عطوان: لماذا نعتبر انسِحاب الجيش الإسرائيلي من “خان يونس” اعترافًا رسميًّا بالهزيمة.. وبدء العد التنازليّ لنهاية الحرب في غزة؟ ولماذا “نُنَبِّه” مُفاوضي حماس من مخاطر جولة المُفاوضات الجديدة في القاهرة..!

5٬484

أبين اليوم – مقالات وتحليلات 

تحليل/ عبدالباري عطوان:

إعلان قيادة الجيش الإسرائيلي اليوم سحب الفرقة 98 بألويَتها الثلاثة من مدينة خان يونس، وبعد أربعة أشهر من القتال المُتواصل في المدينة اعترافٌ صريحٌ وميدانيٌّ بالهزيمة، وأي تفسيرات أُخرى مِثل تعزيز الجبهة الشماليّة مع لبنان تَوقُّعًا لتوسيع الحرب، أو الاستِعداد لاجتِياح مدينة رفح تظل مُعظمها مقصودة من قِبَل المُتحدّثين الإسرائيليين وإعلامهم للتّغطية على هذه الهزيمة ومُحاولة إنكارها.

الخبرُ اليقين عند كتائب عز الدين القسّام، الجناح العسكريّ لحركة “حماس”، التي أعلنت عن مقتلِ 14 جُنديًّا إسرائيليًّا يوم أمس السبت في مُواجهاتٍ من المسافةِ صِفر مع الجيش الإسرائيلي وقوّاته في المدينة، حيث نجحت في نَصبِ الفِخاخ لقوّاته، وتصفية الجُنود بين قتيلٍ وجريح، وتدمير أعداد كبيرة من الدبّابات وحامَلات الجُنود المُدرّعة، وعزّزت الكتائب بيانها بفيديوهات بالصّوت والصّورة أعدّها إعلامها العسكريّ المُتطوّر جدًّا.

إنّه ليس انسحابًا، وإنّما هُروبًا من ميادين القِتال، تقليصًا للخسائر، ويأسًا من تحقيقِ أيّ انتصارٍ على كتائب المُقاومة التي تُقاتل دفاعًا عن أرضِها، وثأرًا لضحايا شعبها الذين استشهد أكثر من 33 ألفًا، وأُصيب ما يَقرُب من المئة ألف منهم في حرب الإبادة التي يشنّها الجيش الإسرائيلي اعتِقادًا مِنه أنّ هذه الإبادة يُمكن أنْ تدفع المُقاومة وحاضِنتها الشعبيّة المُلتهبة فِداءً ووطنيّة إلى رفعِ رايات الاستِسلام.

بنيامين نتنياهو ما زال يُواصل “هوايته” في الكذب والتّضليل، بقوله إنّه سيُواصل الحرب حتّى تحقيق جميع أهدافها في القضاء على حركة “حماس” وفصائل المُقاومة الأُخرى، واستِعادة “الرّهائن” وأكّد أنه نجح في اغتِيال مُعظم، أو كُل، أعضاء القيادتين السياسيّة والعسكريّة للحركة، ولا بُدّ أنّ رُموز هذه القيادة الأبرز مِثل المُجاهِدِين يحيى السنوار، ومحمد الضيف، ومروان عيسى، يضحكون سُخريةً في نفقهم القيادي تحت أحد المُستوطنات الإسرائيليّة، عند استِماعهم لمِثل هذه التّصريحات المكررة، ولا نستبعد أن يُرسل المُجاهد السنوار فردة حذائه الأخرى إلى نتنياهو كهديّة عبر أحد أعضاء وفد الحركة المُفاوض في القاهرة لإيصالها إليه عبر الوُسطاء العرب في القاهرة أو الدوحة.

