عطوان: كيف أحرج السيّد الحوثي المتحدّث باسم السّلطات المِصريّة بعرضه إرسال “الخُبراء” إلى معبر رفح لإدخال المُساعدات الإنسانيّة بالقُوّة؟ وماذا يعني التّهديد المُفاجئ بتوسيع دائرة المُواجهة وإنزال “غوّاصات” إلى الميدان في البحرين العربي والأحمر؟ وهل بدأت مرحلة “تأديب” أمريكا وبريطانيا..!

5٬963

أبين اليوم – مقالات وتحليلات 

تحليل/ عبدالباري عطوان:

في الوقتِ الذي تقف فيه العديد من الحُكومات العربيّة التي تتربّع على عُروش دول عربيّة كُبرى تملك المِئات من الطّائرات الحربيّة، وآلاف الدبّابات والمُسيّرات موقف المُتفرّج على حرب الإبادة التي يتعرّض لها أهلنا في قطاع غزة، تتصدّر الحُكومة اليمنيّة في صنعاء الخارجة من حربٍ مُهلكة استمرّت ثماني سنوات، وتُواجه حِصارًا خانقًا، المشهد وتضع ثُقلها في حربٍ لا تستهدف السّفن التجاريّة الإسرائيليّة أو تلك تنقل بضائع إلى دولة الاحتلال فقط، وإنّما أيضًا البوارج البحريّة للدّول الدّاعمة والمُتواطئة والحامية لها مِثل الولايات المتحدة وبريطانيا.

القوّات البحريّة اليمنيّة تردّ على التّصعيد الإجرامي الإسرائيلي في قطاع غزة، بتَصعيدٍ مُوازٍ يستهدف التّجارة البحريّة الإسرائيليّة، والسّفن البحريّة الحربيّة والمدنيّة الأمريكيّة، ولم تنفع كُلّ التّهديدات والغارات في العُمُق اليمني، وعلى العاصمة صنعاء في إرهاب القيادة أو الشعب اليمني بل أعطت نتائج عكسيّةً تمامًا، من حيثُ تكثيف الهجمات على السّفن التي لا تلتزم بالتّعليمات في البحرين العربي والأحمر، وتوسيع دائرتها إلى اليابسة بقصفِ ميناء أم الرشراش (إيلات) بصواريخٍ باليستيّةٍ دقيقةٍ أصابت أهدافها يوم الخميس.

السيّد عبد الملك الحوثي الزّعيم الروحي لحركة “أنصار الله” اليمنيّة ألقى خِطابًا ناريًّا في المُظاهرات المِليونيّة التي تنطلق كُلّ يوم جمعة تضامنًا مع الشّعب الفِلسطيني وحركات مُقاومته في قطاع غزة والضفّة الغربيّة أكّد فيه أن القوّات البحريّة والبريّة اليمنيّة ستُصعّد عمليّاتها في الأيّام والأسابيع القادمة في البحر الأحمر ومياهٍ أخرى، وأنها أدخلت سِلاح الغوّاصات تضامنًا ودعمًا للشّعب الفِلسطيني، مُلمّحًا إلى وجود خطط لملاحمٍ ومُفاجآتٍ قادمة لم يكشف عن مضمونها، باعتِبارها من الأسرار العسكريّة.

العميد يحيى سريع النّاطق العسكري بإسم القوّات اليمنيّة كشف يوم أمس الأوّل عن تنفيذ ثلاث عمليّات من بينها قصف سفينة أيلاندر البريطانيّة في خليج عدن بعدّة صواريخ بحريّة أدّت إلى إشعالِ نيرانٍ ضخمةٍ فيها، أمّا العمليّة الثّانية فاستهدفت قصف فرقاطة عسكريّة أمريكيّة، وجاءت الثالثة بقصفِ ميناء إيلات بعدّة صواريخ باليستيّة حوّلته إلى مدينة أشباح حيث انطلقت صافرات الإنذار طُول اليوم، ولجأ مِئات الآلاف من المُستوطنين إلى الملاجئ.

