لماذا يتقلّب جمال عبد الناصر في قبره فرَحًا هذه الأيّام؟ وكيف غسلت صواريخ غزّة عارَ هزيمة حزيران؟ ولماذا يُذَكِّرنا بينيت خليفة نِتنياهو المُحتَمل “بأهل الكهف” عندما يُهدِّد بشنّ حربٍ على غزّة وجنوب لبنان..! 

332

بقلم/ عبد الباري عطوان

بمُناسبة ذكرى هزيمة حرب حزيران عام 1967 التي تُصادِف ذِكراها الـ 54 اليوم نتَذكّر الرئيس المِصري الراحل جمال عبد الناصر وحُلُمَهُ الأكبر في أن يملك الصّواريخ التي تَدُك مدينة تل أبيب، ولكنّه ماتَ للأسف دُونَ أن يتحقّق هذا الحُلُم في زمانه، ولا بُدَّ أنّه يتقلّب في قبره سعادةً وفرحًا الآن وهو يرى صواريخ فصائل المُقاومة في قِطاع غزّة تُحَقِّق له هذه الأُمنية ولا تَقصِف تل ابيب فقط، وإنّما مُعظم المُدُن الفِلسطينيّة المُحتلّة وتُرسِل ستّة ملايين مُستوطن إسرائيلي إلى الملاجئ لأكثر من 11 يومًا، وربّما لأشهر لو لم تَستَجدِ الحُكومة الإسرائيليّة الرئيس الأمريكي جو بايدن للاتّصال بالقِيادة المِصريّة طلبًا للتّوسّط لوَقفٍ فوريّ لإطلاق الصّواريخ.

أسرار هذه الحرب بدأت تتكشّف بصُورةٍ أسرع ممّا كُنّا نتوقّع، فها هو بيني غانتس، وزير الحرب الإسرائيلي، يطير إلى واشنطن طلبًا لتعويض القُدرات الصاروخيّة للقبب الحديديّة التي نفَذت، وها هو السيّد يحيى السنوار رئيس حركة “حماس” في قِطاع غزّة يُؤكِّد في لقاءٍ جديد مع الصّحافيين أنّ المُقاومة لم تَستخدِم إلا أقل من 50 بالمِئة من قُدراتها في حرب الأيّام الـ11، وتخلّصت فيها من آلاف الصّواريخ القديمة التي كانت في حَوزَتِها فقط.

لسنا من الذين يُحَبِّذون نُزول الكاميرات التلفزيونيّة إلى أنفاق المُقاومة في قِطاع غزّة، وإظهار “سِريّة” الاستِعدادات العسكريّة، وغُرف العمليّات التي تُدار فيها المعارك تحت الأرض، حتى لو كانت هذه العمليّة محسوبةً بعنايةٍ، وتأتي في إطار الحرب النفسيّة، ولكنّنا رُغم هذا التحفّظ شعرنا بحالةٍ من الفخر والاعتِزاز من خلال اطّلاعنا على هذه الاستِعدادات وما تَكشِفه من عقليّاتٍ هندسيّةٍ عسكريّةٍ مُتقدّمةٍ ومُبدعةٍ جدًّا، رُغمَ الحِصار الإسرائيليّ العربيّ الخانِق على القِطاع وفصائل المُقاومة بالتّالي.

قواعد الاشتِباك تغيّرت، والعالم كلّه تغيّر أيضًا، والخوف من المُقاومة وصواريخها وصلابة قِياداتها، وعدم تردّدها لحظةً في أن تكون البادئة بالهُجوم، وإطلاق الصّاروخ الأوّل، فها هي الولايات المتحدة تتحدّث عن الفِلسطينيين كـ”بشر”، وتُؤكِّد لأوّل مرّة على لِسان وزير خارجيّتها أنطونيو بلينكن أنّها تَحرِص على كرامتهم وأرواحهم، وها هي “البلدوزارات” المِصريّة تَصِل إلى قِطاع غزّة ليس لهدم الأنفاق، وبناء الحواجز على الحُدود، وإنّما للبدء فورًا، ودُون أي تلكّؤ، في عمليّة إعادة الإعمار، في مُؤشِّرٍ على حُدوث انقلابٍ في الموقف المِصري الرّسمي، واستِعادة مِصر لدورها القياديّ في المِنطقة، بعد سنواتٍ من الغِياب، واحتِضان القضيّة الفِلسطينيّة مُجَدَّدًا.

الإسرائيليّون يُدركون جيّدًا وبعد أنْ عاشوا أيامًا مُرعبةً لم يُواجِهوا مِثلها مُنذ 70 عامًا، أنّهم خَسِروا أهم بُوليصَتيّ تأمين في حوزتهم، الأُولى التّفوّق العسكري، والثّانية الأمن والاستِقرار، وانتهى بالتّالي زمن الغُرور والغطرسة، وباتَ الرّحيل هربًا هو الخِيار الذي تُفَكِّر فيه الغالبيّة منهم هذه الأيّام.

نفتالي بينيت، المُرشَّح الأبرز لخِلافة نِتنياهو في تشكيل الحُكومة الجديدة، إذا سارت الأُمور دُونَ عراقيل، يُذَكِّرنا بأهل الكهف، عندما يُطلِق تصريحات يُؤكِّد فيها أنّ حُكومته لن تُجَمِّد الاستيطان، ولن تتردّد في شنّ حربٍ على غزّة أو لبنان، فليتَفضّل ويُجَرِّب، والميدان جاهز، ولعلّها ستكون الحرب الأخيرة والحاسمة.

حرب غزّة الأخيرة غسلت الكثير من أدران هزيمة حزيران (يونيو)، وثأرت لأرواح آلاف الشّهداء، وردّت الاعتِبار والثّقة للعقل العربيّ، وأجبرت الإسرائيليين وداعميهم الأمريكان والأوروبيين وحُلفائهم المُطَبِّعين العرب إلى مُراجعة حساباتهم، والتّخلّي عن كُلّ السّياسات التي دفعتهم للخُروج عن السّرب والرّهان على أعداء لا يستطيعون حِماية أنفسهم.

 

المصدر:العالم