“عرب جورنال“| الردع البحري اليمني.. إغلاق ميناء إيلات يرسم ملامح توازن إقليمي جديد..!

6٬898

أبين اليوم – تقارير 

تقرير/ عبدالرزاق علي:

تعيش إسرائيل واحدة من أكثر لحظات الضعف الإستراتيجي في تاريخها البحري، مع إعلان توقف نشاط ميناء إيلات بشكل شبه كامل، بفعل الحصار الذي تفرضه القوات المسلحة اليمنية في البحر الأحمر، في تطور وُصف بأنه “نصر نوعي” لصنعاء، وهزيمة غير مسبوقة للاحتلال الإسرائيلي في جبهته الجنوبية.

البحر الأحمر.. ساحة نزال مفتوحة:

منذ تصاعد الهجمات اليمنية في نوفمبر 2023 دعمًا لغزة، أخذت ملامح الانهيار في مرفأ إيلات تتضح يومًا بعد آخر. استهدفت صنعاء سفنًا إسرائيلية وأمريكية وبريطانية بدقة متناهية، ووسّعت بنك أهدافها ليشمل مدينة إيلات المحتلة نفسها، ما جعل السفن التجارية تُعيد حساباتها، وتبدأ بالابتعاد عن المنطقة التي أصبحت، من وجهة نظر شركات النقل، “غير آمنة تمامًا”.

بالأرقام: انهيار تدريجي لنشاط الميناء:

وفق البيانات المتداولة، فإن ميناء إيلات كان يمثل ما بين 5 إلى 7% من حجم التجارة البحرية لكيان الاحتلال، إلى جانب أهميته العسكرية كقاعدة لانطلاق الزوارق الحربية نحو البحر الأحمر وخليج العقبة.

غير أن الضربات المركزة من قوات صنعاء أدت إلى انخفاض تدفق السفن بنسبة 85% بحلول ديسمبر 2023، وفي مارس من العام التالي، اضطرت إدارة الميناء إلى تسريح نصف موظفيها بسبب غياب النشاط التجاري.

مع نهاية مايو 2025، لم تصل إلى الميناء سوى ست سفن فقط، مقارنة بعشرات السفن التي كانت ترسو شهريًا في السابق. وبهذا يكون الميناء قد توقف فعليًا عن أداء دوره التجاري واللوجستي، في ضربة قاصمة للبنية التحتية البحرية للاحتلال.

ضربة استراتيجية مضاعفة:

أهمية هذا الإنجاز لا تتوقف عند كونه ضربة لاقتصاد الاحتلال، بل تتعداها إلى خلخلة المنظومة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية جنوب فلسطين المحتلة. فميناء إيلات كان يستخدم كموقع دعم وإمداد لزوارق سلاح البحرية، ومقرًا لصيانة المعدات العسكرية البحرية، إلى جانب كونه منفذًا رئيسيًا لبعض الوحدات الخاصة.

إغلاق الميناء يعني عزل هذه القوات عن الدعم البحري المباشر، وتحجيم دور إسرائيل في الرقابة البحرية على جنوب البحر الأحمر، في وقت يزداد فيه الحضور الإيراني واليمني في هذه المنطقة الحساسة.

شركات الشحن تهرب من “الخطر اليمني”:

رغم محاولات البحرية الإسرائيلية طمأنة القطاع التجاري، فإن التقارير تؤكد أن العروض الأمنية لم تقنع شركات الملاحة العالمية، التي وجدت نفسها في مواجهة واقع جديد: البحر الأحمر لم يعد آمنًا.

معظم هذه الشركات لجأت إلى تحويل مساراتها نحو رأس الرجاء الصالح، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف النقل، وزيادة المدة الزمنية للشحن، ورفع أقساط التأمين بشكل كبير.

هذا التغير أعاد ترتيب أولويات التجارة العالمية، وأعاد رسم خرائط خطوط الإمداد البحري، مع ترجيح أن تستمر هذه التحولات حتى بعد توقف الحرب على غزة.

الحصار البحري: أداة مقاومة جديدة:

يأتي ما يحدث في إيلات في إطار حصار بحري استراتيجي تمارسه صنعاء منذ بداية العدوان على غزة. وبعيدًا عن ردود الأفعال الآنية، فإن هذه العمليات تكشف عن تطور نوعي في قدرة صنعاء على التأثير خارج حدودها، باستخدام أدوات غير تقليدية، وبأقل كلفة ميدانية.

ولعل أبرز ما أظهرته هذه المواجهة أن التحالفات الجديدة في المنطقة – بما فيها التنسيق غير المباشر بين قوى المقاومة في اليمن ولبنان وغزة – أصبحت تؤتي ثمارها في الميدان والملاحة والاقتصاد، محدثةً تغييرات عميقة في ميزان الردع.

تل أبيب في موقف دفاعي:

الاحتلال، الذي لطالما قدّم نفسه قوة بحرية كبرى في شرق المتوسط والبحر الأحمر، يجد نفسه اليوم محاصرًا في أحد أهم موانئه، وغير قادر على تأمين طريق ملاحي واحد.

أما داخلياً.. فتثير هذه الهزيمة غضبًا واسعًا في الأوساط الأمنية الإسرائيلية، وسط اتهامات للفشل الاستخباراتي والتقصير في الاستعداد لسيناريو “الحرب البحرية”.

منعطف استراتيجي:

ما جرى في ميناء إيلات لا يمكن قراءته كحدث موضعي، بل هو منعطف استراتيجي يعكس تطورًا في معادلات القوة في المنطقة. فقد نجحت صنعاء، بتكتيكاتها البحرية والجوّية، في شلّ أحد مفاصل الاحتلال الحيوية دون الحاجة لمعركة مباشرة، مكرّسة بذلك معادلة جديدة: الموانئ تُغلق، والبوارج تُستهدف، إذا استمر العدوان.

ومع استمرار الفشل في تأمين خطوط الملاحة، يبقى الاحتلال الإسرائيلي أمام مأزق بحري حقيقي لن يُحل بالضربات الجوية وحدها، ما يجعل إغلاق إيلات عنوانًا لانتصار صنعاء في معركة البحر الأحمر.

 

– نقلاً عن عرب جورنال

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com