ماذا تُريد إدارة الرئيس بايدن من صنعاء وطهران ؟

489

بقلم / محمد محمد الساده

في ظلّ استنفاذ إدارة ترامب لكلّ وسائل الضغط، لم يعُد متاحاً لإدارة بايدن سوى تبنّي توجّهٍ مختلفٍ للتّعامل مع إيران .

اختار بايدن قائد القوات الأميركية لغزو العراق الجنرال لويد أوستن وزيراً للدفاع
اختار بايدن قائد القوات الأميركية لغزو العراق الجنرال لويد أوستن وزيراً للدفاع

الوعود الانتخابية للرئيس الأميركي جو بايدن، تجاه اليمن وإيران تدعو للتفاؤل إذا ما نظرنا إليها بسطحية، كما تدعو للتريث والتفكّر إذا ما وقفنا على طبيعة الفريق الدبلوماسي والأمني الذي اختاره بايدن لإدارته.

تشير دلالات هذا الاختيار إلى أنّ خيارات الإدارة الأميركية الجديدة ستكون مفتوحةً في التعامل مع قضايا المنطقة بالتوازي مع استخدامها لسياسة العصا والجزرة على حدٍ سواء. فالرئيس بايدن وفريقه الذي اختاره يمتلكان خبرات في مجال الحروب والنزاعات، لاسيما تلك المتعلقة باليمن وإيران وسوريا والعراق، كما أن مواقفهم السابقة من القضايا الإقليمية والدولية يغلُب عليها طابع التأييد للتدخل واستخدام القوة العسكرية.

فقد كان بايدن من المؤيدين للحروب على يوغسلافيا وتدخّل حلف الناتو عام 1999، والغزو الأميركي ضد أفغانستان عام 2001، ومن أكبر الداعمين لغزو العراق عام 2003، وصاحب فكرة تقسيمه، ولا يختلف عنه في هذا التوجّه وزير خارجيته أنتوني بلينكن الذي سبق أن عمل مساعداً لبايدن، وكان من مؤيدي التدخل العسكري الأميركي في دول مثل العراق وليبيا وسوريا.

يؤمن بلينكن بأن الدبلوماسية يجب أن تُستكمل بالردع والقوة ولا يتوانى عن إشهار تطرّفه في دعم كيان العدو الإسرائيلي، فهو يؤمن بوجوب إستمرار المساعدات العسكرية الأميركية لـ”إسرائيل” حتى وإن رفضت احترام الاتفاقيات الدولية، ولإضفاء الإنسجام على فريقه، اختار بايدن قائد القوات الأميركية لغزو العراق الجنرال لويد أوستن وزيراً للدفاع، فيما تمّ اختيار جيك سوليفان، المفاوض الرئيسي للمحادثات الأولية التي مهّدت الطريق للاتفاق النووي مع إيران، مُستشاراً  للأمن القومي، وبذلك، يبدو فريق بايدن بما يمتلكه من خبرات ومواقف سابقة بأنهُ “مِسْعَر حرب”.

طهران ومُساومات واشنطن لمحاولة تفكيك محور المقاومة

المعطيات السابقة تُرجّح بأن توجّه إدارة بايدن ستطغى عليه “سياسة الاحتواء والتطويق” بهدف تفكيك وإسقاط محور المقاومة كهدفٍ رئيسيٍّ في المنطقة، حيث ستُحاول الولايات المتحدة بمساعدةٍ وتنسيقٍ أوروبي، وبمشاركة محور التطبيع، فرض سياسة الاحتواء الحذر على إيران بعد فشل سياسة الضغوط القُصوى عليها بما فيها الإنسحاب من الاتفاق النووي المُبرم عام 2015.

ففي ظلّ استنفاذ إدارة ترامب لكلّ وسائل الضغط، لم يعُد متاحاً لإدارة بايدن سوى تبنّي توجّهٍ مختلفٍ للتّعامل مع إيران من خلال العودة للاتفاق النووي، ولكن مع توسّعه هذا الاتفاق ليشمل هواجس دول محور التطبيع كبرنامج الصواريخ البالستية وما يقولون عنه “تدخل إيران في المنطقة”، وهو الأمر الذي ترفضه إيران جملةً وتفصيلاً، وتتمسك بضرورة الالتزام بالإتفاق النووي.

