمَّنت النَّصَّين المذكورين آنفاً نقاطاً ليس لها مايبررها، الَّلهمَّ إلَّا لإظهار عظمتها وحقَّها في الهيمنة على الدول الخليجية الأخرى، مثل عبارة: “تُشكِّل أغلب مساحة شبه الجزيرة العربية”..!

وعند قراءة أهداف المجلس، فحسب القارئ أن يتوقف عند الجملة الأخيرة (وصولاً إلى الوحدة)، ليعرف الغاية القصوى، التي تسعى إليها المملكة، منذ زمن بعيد..!

وليس أمام الباحث إلًّا أن يتساءل: كيف يمكن الوصول بالمجلس إلى تحقيق الوحدة بين دول مَلَكيَّة أُسريّة: اثنتان منها نظامهما ملكي مطلق أو غير دستوري، هما السعودية والبحرين، وكلاهما تعتمد نظاماً شمولياً قمعي.

واثنتان أخريان نظامهما ملكي دستوري، هما دولة الكويت ودولةالإمارات، إحداهما تعتمد مبدأ الديمقراطية النيابية “الكويت” والأخرى تعتمد النظام الشمولي القمعي “الإمارات”. ودولة نظامها ملكي سلطاني شمولي.. والدولة الأخيرة دولة قطر ونظامها ملكي أميري وراثي وشمولي.

فعلى أي نموذج سيتم التوافق على الإتحاد..!

ثم كيف سيكون حال وموقف السعودية لو أضيف إلى هؤلاء الدول الملكية السِّت نظامان جمهوريان “اليمن،  العراق”..!

ثم مَن مِن أصحاب الجلالة والسِّمو سيتنازل للآخر عن عرشه ومُلكه وهيلمانه في سبيل الوحدة..!

والظاهر، كما يبدو، أن لدى السعوديين  تصوُّراً ما لعمل وحدوي يمكن تحقيقه في الوقت المناسب، بحيث يجمع الكل الخليجي في دولة واحدة، وفق نظام السعودية وتحت قيادتها هي..!

لولا وجود مقاومة قوية في الداخل الخليجي، ولولا محاذير من تدخلات قوى عالمية كبرى هي صديقة للجميع..!

وهنا يجدر بنا لفت الانتباه إلى أن المملكة العربية السعودية، التي ظلَّت تأمل في أن يصل مجلس التعاون بدوله السِّت إلى الإتحاد، هي من أشد الأنظمة الخليجية، بل والعربية عداوة للوحدة بين الدول العربية، على الرغم من علمها بأن الوحدة مطلب عربي وهدف إسلامي وإنساني..!

فالسعودية هي التي وقفت في وجه الشيخ زايد بن سلطان في السبعينات للحيلولة دون ضم إمارة قطر وإمارة البحرين إلى إتحاده الإماراتي ليصبح مكوناً من تسع إمارات بدلاً عن سبع فقط..!

والسعودية هي التي ظلَّت تحول دون أيِّ تقارب إماراتي قطري، بعد ذلك. فقد ظلَّت تضغط على الإمارات بإتجاه ترسيم الحدود بينهما.

وعند ذلك ضغطت على الإمارات لمبادلتها بجزء من واحة البريمي، في أطراف الربع الخالي، مقابل أن تعطيها الإمارات مسافة 50 كم على ساحل الخليج العربي، فقط لكي تفصل السعودية بين الإمارات وقطر، منعاً لأي إتصال حدودي أو أي تقارب مستقبلي بينهما..!

وذلك ما تم، فعلاً، في نهاية المطاف، حتى أن المواطن الإماراتي أو القطري لا يمكنه زيارة الدولة الأخرى إلَّا إذا مرَّ عبر الأراضي السعودية، وذلك مبعث الإطمئنان الدائم للمملكة..!

والسعودية هي التي ظلت تتصدَّى لأي تقارب وحدوي بين شمال اليمن وجنوبه، منذ مطلع السبعينات، حتى أنها حرَّضت وموَّلت حربين شطريتين، بهدف تعميق الخصومة والقطيعة بين أبناء الوطن الواحد، منعاً لأي تقارب وحدوي..!

وفي عام 1989 م أرسلت المملكة مسؤولاً رفيعاً، وهو وزير ماليتها “محمد أبا الخيل” إلى جمهورية اليمن الديمقراطية، التي كانت في نظرها نظاماً شيوعياً يجب استئصاله، ناهيك عن مساعدته، ليعرض على قيادتها الوحدوية مساعدات مالية تصل إلى 17 مليار دولار مقابل التخلِّي عن اتفاقية الوحدة التي وقعتها للتَّوِّ مع الرئيس علي عبدالله صالح لتوحيد الشطرين..!

ومن خلال هذا يمكن استخلاص الاحتمالات أو الأسباب التي منعت الاستخبارات السعودية، هذه المرَّة، من إلحاق الرئيس علي عبدالله صالح بصاحبه “الرئيس الحمدي”، عقوبة له على مسعاه الوحدوي، قبل نزوله إلى عدن..!

وها هي ذي المملكة وبعض دول الخليج الدائرة في فلكها تعمل ،اليوم، جاهدة، وبكل أسف، على تمزيق الوحدة اليمنية، بعد ثلاثة عقود على تحقُّقها، غير عابئة بمشاعر الشعب اليمني المتمسُّك بمنجزه الوحدوي العظيم..!

الوحدة التي خاض من أجلها نضالات طويلة، قدم خلالها تضحيات جسيمة، لا يمكنه القفز عليها ولا يُجوِّز لنفسه تناسيها..!

وبعد: فإن كل إنجازات مجلس التعاون ،طيلة سنوات عمره الأربعين تقريباً، لا ترقى إلى مستوى تطلعات المواطن الخليجي..!

إلَّا إذا استثنينا منها ذلك المنجز العنصري التافه، المتمثل في تخصيص بوابات لدخول وخروج مواطني دول الخليج، دون غيرهم، في مطاراتهم وموانئهم..!

وإن أكبر دليل على هشاشة وسطحية بنيان المجلس ما حدث له في عام 2017 م من أزمة حادة مفاجئة، أحالت فكرة التعاون إلى تآمر وحصار، وإلى مكايدات ومشاحنات طفولية سخيفة، أحزنت كل عربي، وكلَّفت دوله خسائر مادية بالمليارات، بدلاً من التعاون الاقتصادي المفترض..!

كما زادت من استجلاب المزيد من القوات الأجنبية، وبالآلاف، إلى المنطقة، لحماية بعضها من تهديدات بعضها الآخر، بدلاً من التعاون العسكري المأمول، وفي غياب كامل لدور قوات درع الجزيرة..!

عموماً سننتظر مؤتمر المصالحة الخليجية القادم.. لنرى ما سيحدث..!

البوابة الإخبارية اليمنية