فليكن هذا عام السَّلام في اليمن.. “تقرير“..!

212

أبين اليوم – تقارير

تقرير/ قيس الوازعي:

استبشر اليمنيون خيراً، وهم يتابعون، بارتياح، مجريات قمة المصالحة الخليجية في مدينة ( العُلا) السعودية، معتقدين أن عودة العلاقات الخليجية إلى مسارها الطبيعي ستنعكس إيجابًا على الأوضاع في اليمن..!

يكتسب هذا الإعتقاد صحته من إعتقاد آخر، مفاده أن نشوء الأزمة الخليجية في2017 وتطوراتها، خلال أكثر من ثلاث سنوات، قد صرف أنظار الأشقاء في الخليج وفي الوطن العربي ككل، عن المشكلة اليمنية وأسهم في إطالة أمد الحرب وزاد من تعقيداتها، وتداعياتها الخطيرة على حياة ومعيشة المواطن اليمني..!

وربما ذهب البعض إلى إتهام دول قيادة التحالف، ممثلة بالسعودية والإمارات بتعمُّد تضخيم الأزمة الخليجية لإشغال الرأي العام في المنطقة عن مخططات تآمرية تدار خلف ستار الحرب في اليمن من أجل تحقيق مصالح خاصة في اليمن.

القوات الإماراتية المتواجدة في المحافظات الجنوبية والمليشيات المسلحة المدعومة منها، وكذلك الموالية لها في الساحل الغربي، أكَّدت، بممارساتها التوسعية الاستعمارية وبأفعالها المعادية للشعب اليمني ومصالحه وبإغلاقها للمطارات والموانئ ومنعها تصدير الثروات النفطية، وبتحريضها ومساندتها للمجلس الإنتقالي الانفصالي، جميعها كانت الأدلة الدامغة، التى لا مجال لدحضها على صحة دعوى هؤلاء البعض.

ليأتي صمت السعودية “قائدة التحالف” على الممارسات الإماراتية العدوانية، وعدم تفاعلها الجاد مع شكاوى اليمنيين من جرائم الإمارات ومليشياتها، وكذا فرضها “السعودية” للمجلس الإنتقالي كطرف مقابل للشرعية وممثل لشعب الجنوب في اتفاقات الرياض الهزلية.. لتفيد بوجود تواطؤ سعودي، يصعب نكرانه أو تجاهله.

الآن وقد تمَّت المصالحة الخليجية، فليس على السعودية والإمارات الإستمرار بممارساتهما المعادية للشعب اليمني ولوحدته ومصالحه، تحت مبررات دعم الشرعية ومحاربة الحوثية، وليس عليهما نكران الإتهامات الموجهة لهما، وإنما عليهما التعامل بجديَّة وبدون استخفاف بالشعب اليمني الأصيل الصابر، والبدء بإيقاف الحرب كشرط أساس لطمأنة الشعب على أمنه وسلامته، تمهيدًا لعملية سلام شاملة، تنقذ اليمنيين من القتل والجوع والمرض وتحفظ له ماتبقى من بناه التحتية.

كان وزير الخارجية الكويتي قد أعلن، بعد إنتهاء قمة المصالحة الخليجية مباشرة، عن اعتزام بلاده البدء بإجراء عملية سلام في اليمن؛ توقف الحرب وتعيد الأمن والاستقرار للشعب اليمني، ولا نحسبه إلاصادقًا في ما قال.

نحن في اليمن نثق، بلا حدود، بصدق المشاعر الأخوية للقيادة والشعب في الكويت. ونعتقد أن نواياهم حسنة وحقيقية حيال حل القضية اليمنية. ونعتقد، أيضًا، أن تأخر الدبلوماسية الكويتية، حتى الآن، عن البدء بما وعدت به ناتج عن انشغالات طارئة  في الداخل الكويتي، فضلًا عمَّا أحدثته الإنتخابات الأمريكية من إرباكات شغلت العالم بأسره.

ثقتنا بمقدرة الدبلوماسية الكويتية على رأب الصدع في اليمن، تنبع من يقيننا بكفاءتها، التي أثمرت مصالحة خليجية، كادت تكون مستحيلة.

