تتويج أوباما… لا بايدن: جزَع بريطاني من العهد القديم

يفصل عن طيّ صفحة دونالد ترامب نحوُ شهر تُنقل بعده مقاليد السلطة إلى جو بايدن. لكن في كواليس واشنطن، يعلم الجميع أن الملك المتوَّج ليس إلّا باراك أوباما الذي يملأ رجالاته غالبية المناصب المؤثّرة في الإدارة الجديدة. وهو ما يقلق الحكومة البريطانية التي تمرّ بأوقات حرجة في مشروعها للخروج من الاتحاد الأوروبي

923

أبين اليوم – متابعات

  تقرير سعيد محمد

لندن | عندما سُئل الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، عن رأيه في الأسماء التي يُطعّم بها الرئيس المنتخَب، جو بايدن، حكومته القادمة، قال: “أنا أرى فريقاً يتكامل، ولديّ شخصيّاً كلّ الثقة به”. لم يكن أوباما يُجامل نائبه السابق بقدر ما كان يقرّ بحقيقة الأشياء: حكومة بايدن “أوباميّة” حتّى أكثر من حكومة أوباما نفسه. وهو ما يجعل هذا الأخير ملكاً متوّجاً في واشنطن. سيكون الرئيس المقبل مضطراً، بحكم تقدّم سنّه (78 عاماً)، إلى الاستعانة بخبرة رئيسه (59 عاماً) في ملفّات كثيرة، فضلاً عن أن مجموعة رجالات أوباما كبروا، وها هم يتولّون غالبية المناصب المؤثّرة في الحكومة الجديدة. فمن المقرّر أن يتسلّم أنتوني بلينكن، نائب وزير الخارجية في عهد أوباما، منصب وزير الخارجية، فيما سيؤول لقب “المبعوث الرئاسي الخاص للمناخ” إلى جون كيري، وستصبح جانيت يلين، رئيسة “الاحتياطي الفدرالي” سابقاً، وزيرة للخزانة. وسيتولّى أليخاندرو مايوركاس، نائب وزير الأمن الداخلي في عهد أوباما، منصب وزير الأمن الداخلي، وأفريل هاينز، نائبة مدير وكالة الاستخبارات المركزية، ستصبح مديرة الاستخبارات الوطنية. ويستعيد توم فيلساك الذي خدم وزيراً للزراعة طوال ثماني سنوات في الإدارة السابقة، مكتبه مجدداً وزيراً للزراعة. وحتى الوجه الشاب الجديد، جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي المقبل (44 عاماً)، فقد عمل مديراً لتخطيط السياسات في الإدارة السابقة، ومستشاراً للأمن القومي لبايدن.

للحقيقة، لم يحظَ أوباما، طوال عهده، بفريق متكامل من الموالين، كما هي حال حكومة نائبه. ففي أيامه الأولى في البيت الأبيض، انتشر أتباع هيلاري كلينتون – التي تولّت بنفسها منصب الخارجية – في كلّ مكان، وكانت كلمتها مسموعة أحياناً قبل كلمة الرئيس، الذي أدرك شيئاً فشيئاً أصول اللعبة وشرع في زرع موالين له تدريجياً من دون إثارة حروب مع هيلاري. سيدير هؤلاء دفّة الإمبراطورية لأربع سنوات مقبلة، ما ستكون له انعكاسات كبيرة على توجّهات أميركا وسياساتها داخلياً وخارجياً.

بدايةً، يطيح تسلّم رجالات أوباما الجناح اليساري للحزب الديموقراطي، الذي نما نفوذه بشكل غير مسبوق في خلال سنوات ترامب، نتيجةً للاستقطاب الشديد في البلاد. وعلى رغم الدور المهمّ الذي أدّاه هذا الجناح في إيصال بايدن إلى البيت الأبيض، يبدو أنه سيكون مضطراً إلى ترك الساحة لمجموعة من الصقور الليبراليين ذوي التوجّهات المعولمة، الذين يؤيّدون، مثلاً، استمرار الحرب في أفغانستان، فضلاً عن مشاركة أوضح في إدارة ما آلت إليه الأوضاع في ليبيا وسوريا. وقد سُمع، باكراً، تباكٍ على الظروف الإنسانية في إثيوبيا من قِبَل بلينكن وسوليفان، ما يشير إلى تدخّل عسكري محتمل قد يكون فاتحة العهد الجديد – القديم. فـ”أميركا قد عادت إلى الطاولة”، كما نُقل عن بلينكن، ومن قبله بايدن.

