السعودية وبايدن.. نذر اتفاق أم اختلاف في ملف اليمن؟

220

ابين اليوم – بقلم /عباس المساوي

لا يمكن أن نصدق، بحسب التجربة، أن هناك عدالة أو أن رئيساً أميركياً سيختلف عمن سبقه أو سيخلفه، وإن كان من اختلاف، فهو في الشكليات وأسلوب التنفيذ.

إشارة واشنطن إلى أنها حريصة على أمن السعودية، متجاهلةً حقّ الآخرين بالأمن والسلام، لا يعطينا إشارة مطمئنة

أعلنت السعودية منذ أيام أن دفاعاتها الجوية تصدت لهجوم صاروخي يمني كان موجهاً إلى العاصمة الرياض، ونشرت تفاصيله وعملية الإسقاط في وسائل الإعلام المختلفة. وقابل ذلك نفي صارم بخلاف العادة من حكومة صنعاء، فسياستهم لا تقبل التثليث، فهم إما يعلنون عن العمليّات التي يقومون بها ويتبنونها وإما يسكتون، وسكوتهم هذا يؤدي مراده، ومن ثم تصل الرسالة بحدّ الموس إلى من يهمّه الأمر.

إذاً، من أطلق الصاروخ الذي حمل توقيع الثالث والعشرين من الشهر الجاري؟ ولماذا يدفعني اليقين دفعاً إلى الجزم بأن السعودية الرسمية هي التي سددت الرمية إلى صدرها الذي لم يصب بأذى، وأن الصاروخ من تدبير مخابراتها ويحمل بصمات آل الشيخ والعسيري ومحمد بن سلمان الخائبة دوماً؟ فهل يكون الحجر الذي أصاب عصفورين؟ من جهة يرفعون عقيرتهم أمام الإدارة الأميركية الجديدة بأن بلادهم ضحية للإرهاب القادم من اليمن. ومن جهة ثانية، يسكتون أو يحيّدون الأصوات الرافضة لتصنيف أنصار الله جماعة إرهابية.

وقد عبرت هذه الأصوات الإنسانية مراراً عن خشيتها من التداعيات الإنسانية السيئة أصلاً بفعل الحصار الجائر المسكوت عنه دولياً على الشعب اليمني، في حال استمرت الخارجية الأميركية الجديدة في تأكيد هذا التصنيف الذي حدده مايك بومبيو؛ وزير خارجية المخلوع ترامب.

 ستتساءلون: من أين لي بهذه الثقة؟ الجواب ببساطة شديدة، لأنها عملية مكشوفة وسخيفة ومفضوحة تشبه عملية قتل المرحوم خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول التركية، والتي لا يزال العالم يتذكرها بالسخرية والغضب في آن، فلم يكن قد مضى على تنفيذها سوى سويعات حتى علم بها العالم، وعُرف من خطط ومن نفذ، فضجَّ من في السّماوات والأرض بالضّحك، رغم فداحة الجريمة. ومبرر السّخرية هنا أسلوب التنفيذ البدائي الذي يدلّ على عقلية تفتقر إلى الذكاء والتخطيط… “يكاد المسيء أن يقول خذوني”.

 من جهة ثانية، عوّدنا الجيش اليمني على أنهم لا يتردّدون أبداً في الإعلان عن أي عملية يقومون بها في العمق السعودي رداً على ما يصفونه بجرائم الرياض، فهم يعتقدون أن ذلك مبعث فخر لهم، وهم بذلك يدافعون عن أنفسهم وعن أرضهم وديارهم. وقد نفى الحوثيون هذه التهمة جملة وتفصيلاً، وقالوا إنهم لم يهاجموا السعودية خلال الساعات الأربع وعشرين التي سبقت الحدث، كما أسلفنا من قبل.

ثالثاً، وهو أمر يدعو إلى الضحك حتى الثمالة، أعلنت السعودية أن قواتها الجوية الظافرة “دمرت الصاروخ الحوثي” قبل سقوطه بدقة متناهية، والسؤال المنطقي: لماذا عجزت كل أنظمة دفاعاتها الجوية من “الباتريوت” و”ثاد” الأميركيتين، وحديثاً القبة الحديدية المصنّعة إسرائيلياً، عن إسقاط أي منها من قبل، بينما نجحت الآن، وبهذا الامتياز؟

ومن المفارقة أن التصدي للصاروخ وإسقاطه حظي بتصوير عالي التقنية، وهو ما لم يجرؤ الإعلام السعودي على فعله طيلة الفترة التي تعرضت فيها القواعد العسكرية السعودية والمطارات والمنشآت النفطية الحساسة لقصف باليستي متواصل لعشرات المرات، وكل ما نشر سابقاً في هذا المجال كان عبارة عن صور أو مقاطع فيديو التقطها أصحابها بهواتفهم، ثم بثّوها عبر صفحاتهم في وسائل التواصل الاجتماعي وتداولوها في ما بينهم. هذا التوثيق لا يدعونا إلى الريبة فقط، بل إلى حسم الظن قطعاً: “يداك أوكتا وفوك نفخ”.

ولأجل إكمال “الفهلوة” المفضوحة، عمدت السعودية إلى تحريك دبلوماسيتها لاستجداء الإدانة الدولية لما قالت إنه “قصف حوثي يطال المدنيين”، وهو ما نجحت به بالفعل، فقد تدفّقت الإدانات من كل فجّ عميق على غير العادة لإدانة اليمن الذي يدافع عن نفسه في وجه آلة الحرب السعودية المدعومة عالمياً، ما يدلّ على أنّ الأمر كان شديد التدبير في وقت حسّاس انتقلت فيه السلطة في واشنطن من الجمهوريين المؤيدين للسعودية مقابل المال إلى الديمقراطيين الذي عبّروا عن تحفّظهم على هذا الدعم “الترامبي” اللامحدود للرياض، على حساب القيم الإنسانية التي لا تبارح المسامع ليلاً نهاراً.

لكنّ التنديد الأميركي السريع والتلويح بالحساب والعقاب لمن نفّذ القصف، وإشارة واشنطن إلى أنها حريصة على أمن السعودية، متجاهلةً حقّ الآخرين بالأمن والسلام، لا يعطينا إشارة مطمئنة إلى أن هذه الإدارة ستختلف عن إدارة ترامب التي وفرت الدعم للحرب على حساب الإنسانية المصلوبة على خشبة المصالح وصليب لوبيات النفوذ والتخطيط والضغط في واشنطن.

لا يمكن أن نصدق، بحسب التجربة، أن هناك عدالة أو أن رئيساً أميركياً سيختلف عمن سبقه أو سيخلفه، وإن كان من اختلاف، فهو في الشكليات وأسلوب التنفيذ، فأميركا هي أميركا، لا يمكن أن تتغير إلا في حالة واحدة؛ أن تكون يدك ممدودة للسلام وتقابلها أخرى أصلب وأخشن تستطيع ردّ الصاع صاعين أو ثلاثة.

نقلا عن الميادين نت