رهانات ابن سلمان في لقائه مع نتنياهو

263

بقلم / علي فواز
يسعى ابن سلمان إلى ترسيخ علاقته بـ”إسرائيل” من أجل تسويق نفسه في أوساط الدولة العميقة داخل الولايات المتحدة كطرف قادر على تغيير الدفّة ولاعب لا غنى عنه في مشاريع المنطقة
لم تكن الضربة الأخيرة التي استهدفت “أرامكو” في جدة مفاجئةً. تحذيرات واضحة سبقتها باستهداف منشآت اقتصادية وعسكرية رداً على العدوان المتمادي على اليمن. هي ليست الضربة الاستراتيجية الأولى من نوعها للقوات اليمنية في صنعاء وليست الأهم. رغم ذلك، كان أثرها مضاعفاً، نظراً إلى السياقات والظروف التي حصلت فيها.

شظايا التفجير وصلت إلى تل أبيب. تصريح عضو المكتب السياسي لحركة أنصار الله عبدالوهاب المحبشي للميادين بأنّ الصاروخ مخصّص بالأصل لإيلات وجد صداه في الأراضي المحتلة. تنبئ تسمية صاروخ “قدس-2” بمسار تصاعدي في المنظومة الصاروخية اليمنية. سبقه صاروخ “قدس-1”. وإذا قسنا على تطور فعالية الصواريخ اليمنية في السنوات السابقة، فليس بعيداً أن نشهد أجيالاً لاحقة أقرب إلى الهدف – المسمّى: القدس.

تزامنت الضربة مع وجود رئيس الحكومة الإسرائيلية في مدينة نيوم. أعطاها هذا الأمر زخماً تفجيرياً مضاعفاً لأكثر من سبب. الاجتماع الذي لم يعد سرّاً عُقد في مكان له خصوصيته. نيوم هي جسر العبور نحو التشبيك الاقتصادي الذي صُنع في تل أبيب. هنا، يتداخل الاقتصاد مع السياسة مع المشاريع التي ترسم للمنطقة. خطة “2030” التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد السعودي وتمرّ عبر وصفات صُنعت خارج المملكة، تتخفَف لزاماً من حمل الدين وتؤّسس لبنية تحتية تتّسع لـ”إسرائيل”.

ليس صدفةً أن الدول التي تشنّ عدوانها على اليمن هي نفسها الدول المندفعة إلى التطبيع. أيضاً، ليس غريباً ما كُشف ويُكشف من مشاركة إسرائيلية في هذا العدوان. الضربة من هذا المنظار هي استهداف للمشروع، وخصوصاً في ضوء ما كشفه الإعلام الإسرائيلي عن علم مسبق لدى صنعاء بانعقاد الاجتماع.

الاجتماع والضربة تزامنا أيضاً مع حدثين يتفاوتان من حيث الأهمية بالنسبة إلى السعودية. الأوَّل استضافتها قمة مجموعة العشرين، حيث الرسالة الأهم عدم إمكانية فصل الاستثمار والتنمية عن الأمن، والآخر هو استعادة قوات صنعاء معسكر “ماس” الاستراتيجيّ، لتصبح مأرب بحكم الساقطة عسكرياً.

تبدّلت كثيراً اللهجة السعودية تجاه اليمن منذ إعلانها عن “عاصفة الحزم”. لم يعد الحديث عن التزام صنعاء بـ”المرجعيات الدولية” و”المبادرة الخليجية” وعودة “الشرعية” وتسليم السلاح الثقيل والصواريخ الباليستية. يبدو أن ما يهمّ الرياض اليوم هو التوصّل إلى اتفاق مع حركة “أنصار الله” على إنشاء منطقة عازلة في الشريط الحدودي الواقع بين اليمن والسعودية.

يصعب على ابن سلمان اليوم التسليم بالمعادلات التي نشأت في اليمن. مع سقوط مأرب، تكون “عاصفة الحزم” قد دُفنت نهائياً. هو لا يستطيع الخروج من اليمن بالسهولة التي دخل فيها، وفي الوقت نفسه لا يستطيع التسليم بما انتهت إليه “العاصفة”.