لم يحظَ أوباما، طوال عهده، بفريق متكامل من الموالين، كما هي حال حكومة نائبه

يسار الحزب الديموقراطي لن يكون وحده الممتعض من “الانقلاب الملكي” هذا. ففي ظلّ الطاقم الجديد، تبدو العاصمة البريطانية الأكثر توجّساً من عودة “الأوباميّة” إلى الساحة العالمية، ولا شك في أن حكومة حزب المحافظين تندب حظّها العاثر نظراً إلى التوقيت السيّئ لتلك العودة؛ فبينما تخوض المملكة المتحدة غمار مفاوضات صعبة في اللحظة الأخيرة في شأن تفاصيل “الطلاق” مع الاتحاد الأوروبي (بريكست)، لا تميل غالبية المراقبين إلى التفاؤل بنتائجها، تبدو لندن في أمسّ الحاجة إلى دعم معنوي من قِبَل ترامب، أقلّه من خلال منح الطبقة الحاكمة فيها ضمانات بتوسيع الشراكة التجارية والاقتصادية بين البلدين، كتعويض عن التراجع الحتمي المتوقع في حجم التبادل التجاري بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي (يسهم الأخير بأكثر من 51% من مجموع التجارة البريطانية الخارجية). لن تتخلّى الولايات المتحدة – بصرف النظر عن هوية ساكن البيت الأبيض – عن حليفها البريطاني لأسباب تاريخية وعرقية وعقائدية متشابكة وغير قابلة للنقض. لكن الواقع أن الفريق الجديد يتموضع أيديولوجياً كـ”أطلسي” تقليدي يلتزم عقيدة سياسة خارجية تكون العلاقات بين واشنطن وبروكسل في صميمها. لذا، فإن أولوياته، من هذا المنظور، ستتمحور حول إعادة الدفء إلى العلاقات مع الاتحاد أولاً، وقبل كلّ شيء. ويرجّح أن تكون برلين – لا لندن – بوّابته الرئيسة إلى أوروبا. ومن المعروف أن بلينكن، الممسك بحقيبة الخارجية في حكومة بايدن، يعتقد أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أقرب إلى كارثة تامّة. ولا تنسى لندن تصويره لعلاقتها بالاتحاد الأوروبي، في مقابلة سابقة، بـ”الكلب الذي يلهث وراء سيارة، وما إن يصلها حتى تبدأ السيارة بالسير في الاتجاه المعاكس لتدوس الكلب في طريقها”.

لقد انشغل الكثير من دهاقنة المحافظين، خلال الشهرين الأخيرين، بتمنية أنفسهم بأن إدارة بايدن ستكون بالمجمل أسهل للعمل معها مقارنة بفريق ترامب. ولكن مع تتويج أوباما ملكاً، سيكون من الوهم الاعتقاد بأن رجالاته سيختلفون عنه في صياغتهم لقائمة أولويات السياسة الخارجية والاتفاقات التجارية، والتي لم يخفِ أوباما يوماً تصوّره أن بريطانيا قد تقبع في “مؤخرة طابور الانتظار لإجراء أيّ مفاوضات مستقبلية” في شأنها. لذا، سيعمّ الوجوم “10 داوننغ ستريت” يوم تنصيب بايدن في 20 كانون الثاني/ يناير المقبل، وسيجد بوريس جونسون نفسه يدير جزيرة صغيرة تقع بين فرنسا وإيرلندا لا تثير اهتمام أحد، وتحتلّ المكانة الأكثر تواضعاً في تاريخها، منذ أيام الرومان.

الأخبار اللبنانية