عطوان: كيف نرد على الذين يقولون إنّ الهُجوم الإيراني بالصّواريخ والمُسيّرات في عُمُق الكيان المُحتل كان “مسرحيّةً” ويَضُرُّ بالصّمود الفِلسطيني في قطاع غزة..!

6٬773

أبين اليوم – مقالات وتحليلات 

تحليل/ عبدالباري عطوان:

الذين رفضوا، وما زالوا يرفضون الاعتِراف بالمُعجزات التي حقّقتها المقاومة الفلسطينية في إطار عملية “طوفان الأقصى” المستمرة منذ سبعة شهور، وتحقق انتصاراً والانتقال الى آخر في المواجهات الشرسة ضد الاجتياح الإسرائيلي للقطاع، هم أنفسهم الذين يشككون بالانتصار الجديد الذي حققه الهجوم الإيراني التاريخي ليلة السبت الماضي من خلال إطلاق 3600 صاروخ ومسيرّة على قاعدتين جويتين في منطقة النقب الفلسطينية المحتلة.

نشرح أكثر بالقول إن هؤلاء مثلما قالوا ان إسرائيل دولة إقليمية عظمى ستسحق حركات المقاومة وتستولي على القطاع في أسبوعين على الأكثر، كرروا بكثافة وأكثر من مرة، على وسائل التواصل الاجتماعي، شكوكهم في تنفيذ الرد الإيراني ثأرا للعدوان الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق، وأدى الى استشهاد سبعة جنرالات على رأسهم الشهيد اللواء محمد رضا زاهدي قائد فيلق القدس في سورية ولبنان وفلسطين.

القيادة الإيرانية وعلى لسان المرشد الأعلى السيد علي خامئني أعلنت ان ايران سترد، والإسرائيليون سيندمون، وبدلاً من الاعتراف بخطأ رهاناتهم استمروا في المكابرة، وقالوا ان الرد هذا “مسرحية” وانعكاس لاتفاق سري امريكي إيراني مسبق، بدليل انه لم يؤد الى مقتل اسرائيلي واحد، بينما ذهب البعض الآخر الى القول انه مؤامرة للتعتيم على المجازر الإسرائيلية في قطاع غزة، وإعادة تحشيد الرأي العام العالمي خلف دولة الاحتلال مجدداً.

بداية نعود الى تصريحات المسؤولين الإيرانيين التي قالوا فيها ان هذا الهجوم هو رد انتقامي على قصف القنصلية في دمشق، وليس لتحرير فلسطين، او شن حرب مفتوحة النهايات مع العدو الإسرائيلي، وانجز هذا الهجوم مهمته، ولن يتكرر، الا إذا بادرت إسرائيل بأي رد عدواني.

ابلاغ ايران الولايات المتحدة بموعد الهجوم حتى لو تم لا يعني، وحسب الخبراء العسكريين في الغرب، انه دليل تواطؤ، بل ربما يكون دليل ثقة في النفس، وانعدام الخوف من دولة الاحتلال، او الولايات المتحدة حاميتها، التي تبرأت سريعاً من المشاركة في أي رد إسرائيل انتقامي من ايران، لأنها لا تريد السقوط في المصيدة الإسرائيلية والانجرار الى حرب إقليمية مضمونة الخسارة في الشرق الأوسط، في وقت تتعاظم خسارتها في حرب أوكرانيا، وتزايد احتمالات صدامها مع الصين.

عملية “طوفان الأقصى” الحمساوية انهت أسطورة الردع الإسرائيلي، مثلما أنهت الصواريخ الإيرانية التي قصفت قاعدة عين الأسد الامريكية في العراق ثأراً لاغتيال الشهيد قاسم سليماني مطلع عام 2021، قوة الردع الامريكية وأسقطت هيبتها كقوة عظمى، ومهدت لتكرار سيناريو الهروب الكبير من كابول.

تعاطف الرأي العام العالمي مع أهل قطاع غزة بسبب حرب الإبادة الإسرائيلية التي أدت الى استشهاد 34 الف من أهله معظمهم من النساء والأطفال، واصابة مئة الف آخرين وتدمير اكثر من 88 بالمئة من منازل القطاع، هذا التعاطف لن يتوقف، ويذهب الى إسرائيل مجددا، لان الهجوم الإيراني الذي استهدف قاعدتين جويتين عسكريتين إسرائيليتين في النقب لم يتمخض عن مقتل مدني او طفل إسرائيلي واحد، مما يظهر الفارق الإنساني والأخلاقي الكبير بين إسرائيل الديمقراطية الوحيدة وممثلة الغرب في المنطقة، والدولة الإيرانية واذرعها العسكرية المحاصرة أمريكيا وغربيا منذ أكثر من أربعين عاماً.

الهجوم الثأري الإيراني يعزز المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، ويوجه ضربة قوية لدولة الاحتلال المعتدية، ويؤكد عمليا ان غزة ليست وحدها، وان واحدة من أكبر القوى الإسلامية تقف في خندقها، وتملك الجرأة للرد على دولة الاحتلال وردعها وتأديبها، ولا ننسى في هذه العجالة تذكير البعض بأن جميع الصواريخ والأسلحة التي تستخدمها المقاومة الفلسطينية في القطاع جاءت من ايران، ولم ترسل جميع الدول العربية، باستثناء سورية، أي رصاصة لدعم هذه المقاومة.

ان هذا الصمود الفلسطيني، والمقاومة الشجاعة في قطاع غزة، والهجوم الإيراني الأخير، كلها تعكس تحول استراتيجي جذري في ملف الصراع العربي الإسرائيلي، وبما يغير كل معادلات القوة لمصلحة محور المقاومة لأول مرة منذ 75 عاما من الاحتلال والهوان العربي والإسلامي.

أي رد إسرائيلي عسكري على الهجوم الإيراني الأخير الذي انطلق من الأراضي الإيرانية قد يكون بداية النهاية لدولة الاحتلال، لان مفاجآت كبيرة جرى اعدادها على نار هادئة ستكون في انتظار نتنياهو ومستوطنيه، وسيكون الرد أقوى بإضعاف من الرد الثأري الأخير لشهداء القنصلية في دمشق، فإسرائيل وجيشها ومخابراتها التي فشلت في هزيمة فصيل اسمه “حماس” واشقائه في الفصائل الأخرى مثل “الجهاد الإسلامي” و”كتائب المجاهدين” في حرب وضعت كل ثقلها فيها على مدى ستة أشهر وبدعم امريكي مباشر، هل تستطيع هزيمة دولة إقليمية عظمى مثل ايران؟

الإجابة على هذا السؤال مكتوبة على حائط جبهات القتال في غزة، وقريبا في رفح التي يتهرب نتنياهو من خوض معركتها خوفا ورعبا.. والأيام بيننا.

 

المصدر: رأي اليوم