لماذا غادِر ترامب البيت الأبيض مُطَأطَأ الرّأس من الأبواب الخلفيّة؟ وما هي مَهمّة “التّنظيف” الأكبر التي تنتظر خلَفَهُ بايدن داخليًّا وخارجيًّا؟ وهل ستكون الضّربة القاضية من نصيب المرأة الفُولاذيّة بيلوسي أم المحاكم الجنائيّة التي تنتظره..!

621

بقلم/ عبدالباري عطوان

بعد بَدء إخلاء البيت الأبيض من الأغراض الشّخصيّة للرئيس دونالد ترامب مع اقتِراب موعد مُغادرته النهائيّة (قبل ثلاثة أيّام) دُون رجعة، فإنّ المَهمّة الأصعب التي سيُواجِهها الرئيس الجديد جو بايدن وإدارته، حملة التّنظيف، الماديّة والسياسيّة، لإزالة النّفايات وتطهير مقر الرئاسة، وكُل رُكن في الولايات المتحدة من الأوبئة المُتراكمة بسبب سياسات الرئيس الرّاحل، والجوقة المُحيطة به.

نحن لا نتحدّث هُنا عن حملة التّنظيف العاديّة المُتّبعة للبيت الأبيض بعد رحيل رئيس مهزوم ومَقدَمِ آخَر مُنتصر، مِثل تنظيف الحمّامات، ورش الغُرف بالمواد المُطهّرة فقط، وهي حملة تُقَدَّر قيمتها بحواليّ نِصف مِليون دولار، وإنّما عن القاذورات والأوبئة السياسيّة والأخلاقيّة أيضًا التي تراكمت وباتت تُعَشْعِش في مُختلف الأروقة والأجواء الأمريكيّة والعالميّة.

ترامب سيُغادر البيت الأبيض، مِثل اللّص مِن الأبواب أو السّراديب الخلفيّة مُطَأطَأ الرأس، ومَطرودًا تُلاحِقه اللّعنات.. يُغادر وقد دمّر بلاده وديمقراطيّتها، وضاعف من عدد أعدائها، مثلما دمّر حزبه الجمهوري، وأكثر من 300 ألف أمريكي خَسِروا حياتهم بسبب إهماله وفشله في التّصدّي لفيروس كورونا، علاوةً على حواليّ أربعة ملايين مُصاب يقفون في طابور المَوت.

خلفه جو بايدن سيَجِد نفسه يَحكُم بلدين إنْ لم يَكُن أكثر بسبب حالة الانقسام التي بذرَت بُذورها السّياسات العُنصريّة البغيضة لسلفه ترامب، وحالة القلق والرّعب المُترتّبة عليها، وسيكون إنهاء حالة الانقِسام هذه، وإعادة الثّقة إلى النّظام السّياسي الأمريكي، ووقف حالة الانهِيار المُتسارع داخليًّا وخارجيًّا على قمّةِ أولويّاته.

من الصّعب التنبّؤ بمدى نجاح الجُهود التي تَبْذُلها السيّدة نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب لعزله بتُهمة خيانة القَسَم كرئيس دولة، وانتهاك الدّستور، وتقسيم البِلاد، ومنعه بالتّالي من الترشّح في الإنتخابات الرئاسيّة المُقبلة، ولكن ربّما يكون العِقاب الأكبر الذي لَحِقَ به، هو القرار الجماعي لوسائل السوشيال ميديا” بإغلاق حِساباته، ومنعه من التّواصل مع العُنصريين من أتباعه حِفاظًا على أمن البِلاد واستِقرارها، وحِفظ أرواح مُواطنيها.

ربّما يُجادِل البعض بأنّ هذه الخطوة تُوَجِّه ضربةً تدميريّةً للسّياسة، والديمقراطيّة، وما يتَفرّع عنها من حُريّات، وأبرزها حُريّة التّعبير، وكان من الأفضل من وجهة نظر هؤلاء، أن يستمر الحظر على التّغريدات المُسيئة والخطيرة فقط، وهذه وجهة نظر يجب أن تُحتَرم، ولكن متى التزم ترامب بالحُريّات، وقيم الديمقراطيّة، وحُقوق الإنسان..

وهو الذي فصَل 3000 طِفل عن أُسرهم المُهاجِرة، ومنع مُواطني سبع دول مُسلمة من دُخول الولايات المتحدة، ودعَم سِياسات التّهويد والضّم الإسرائيليّة في القُدس والجولان المُحتلّين، وأوقف المُساعدات الماليّة عن وكالة “الأونروا” الدوليّة الرّاعية لشُؤون اللّاجئين، وأنفق 90 مِليار دولار لتَدمير سورية؟

ترامب يُريد أن يُقَدِّم نفسه لأكثر من 74 مِليون ناخب صوّتوا له في الإنتخابات الأخيرة، علاوةً على 90 مِليون مُتابع على “التويتر”، كـ”شهيد” تعرّض لمظلمةٍ كبيرةٍ، والعمل على تعبئة هؤلاء في حزب، أو ميليشيات عُنصريّة مُسلّحة، تُمارس كُل أنواع البلطجة والابتِزاز، وتُشعِل فتيل الحرب الأهليّة في البِلاد، تحت عُنوان سِيادة العِرق الأبيض، وشِعار “أمريكا أوّلًا”..

ولا نَستغرِب أن تُصبِح هذه الظّاهرة نموذجًا تُحتذى به، وتسير على نهجه، مُنظّمات عُنصريّة في العديد من الدّول الأوروبيّة، وبِما يقود إلى “نازيّةٍ” جديدة.

ترامب غادِر البيت الأبيض لمُواجهة 60 قضيّة مرفوعة ضدّه في العديد من المحاكم، بعضها جنائيّة، وأُخرى ماليّة، ستُحاول إفلاسه، وثالثه جنسيّة فضائحيّة، ولكنّه سيَجِد المال الوفير من حُلفائه العرب والصّهاينة، لتغطية النّفقات الباهظة، لشركات المُحاماة الكُبرى، وهو لا يخشى المعارك القضائيّة فقد واجه العديد منها قبل تولّيه الرّئاسة، وإدانته والزّج به خلف القُضبان، إذا حدث سيكون الضّربة القاسمة التي ستُؤدِّي إلى منعه من العودة للبيت الأبيض.

مصائب ترامب لن تتوقّف بعد خُروجه من البيت الأبيض، بل ربّما تتفاقم، طالما بقي على قيد الحياة، وهذه مسألة تنطوي على الكثير من التَّأمُّل والتَّبصُّر، خاصّةً أنّ أجهزة الأمن الأمريكيّة تملك إرْثًا ضخمًا في إغتيال الرّؤساء في السّلطة وخارجها، داخِل الولايات المتحدة، ودُول عديدة في أرجاء المعمورة، ونَتْرُك الباقي لخَيالِكُم وفهمكم.. واللُه أعلم.