7 أعوام من الفشل الأمميّ الإنسانيّ والسياسيّ في اليمن..!

3٬736

بقلم / محمد محمد السادة

يبدو أنَّ الفشل الأممي في اليمن يُعزّز الفرصة لخيارات أخرى لإحلال السلام فيه بعيداً عن الأمم المتحدة، وبشكل أكثر جدوى، ويُوفر الكثير من الوقت والجهد.

إنّ تطلُّع الشّعوب المستضعفة إلى المستقبل الذي يضمن لها الحرية والسيادة الكاملة يُعد أحد أسباب نشأة الأمم المتحدة. ومع ذلك، منذ قيامها في العام 1945، فشلت الأمم المتحدة في حلِّ الصراعات والأزمات العالمية، ولم تُقدم شيئاً لدول مثل العراق وسوريا وليبيا وأفغانستان وغيرها، وظلَّت مجرد مظلّة تُشرعن التوجهات الأميركية وتُنفذها.

ويُعدّ اليمن شاهداً جديداً على الفشل الأممي الإنساني والسياسي، إذ ظلَّت هذه المنظمة مُلتزمة طيلة سنوات العدوان بتوجهات واشنطن وحلفائها، من خلال تسييس ما هو إنساني وتمييع ما هو سياسي، كما يتضح الدور الأممي أكثر من خلال تطابق رؤى كلا المبعوثين إلى اليمن؛ الأممي هانس غراندبرغ والأميركي تيموثي ليندركينج.

على مدار سنوات العدوان السبع، كان العجز في التمويل هو القاسم المشترك لكلِّ خطط الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة في اليمن، ولا سيما في المجالات الإنسانية المهمّة، كالصحّة والتعليم والنازحين والغذاء، وشهد الاهتمام الدولي بالأزمة الإنسانية تراجعاً كبيراً. يتضح ذلك من خلال التدني الكبير في مستوى التعهدات المالية للمانحين منذ العام 2020، الأمر الذي يُشير إلى التصاق ما هو إنساني بما هو سياسي، واستخدامه ورقة ضغط على صنعاء.

وما يؤكد ذلك هو نتائج مؤتمر المانحين الذي عُقد في منتصف شهر آذار/مارس الجاري، إذ طالبت الأمم المتحدة بمبلغ 4.5 مليار دولار للوفاء باحتياجات خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن للعام 2022، فيما خرج المؤتمر بتعهّدات بلغت 1.3 مليار دولار، وبعجز تمويلي نسبته 70%.

تنفيذ الأجندات وتحقيق المصالح، وإن كان من خلال ازدواجية المعايير، هما نهج أممي تجلّى في سُباته في اليمن وحراكه في أوكرانيا؛ فبعد أسبوع من العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، صوَّت مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لمصلحة فتح تحقيق في الانتهاكات التي ارتُكبت، وهو الأمر ذاته الذي قامت به الأمم المتحدة تجاه الوضع في اليمن، ولكن بعد مرور 3 سنوات من العدوان الَّذي ارتكب الآلاف من جرائم الحرب، تم تشكيل فريق الخبراء البارزين في العام 2018 للتحقيق في الانتهاكات وجرائم الحرب، ولكن لم يسمح تحالف العدوان للفريق بزيارة صنعاء.

وقد ظلَّ النظام السعودي يتجسَّس على هاتف رئيس الفريق التونسي كمال الجندوبي عبر برنامج “بيغاسوس” الذي اشتراه من العدو الإسرائيلي. إضافةً إلى ذلك، تمكَّن النظام السعودي العام الماضي من إنهاء مهمة هذا الفريق، من خلال دفع العديد من أعضاء المجلس إلى التصويت لمصلحة عدم تجديد ولايته، مستخدماً أساليب الترغيب والترهيب.

وتُتاجر الأمم المتحدة بدماء اليمنيين ومعاناتهم؛ ففي العام 2016، وبضغط من النظام السعودية، أزال الأمين العام للأمم المتحدة السابق بان كي مون اسم السعودية من قائمة العار لمنتهكي حقوق الأطفال في اليمن، ما كشف خضوع الأمم المتحدة للابتزاز السعودي الذي هدَّد بوقف تمويل برامج الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين.

وفي العام 2018، أزال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش اسم تحالف العدوان بقيادة السعودية من قائمة الأطراف التي شنَّت هجمات على المدارس والمستشفيات، رغم توثيق الأمم المتحدة 19 استهدافاً للتحالف على المدارس في اليمن خلال العام 2017.

كما أنّ غوتيريش قام في العام 2020 بحذف اسم تحالف العدوان من قائمة العار لمنتهكي حقوق الأطفال، رغم أنَّه أشار إلى أن التحالف بقيادة السعودية مسؤول عن مقتل 222 طفلاً، وشنّ 4 غارات على مدارس ومستشفيات في اليمن في العام 2019.