دولة الاحتِلال التي استدعت 360 ألف جُنديّ احتياط للانضِمام إلى جيشها الرسميّ الذي لا يقلّ تِعداده عن 250 ألفًا، علاوةً على عشَرات الآلاف من كوادر الأجهزة الأمنيّة لتحقيقِ نصرٍ سريع في بداية الاجتِياح للقطاع لم يبقَ لديها فيه إلّا لواء واحد (نحال) لقطع الطّريق بين شِمال مدينة غزة وجنوبها، ولا نعتقد أنّ بقاء هذا اللّواء سيطول، وسيهرب قادته وجُنوده مثلما هرب نظراؤهم في خان يونس في الأيّام أو الأسابيع المُقبلة على الأكثر.

دُخول القطاع بالدبّابات والمُدرّعات عمليّة سهلة جدًّا، جرّبها إرييل شارون قبل نتنياهو وغالانت، وكانت الهزيمة مُؤكّدة، لأنّ القطاع لم يدخله غازٍ على مَرّ عُصور التّاريخ إلّا وخرج منه مهزومًا، مذلولًا، مُثْخَنا بالجِراح، وحواري قطاع غزة وأزقّتها الضيّقة تشهد على ذلك، وهذا ما يُفَسِّر إقدام نتنياهو وجيشه على نَسفِها في جميع الاقتِحامات للقطاع في مُحاولةٍ يائسةٍ لنسفِ هذا الإرثِ العظيم.

المُقاومة الفِلسطينيّة في قطاع غزة لم تُدِر الحرب الميدانيّة ضدّ الاحتلال بكفاءةٍ عالية، ودهاءٍ ليس له مثيل لدى مُعظم الجُيوش العربيّة المُتكرّشة فقط، وإنّما كانت إدارتها للمُفاوضات لا تقلّ حنكةً ودهاء أيضًا، ودليلنا أنها تمسّكت بشُروطها كاملة بالانسِحاب، ووقفٍ كامِلٍ للحرب، وإعادة الإعمار، طَوال الأشهر الستّة الماضية، ولهذا لا يحتاجون إلى نصائح أحد، ولكن ربّما يُفيد التّذكير، وليس النّصح، بأنّ جولة المُفاوضات التي يجري إحياؤها في القاهرة اليوم، بحُضور قادة مُخابرات أمريكا، ومِصر، ودولة الاحتِلال، وإمارة قطر، بهدف الوصول إلى اتّفاقٍ سريع قبل عيد الفطر المُبارك، تهدف إلى إلقاءِ طوق النّجاة، ليس لنتنياهو فقط، وإنّما لدولة الاحتِلال، استِباقًا للرّد الإيرانيّ على جريمة قصف القنصليّة الإيرانيّة في دِمشق، وتصاعُد احتِمالات دُخول “حزب الله” وصواريخه الدّقيقة، وكتائب الرّضوان إلى أرضِ المعركة، واقتِحام الجليل في توازٍ مع الرّد الإيراني المُباشِر المُحتَمل، ومُشاركة أذرع المُقاومة الأُخرى، ولهذا نأمَل أنْ يتنبّه المُفاوض الحمساوي إلى هذه المسألة، وإنْ كُنّا نُؤمِنُ بالمقولة الدّارجة “لا توصّي حريص”.

بعد إكمال “حرب النّصر” والكرامة في غزة شهرها السّادس بالتّمامِ والكمال، ودُخولها السّابع، يتسارع انهِيار الكيان الإسرائيلي على كُلّ الأصعدة باعترافِ صُحفه ومُفكّريه وخُبرائه وجِنرالاته، ويقترب أجَلُ نتنياهو السياسي وحُكومته، ولا نتردّد في تهنئة شعبنا، وأمّتنا، والأشقّاء الشُّرفاء في العالم بالنّصر العظيم الذي تنبّأنا به مُنذ اليوم الأوّل لاقتِحام الجيش الإسرائيلي ودبّاباته للقطاع الصّامد ومُقاومته الجبّارة.. والأيّام بيننا.

 

 

المصدر: رأي اليوم