عطوان: ثلاث حُروب تندلع حاليًّا في المِنطقة ومُرشّحة للتّصاعد.. هل يكون لبنان المُفجّر للرّابعة وقريبًا بعد “تَآكُل” اتّفاق ترسيم الحُدود؟ وهل سيُقدِم “حزب الله” على ضربةٍ استباقيّةٍ مُفاجئةٍ..!

4٬687

أبين اليوم – مقالات وتحليلات

بقلم/ عبد الباري عطوان

مرّت الذّكرى التّاسعة والسّبعين لعيد الاستِقلال اللّبناني دُونَ أيّ احتِفالاتٍ رسميّةٍ أو شعبيّةٍ، فالبلد يعيش فراغًا رئاسيًّا قد يطول، واحتقانًا سياسيًّا ينتظر عُود ثِقاب التّفجير، وانهيارًا اقتصاديًّا وصفه البنك الدولي بأنّه الأكثر حِدّةً في العالم، وصنّفه بأنّه ضِمن أصعب ثلاث أزَماتٍ في التّاريخ.

حالة الصّمت التي يعيشها لبنان حاليًّا قد تكون مُؤقّتة، ومُضلّلة، فالنّار تحت الرّماد، واتّفاق ترسيم الحُدود مع دولة الاحتِلال الإسرائيلي الذي رعَته الولايات المتحدة، ومبعوثها عاموس هوكشتاين لم تَعُد على اللّبنانيين الذين عوّلوا عليها كثيرًا بأيّ فوائد، ولن تُلَبِّ الحدّ الأدنى من التوقّعات بالرّخاء، وكانت “إسرائيل” هي المُستَفيد الأكبر لأنّ الاتّفاق “شرّع” سَرِقَتها للغاز اللبناني، وضخّه من حقل “كاريش” وتصديره إلى العالم بأسْرِه دُونَ قُيود، أو تهديدات، بينما ما زال حقل قانا اللبنانيّ على حاله دُونَ أيّ تنقيب، أو حتّى عمليّات مسْح لمعرفة حجم مخزونه من احتِياطات الغاز، مع الأخْذ في الاعتبار أن حقل الغاز الحُدودي هو حقلٌ واحد مُشتَرك وقد ينفذ مخزونه قبل أن يبدأ لبنان استِغلال حُقوله المُفتَرضة.

لبنان مُحاصرٌ الآن بثلاثِ حُروب، قد تصل إليه ألسنة لهيبها، وأسرع ممّا يتوقّعه الكثيرون:

الأولى: حربٌ تركيّة على الشّمال السّوري وشِمال العِراق تستهدف مواقع “مُفترضة” لقوّات الحِماية الكُرديّة وحزب العمّال الكردستاني انتقامًا لتفجير شارع الاستِقلال المُتفرّع من ميدان “تقسيم” وسط إسطنبول.

الثانية: حربٌ داخليّة تُهَدّد وحدة إيران الترابيّة تستهدف إسقاط النّظام بدَعمٍ أمريكيّ إسرائيليّ من خلال تفجير الوضع الداخليّ بتأجيجِ الاحتِجاجات، وتوظيف آلةٍ إعلاميّةٍ تحريضيّةٍ جبّارة تتّخذ من عواصم أوروبيّة وأمريكيّة وعربيّة قاعدةً لها، وتطوّرت هذه الحرب بشنّ غاراتٍ إيرانيّةٍ على مواقع لدعم المُتآمرين وتسليحهم في كردستان العِراق.

الثالثة: حربٌ إسرائيليّة تتمثّل في غاراتٍ جويّة إسرائيليّة على ريف دِمشق، ومطارات وأهداف عسكريّة في ريف حمص على مرمى حجر من الحُدود اللبنانيّة تحت ذريعة تدمير مخازن وشُحنات أسلحة إيرانيّة في طريقها إلى “حزب الله” في لبنان.