النظرة السلبية الشعبية والرسمية في اليمن تجاه الأمم المتحدة هي نظرة واقعية منصفة وغير تحريضية، كما يدعي البعض، فهناك شواهد دامغة تؤكد أنَّ حقيقة الوضع في اليمن بالنسبة إلى المنظمة الأممية ووكالاتها العاملة لا تعدو كونها مجرد فرصة لتنفيذ الأجندات، من دون اكتراث إلى ما يتعرَّض له اليمن من عدوان وحصار.

وما التقارير والنداءات والتباكي الأممي المحذر من المعاناة الإنسانية وتداعياتها الكارثية إلا لأجل استمرار تلك الأجندات والامتيازات التي يحظى بها الموظفون الأمميون، والتي لا يحظى بها بعض رؤساء دول من حيث المرتبات المرتفعة وما يُسمى بدل مخاطر وغيرهما.

لذا، لا غرابة في أنَّ نسبة ما تستحوذ عليه المنظمات الأممية من أموال المنح والمساعدات تتجاوز 60% وتذهب إلى النفقات التشغيلية واللوجستية. على سبيل المثال، بلغت القيمة الإجمالية لما قدَّمته منظمة الصحة العالمية لليمن شمالاً وجنوباً من أدوية ومعدات طبية منذ العام 2016 وحتى 2021 مبلغ 191 مليون دولار، فيما تلقَّت المنظمة في اليمن خلال الفترة نفسها مبلغ 1.4 مليار دولار تقريباً.

كما أنَّ العديد من المنظّمات الأممية تُعاني من بعض مظاهر الفساد، ولا سيما إدارياً ومالياً، ولديها مشاكل مع بعض شركات الخدمات اللوجستية المحلية، الأمر الَّذي يتطلَّب من الجهات المعنية كفاءة ومهنية أعلى لضبط عمل تلك المنظّمات وتوجيهها، وفق معايير العمل الإنساني والتشريعات والقوانين اليمنية، وبما يحقّق ولو سقفاً مقبولاً من الفائدة المرجوّة من المساعدات المقدمة.

السّلام في اليمن بعيداً عن الأمم المتحدة:

مثل سابقيه، لم ينجح المبعوث الأممي غراندبرغ حتى الآن في الدفع بمختلف الأطراف للانخراط في إجراءات بناء الثقة، وهي إجراءات لا تحتاج إلى مفاوضات، بل إلى نيات حسنة، وهي تفصل الجانب الإنساني عن السياسي، وتتطلَّب انصياع تحالف العدوان للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وكذا ميثاق الأمم المتحدة، وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216، إذ تمنع جميعها فرض الحصار الإنساني القائم على الشعب اليمني وحرمانه من أبسط حقوقه، من خلال إغلاق التحالف ميناء الحديدة ومنع دخول سُفن الوقود والغذاء، إضافة إلى إغلاق مطار صنعاء أمام المواطنين وحركة الملاحة.

اختار المبعوث غراندبرغ القفز على الملف الإنساني والشروع في الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية كأولوية، مع توسيع دائرة المشاورات كمطلب أميركي، لتشمل المزيد من الجهات والفئات اليمنية، إذ بدأ ما يُسميه بناء إطار عمل من خلال المشاورات الثنائية التي انطلقت يوم 8 آذار/مارس الجاري في العاصمة الأردنية عمان. وبذلك، يعتقد المبعوث أنه يمضي نحو تحقيق تسوية سياسية شاملة، في الوقت الذي يقوم بتمييع الملف اليمني من حيث يدري أو لا يدري.

ختاماً، لا ينسجم الفشل الأممي مع الإصرار على استقبال صنعاء للمبعوث غراندبرغ من دون مطالب مسبقة، فصنعاء لن تقبل باستقبال المبعوث لمجرد تسجيل حضور سياسي وإعلامي على حساب استفزاز مشاعر ملايين اليمنيين الذين لم يعودوا يثقون بالأمم المتحدة ومبعوثيها، ويطالبون بإجراءات أممية ملموسة لتخفيف وطأة المعاناة الإنسانية.

يبدو أنَّ الفشل الأممي في اليمن يُعزّز الفرصة لخيارات أخرى لإحلال السلام فيه بعيداً عن الأمم المتحدة، وبشكل أكثر جدوى، ويُوفر الكثير من الوقت والجهد، فالرؤى الأممية لم تنجح لكونها ترتبط برؤى ومصالح أميركية – بريطانية، فيما إتاحة الفرصة لوسيط إقليمي أو دولي يتمتع بالنزاهة، ويحظى بالقبول لدى كلٍّ من صنعاء كطرف أول، والرياض وأبو ظبي وأدواتهما المحلية كطرف ثانٍ، سيُمكن من تجاوز الحسابات والمصالح الأميركية المُعطلة، ليُقدم حلولاً عملية تنطلق من واقع المعطيات الجديدة، وبما يُحقق مصالح تلك الأطراف دون غيرها.

لذا، هناك حاجة ومصلحة لصنعاء والرياض وأبو ظبي وبقية الأطراف اليمنية للبحث عن الحلول في الإطار الثنائي، ومن خلال وسيط مُحايد، بعيداً عن التمييع الأممي لملفّ اليمن.