سيُسجّل التّاريخ بأحرفٍ من ذهب هذه الشّجاعة اليمنيّة في زمن الصّمت والتّواطؤ العربيين، مثلما سيُسجّل أيضًا أن الشّعب اليمني وقوّاته المُسلّحة، اجتاز كُلّ الخُطوط الحمراء، بل شديدة الاحمِرار، وهاجم السّفن لأعظم امبراطوريّتين في التّاريخ الحديث، الأولى (بريطانيا) التي أفُلَ نجمها ولكنّها ما زالت تملك بعض أسباب القُوّة، والثّانية الولايات المتّحدة القُوّة الأعظم التي تملك أكثر من 6000 رأسٍ نوويّ.

المَهمّة القادمة للقوّات المسلّحة اليمنيّة ستتمثّل في “تأديب” القِوى الغربيّة العُظمى، بعد “تأديبهم” لقِوى إقليميّة، ونقل المعركة من البحرين العربي والأحمر إلى المياه الإقليميّة الفلسطينيّة المحتلّة، واليمنيّون مُغرمون بكلمة “تأديب” وتعود إليهم حُقوق النّشر لإحياء هذا التّوصيف.

نستند في هذا التوقّع إلى “الرّد اللّاحم” الذي صدر عن السيّد علي الحوثي القيادي في حركة “أنصار الله” اليمنيّة تعقيبًا على تصريحٍ أدلى به السيّد ضياء رشوان رئيس الهيئة المِصريّة العامّة للاستِعلامات التي حاول فيه “تبرير” حُكومته لعدم فتح معبر رفح بكُلّ الوسائل لإدخال أكثر من ألفيّ شاحنة مُحمّلة بالمُساعدات الإنسانيّة إلى أطفال القطاع الذين بدأوا يستشهدون جُوعًا، بالقول: “إن دُخول هذه المُساعدات دون مُوافقةٍ مُسبقة من دولة الإحتلال سيُؤدّي إلى قصفها”.

السيّد الحوثي قال بالحرف الواحد: “نحنُ حاضرون لإرسال من يقود الشّاحنات والنّاقلات المُحمّلة بالمُساعدات الغذائيّة والإنسانيّة والطبيّة إلى قطاع غزة، ونملك خبرةً كبيرةً ومُجرّبةً في هذا المِضمار، اكتسبناها من حربِ الثّماني سنوات حيث أوصلت المُساعدات تحت القصف”.

لا نعتقد أن السّلطات المصريّة ستستجيب لهذا الاقتراح الذي يُشكّل إحراجًا لها، وفضحًا لتَواطُؤها مع سياسة التّجويع الإسرائيليّة لأكثر من مِليونين من أبناء القطاع، ولكن يكفي السيّد الحوثي أنّه “علّق الجرس”، وتحدّى هذه الأعذار المِصريّة الرسميّة الواهية علانية.

الأشقّاء اليمنيّون شعبًا، وحُكومة، وقوّات مُسلّحة، لا يعرفون شيء إسمه الخوف، فإذا كانوا لا يخافون من أساطيل أمريكا القُوّة العُظمى، ويَذلّون كيان الإحتلال، ويُغلقون البحر الأحمر وباب المندب في وجه سُفنها دون أن تجرؤ على الرّد بإطلاقِ رصاصةٍ واحدة، لا نستبعد أن يُنفّذ هؤلاء الأشقّاء تهديداتهم ويُوسّعون دائرة نُصرتهم لأشقّائهم في القطاع، بإرسال سُفُنٍ مُحمّلةٍ بالمُساعدات إلى شواطئ القطاع بحرًا، وربّما شاحنات برًّا إلى معبر رفح ووضع السّلطات المِصريّة أمام تَحَدٍّ غير مسبوق، فأبو يمن بات “ملك” المُفاجآت المُشرّفة، يقول ويفعل، ويُهدّد ويُنفّذ، ونجزم بأنّه سيبزّ الأفغان والفيتناميين في تلقينه أمريكا درسًا في الهزيمة لن ينسوه أبدًا، وقد يكون بداية النّهاية لوجودهم في المِنطقة.. والأيّام بيننا.

 

المصدر: رأي اليوم