المُقاومة اللبنانيّة الإسلاميّة التي يتزعّمها “حزب الله” تُراقب الموقف عن كثب، وباتت قِيادتها تَشعُر أن لبنان وقع في مِصيَدةٍ أمريكيّةٍ إسرائيليّةٍ تمثّلت في اتّفاقِ ترسيم الحُدود مثلما كشف لنا مصدرٌ لبنانيٌّ مُقرَبٌ منها، فالضّمانات الأمريكيّة كانت وهميّةً، وبهدف التّخدير، ونزْع فتيل المُواجهة في مِياه البحر المتوسّط، وأكّد لنا هذا المصدر، الذي لا نشك في مِصداقيّته، أن الأسابيع القليلة القادمة قد تشهد إحياءً للجبهة الجنوبيّة اللبنانيّة بطَريقةٍ أو بأُخرى.

وما يُعَزّز هذا الطّرح أن المُقاومة اللبنانيّة تملك حاليًّا قُوّةً هُجوميّةً ضخمةً للغاية تتمثّل في مِئات الآلاف من الصّواريخ الدّقيقة والمُسيّرات المُتطوّرة التي أبلَت بلاءً حسنًا وغيّرت قواعد الاشتِباك في الحرب الأوكرانيّة، وأكثر من مِئة ألف مُقاتل طالَ انتِظارهم في الفراغ والابتِعاد عن جبهات القِتال، وتقول مُعظم النظريّات العسكريّة بضرورة إشغالهم وبسُرعةٍ في الجبَهات، سواءً في سوريا أو العِراق، أو الجليل الفِلسطيني المُحتل حتّى لا يترهّلوا وتنخفض درجة استِعدادهم.

البرلمان اللبناني عقد ستّ جلسات فشل فيها جميعًا في انتخابِ رئيسٍ للبِلاد خلفًا للعماد ميشال عون، ولا نعتقد أنه سينجح لو عقد عشرة أو عشرين اجتماعًا آخَر في ظلّ حالة الانقِسام الحاليّة والتدخّلات الخارجيّة، اللهمّ إلّا إذا حصلت مُعجزة، ونحنُ لسنا في زَمَنِ المُعجزات على أيّ حال.

السيّد حسن نصر الله أمين عام “حزب الله” حدّد بدقّةٍ في خِطابه الأخير بمُناسبة يوم الشّهيد مُواصفات وشُروط الرئيس اللبناني الذي تتطلّع إليه المُقاومة، أبرزها أن لا يكون عميلًا يُباع ويُشترى، وأن لا يطعن المُقاومة في ظهرها، والمُرشّحون للرّئاسة المطروحة أسماءهم لا تتمثّل فيهم هذه الشّروط باستِثناء اثنين حتّى الآن، الأوّل لا يحظى بدَعمِ التكتّل الآخَر المُعادي للمُقاومة، علاوةً على مُعارضةٍ قويّةٍ في الجانب المسيحي، والثّاني مُدرَجٌ اسمه على قائمة العُقوبات الأمريكيّة، ولا يُوجد حتّى الآن “الحِصان الأسود” الذي يُمكن أن يُمثّل الحلّ الوسط، ويحظى بالتّوافق بشقّيه الدّاخلي والخارجي.

ثمانون في المئة من اللّبنانيين تحت خطّ الجُوع، والبِلاد بلا ماءٍ ولا كهرباء، واللّيرة اللبنانيّة في تَدهورٍ مُستَمرٍّ، والوعود كثيرة، ولكنّها فارغة من أيّ مضمون، وهذا الوضع مُرشّحٌ للتّفاقم مع استِمرار الحِصار على لبنان وتشديده.

المطلوب أمريكيًّا وإسرائيليًّا في الماضي الحاضِر والمُستقبل، هو رأس المُقاومة وقِيادتها وسِلاحها، وفي ظِلّ الحرب الأمريكيّة الإسرائيليّة الحاليّة على إيران، الدّاعم الأكبر والوحيد للمُقاومة، وعودة بنيامين نِتنياهو إلى الحُكم، باتَ هذا “الرّأس” مطلوبًا أكثر من أيّ وقتٍ مضى، ولهذا لا نستبعد إقدام المُقاومة على حربٍ استباقيّةٍ تحرق مُعظم، إن لم يكن كُل أوراق المُؤامرة، والمُتآمرين، داخِل لبنان وخارجه.. واللُه أعلم.

 

المصدر: رأي اليوم