 ومن المُرجّح في ظلّ تمسّك الطرفين الأميركي والإيراني بمواقفهما، بروز الحاجة لمقاربةٍ وتفاهماتٍ خارج الاتفاق النووي، وهنا، سيكون الموقف التفاوضي لطهران أكثر قوةً وإسناداً، فيما سيظهر الموقف التفاوضي الأميركي خالٍي الوفاض، وفي هذا السياق، يأتي توظيف طهران لانتهاك الولايات المتحدة للاتفاق النووي من خلال إظهار توجّهها لتخصيب اليورانيوم بلا قيود، ومطالبتها بتعويضاتٍ عن الأضرار التي لحقت بها جراء الانسحاب من الاتفاق والعقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس ترامب، وغيرها من القضايا التي تُعطي طهران مساحة للتحرك والكسب خلال عملية التعاطي مع الإدارة الأميركية الجديدة، خصوصاً في ظلّ توافق موسكو ودعمها لموقف طهران.

التجربة الأميركية لأكثر من 4 عقودٍ مع إيران، تؤكد عدم إمكانية تغيير النظام الإيراني، على غرار النظام العراقي، نظراً للكلفة العالية عسكرياً وحتميّة جرّ المنطقة برمّتها لأعلى مستويات الفوضى، بالإضافة إلى صعوبة تمرير قرار التدخل العسكري وتقبّله على مستوى الداخل الأميركي.

ومن جانبٍ أخر، فإنّ واشنطن وحلفاءها يرون أنّ العودة للاتفاق النووي يعني رفع العقوبات، وبالتالي تعزيز دور إيران في المنطقة، لذا، قد تسعى إدارة بايدن للانتقال من مجرد العودة للاتفاق النووي الذي يفرض قيوداً على إيران، إلى محاولة إحداث تغييرٍ واسعٍ في النظام الإيراني وسياسته الخارجية من خلال جرّه لصفقةٍ كُبرى من أجل تسوية جميع القضايا العالقة. وتضمّ الصفقة حلفاء واشنطن الرئيسيين في المنطقة وهم العدو الإسرائيلي والنظامان السعودي والإماراتي، وتنال فيها طهران الاعتراف بدورها في المنطقة، مقابل إعلانها للتهدئة، مع وقف دعمها لحلفائها في محور المقاومة، وهو الأمر الذي تعتقد واشنطن أنه سيمنحها مساحةً أكبر للتحرك تجاه ملفات اليمن وسوريا والعراق.

لكنّ طهران تُدرك أنّ أيّ مقايضاتٍ أميركيةٍ تستغلّ حاجاتها الاقتصادية وطموحاتها السياسية على حساب محور المقاومة، ستكون نتائجها عكسيةً عليها أولاً قبل باقي دول وأطراف محور المقاومة، لاسيما وأنّ تجربتها تؤكّد أنّه لا ضمانات بإاتزام الولايات المتحدة بأي تعهداتٍ أو اتفاقاتٍ مع إيران، وبالمحصلة ستكون الولايات المتحدة ومحور التطبيع هما المستفيدان النهائيان من الصفقة.

من ناحيةٍ أخرى، تُدرك إيران أيضاً حجم المسؤوليات المُلقاة على عاتقها كأكبر دولةٍ مستقلّةٍ في المنطقة، وأنّها تلعب دوراً محورياً ينطلق من سياسةٍ ثابتةٍ ومُعلنةٍ ترفض الهيمنة والتدخل، وتتمسك بالقضية الفلسطينة التي تقاعس عنها الأعراب، كما أنها تدعم دول وأطراف المقاومة في المنطقة، ولديها تجربةٌ ورصيدٌ كبيرٌ في دعم محور المقاومة الذي يتنامى دوره المُناهض للتدخل الأميركي في المنطقة التي تعيش حالة انكشافٍ غير مسبوقةٍ في تاريخها، لاسيما عسكرياً وأمنياً، ولذلك فإيران لن تقبل بغير شرف الصدارة لمثل هذا الدور الذي لاتستطيع أن تلعبه دولٌ إقليميةٌ كتركيا أو السعودية.

صنعاء قوةٌ صاعدة لم تكن في الحسبان

ما يحدُث من عدوانٍ وحصار على اليمن ارتُكب فيه أبشع الجرائم، وتسبّب بأسوأ كارثةٍ إنسانيةٍ، يُعدّ وصمة عارٍ على جبين المجتمع الدولي والدول الكُبرى، لاسيما تلك المشاركة في العدوان كالولايات المتحدة وبريطانيا. ورغم ذلك، فقد كان أقصى ما قدمهُ بايدن، في نشوة خوضه للانتخابات، هو وعدٌ بإنهاء الدعم للنظام السعودي في حربه على اليمن التي أيّدتها إدارة الرئيس أوباما، وعمل فيها بايدن نائباً له.