يتعمّق مأزق ابن سلمان بوصول جو بايدن إلى كرسي الرئاسة في البيت الأبيض. ليس من السَّهل على نائب الرئيس الأميركي السابق أن يتراجع عن تصريحاته المتعلّقة بابن سلمان على خلفية حرب اليمن ومقتل خاشقجي. يهرب ابن سلمان إلى نتنياهو بعدما خسر رهاناته في اليمن وفي الولايات المتحدة.

لطالما اعتمدت المملكة العربية السعودية على الدبلوماسية الناعمة؛ مكانتها الإسلامية وأموالها النفطية. رغم كل ثرواتها، شكّلت الحماية الخارجية منذ نشأتها حاجة ماسة وشرطية لها. احتاج هذا النظام لحمايته إلى قوتين: قوة دولية تمثلت في الولايات المتحدة، وقوة إقليمية تضمن سلامتها.

نستطيع التّمييز هنا بين المملكة كنظام حليف لأميركا، ومشروع محمد بن سلمان الشخصي الطامح إلى الحكم. مع خروج دونالد ترامب المرجّح من الحكم، يفقد ابن سلمان مظلّته الأولى من دون أن يعني ذلك تراجعاً أميركياً عن الاهتمام بالمملكة. يخشى ابن سلمان في هذه الحالة أن تتحوّل الإدارة الجديدة إلى البحث عن بدائل داخل السعودية، أو أن تمارس بالحدّ الأدنى عمليّة ابتزاز منهكة له في ظلّ تراجع المؤشرات الاقتصاديّة.

أما بخصوص القوة الإقليمية، فقد بات واضحاً أنّ المرتزقة لا يحمون العروش، ولا يمكن للرياض أن تشتري جيشاً، مهما بلغت درجة تحالفها مع مصر أو السودان.

تقول “فورين بوليسي” حول اجتماع نيوم الأخير ولقاء نتنياهو وابن سلمان إن “الرحلة السرية تظهر اتحاد نتنياهو ومحمد بن سلمان لمواجهة بايدن”، وتضيف أن “الشيء الوحيد الواضح أن الرجلين يستعدان لرياح قاتلة من البيت الأبيض”.

تكشف صحيفة “إسرائيل هيوم” المقربة من نتنياهو، نقلاً عن مسؤولين سعوديين، إنَّ “الرياض ترى في إسرائيل الحليفة الأهم في مواجهة إيران”.

يسعى ابن سلمان إلى ترسيخ علاقته بـ”إسرائيل” من أجل تسويق نفسه في أوساط الدولة العميقة داخل الولايات المتحدة، كطرف قادر على تغيير الدفة ولاعب لا غنى عنه في مشاريع المنطقة، ويراهن على نتنياهو في تجاوز قيود بايدن وسياساته المرتقبة، لكنّ مأزقه يتجلّى في أنه يلجأ إلى الطرف الذي يحتاج إلى تسريب لقائه به لكي يسوّق نفسه ويبقى عائماً على السلطة في كيانه، بينما يشتري المزيد من الوقت لتجنّب محاكمته، ويعيد خلط الأوراق كلما اضطربت تحالفاته. يحتاج نتنياهو إلى إنقاذ نفسه قبل إنقاذ ولي العهد السعودي. يعلم الأخير على الأرجح أن لا هدايا مجانية في التعاطي مع “إسرائيل”، لكنه يلجأ إلى خيار اللاعودة بعدما بات أسير تموضعاته ورهاناته السياسية.

ماذا لو لم يتخذ ابن سلمان قرار الحرب على اليمن؟ ألم تكن التعقيدات لتكون أقل في طريقه إلى السلطة؟

لو عدنا بضع سنوات إلى الوراء، لاتّضح مدى التفاوت في الخبرة السياسية وسط أمراء آل سعود. هناك من عارض الحرب على اليمن بسبب تداعياتها وخطورتها على مستقبل المملكة، وهناك من ذهب إليها بذهنية لاعب “بلاي ستايشن”.