وعد بايدن لا يوقف العدوان، ولا يدعو لإحلال السلام في اليمن، ولا يخدم سوى تجميل الصورة القبيحة للولايات المتحدة المشاركة في العدوان في ظلّ تنسيقٍ مع بريطانيا لرفع مستويات دعمها العسكري للنظام السعودي. ومع ذلك، فالتوجّه لتنفيذ ذلك الوعد سيكون في حدّه الأدنى دون الإضرار بعلاقات التحالف العميقة مع النظام السعودي ومهمّته المحورية التي يقوم بها حالياً في قيادة عملية التطبيع مع العدو الإسرائيلي، ودفعه للدول العربية والإسلامية إلى التطبيع، بالإضافة لجهوده في عملية البناء لتحالفٍ تقوده “إسرائيل”، يستهدف محور المقاومة عبر سياسة الاحتواء والتطويق، ويملأ الفراغ الناجم عن التوجّه الأميركي لتقليص تواجده العسكري المباشر في المنطقة، مع ضمان استمرار مصالحه.

وبالعودة لتوليفة الفريق الذي اختاره بايدن لإدارته، من المتوقع أن يُتمّ ممارسة أقصى الضغوط وسياسة الاحتواء على صنعاء لمحاولة دفعها إلى التنازل عن المبادئ والقبول بسياسات فقه الواقع، حيث لا نستبعد أن تحمل أجندة إدارة بايدن سيناريو التقسيم لليمن بتنسيقٍ ودعمٍ أوروبي وبمشاركةٍ تنفيذيةٍ من دول محور التطبيع كأحد الحلول والشروط الرئيسية لإنهاء العدوان على اليمن، فقد كان اليمن من وجهة نظر مشاريع التقسيم للمنطقة، الحلقة الأضعف، وكان مشروع تقسيم اليمن إلى إقاليم ماضٍ على قدمٍ وساق، ولكنّ قيام ثورة 21 أيلول/سبتمبر 2014، أوقف استكمال المشروع، وهنا وجدت الولايات المتحدة ووكلاؤها في المنطقة، في قيام هذه الثورة، فرصةً سانحةً لتدمير  وتقسيم اليمن وممارسة أقصى درجات الوصاية، فكان تحالف العدوان على اليمن هو الضامن لتنفيذ تلك الطموحات غير المشروعة، ولكنّ صنعاء مرةً أخرى أفشلت تلك الطموحات وجرّعت العدوان مرارة الهزيمة.

إنّ ما يحدث في جنوب اليمن من انقسامٍ وتشظّي لا يعدو عن كونه “هزيمةً من الداخل” تبنّتها أدواتٌ ومرتزقة العدوان، ومع ذلك، فهناك صحوةٌ متنامية لدى الكثير ممن خُدعوا، وأضحوا اليوم في ركب صنعاء لتحرير كلّ شبرٍ من أرض اليمن، فمن يمتلك القضية، وأصبح يفرض معادلة الردع الإستراتيجية، ويُصنّع الصواريخ البالستية، بعون الله قادرٌ على كسر رهانات من لا يزالون يستوردون الشماغ والدشداشة، من الأعراب الذين لن ينعموا بالأمن والاستقرار إلاّ في ظل أمن اليمن واستقراره.

صنعاء التي أثبتت للعالم أنها عصيّة، و بالحقّ دولة، تؤكّد بأنّ أي تعاطٍ أميركي أوروبي يختزل الملف اليمني في إطار الملف الإيراني أو غيره بمعزل عنها، سيُصدم بالواقع الذي يُشير إلى أنّ أقصر الطرق إلى صنعاء لا يمرّ بطهران، ومع ذلك، فالتنسيق والتعاون المبكر في إطار محور المقاومة مطلوبٌ لدراسة توجّهات الإدارة الأميركية الجديدة والخيارات المتاحة للتعامل معها.

ختاماً، ستظلّ صنعاء ترفض طرح المشككين بأنّ الجامع لمحور المقاومة هو حاجات ومصالح مرحلية وجزئية لكلّ طرفٍ، في إطار سقفٍ منخفض الكلفة والمخاطر، وتؤكد موقفها الثابت الذي سبق أن عبّر عنه السيّد عبد الملك الحوثي بأنّ تحالف صنعاء في إطار محور المقاومة، هو تحالفٌ إستراتيجيٌّ لا مرحلي، وأنّ الخندق واحدٌ، كما أنّ المعركة ليست معركة صنعاء أو دمشق أو طهران، بل هي معركة الأمة، وهذا الموقف لا شك يتطابق مع مواقف دول محور المقاومة وأطرافها.