فضلًا عن ذلك فالكويت محل ثقة واحترام كل الأطراف اليمنية والخليجية، أيضًا.. وذلك أهم شرط لنجاح المساعي الأخوية الكويتية النبيلة.

مع كل هذه الثقة، فإننا لا نرى بأساً في تشكيل فريق وساطة متكامل يضم قطر وأمين عام مجلس التعاون الخليجي، إلى جانب الكويت. فلدولة قطر، بسياستها الواقعية المتزنة والمجرِّبة، مكانتها وكفاءتها الموثوقة بإنجاح المهمة.

نريد حلًا شاملًا وعادلًا لقضيتنا ولكل القضايا القائمة في المنطقة، بما فيها الخلافات العربية مع إيران.

لقد أرهقنا الصراع العربي ـ الإسرائيلي ونغص علينا حياتنا، من قبل، ثم أضيف إليه الخلافات العربية ـ الإيرانية، منذ قيام الثورة في 1979، مرورًا بحرب الثمان السنوات، حتى الآن.. ولقد آن الأوان لشعوب المنطقة أن تعيش حياتها آمنة مستقرة، بعيدًا عن الصراعات الآيديلوجية والعسكرية المعمَّرة المرهِقة.

الظروف، اليوم، مناسبة أكثر من أي وقت مضى، لحلحلة كل المشكلات العالقة، وإن كانت تهمنا المشكلة اليمنية، قبل غيرها.

لقد وصلت جميع الأطراف المشاركة في الحرب والأساسية في النزاع في داخل اليمن وخارجه، إلى قناعة تامة بأن الحل العسكري غير مجدٍ، على الإطلاق، وأن إستمراره يعني مزيداً من مآسي القتل والدمار، وأن الحل السلمي هو البديل الأسلم والمقبول لدى الجميع.

حتى الإدارة الأمريكية الجديدة أعلنت أن حل المشكلة اليمنية موضوعة على رأس قائمة أولوياتها.

إذن فقد غادر ترامب المزعج السلطة، وحُلَّت الأزمة الخليجية وتآزرت الظروف؛ محلية وإقليمية ودولية، لوضع حدٍّ للحرب في اليمن، بعد ست سنوات من مآسي الدماء والخراب.

لقد عجزت أطراف الحرب في اليمن، جميعها، عن تحقيق أهدافها من الحرب، وبات حلم إلحاق الهزيمة بالطرف الآخر مجرد وهمٍ لا أكثر. ولقد نال كل طرف من الأطراف حظه من نقيضي النصر والهزيمة، فنال  من الآلام والمواجع مالم يكن في حسبانه.

ولقد بات على الجميع التخلِّي عن تمسكه الصارم باستحقاقاته وقناعاته القديمة، المبنية وفق وجهات نظره ومصالحه الخاصة، وبات لزامًا عليه، اليوم، الاقتناع بتقديم التنازلات الضرورية، مهما كانت مؤلمة، للخلاص من الفتنة، ومن أجل اليمن وشعب اليمن المنهك.

سيكون على فريق الوساطة الخليجي، إذا ما تم تشكيله وفق مقترحنا هنا، وضع خارطة حل سياسي شامل ومتكامل، يبدأ بإيقاف الحرب أولًا، ومن ثم الخوض في كل تفصيل من التفاصيل الدقيقة للمشكلة، بحسب أولويات الحل، التي تبنى عليها الحلول التالية.. وصولًا إلى حل المشكلة الكبرى.

على فريق الوساطة، أيضًا، أن يضع في أولوياته معرفة أسرار العلاقات السعودية ـ الإماراتية، الخفية ذات الصلة باليمن، كشرط ضروري لضمان توقفهم عن تبادل الأدوار المشبوهة، المعيقة لأية مساعٍ هادفة لإيقاف الحرب وإنهاء المشكلة.

كما أن عليه الجلوس مع هادي المنتهية ولايته، للتعرف على الأسرار الخفية القائمة بينه وبين الإمارات من جهة، وبينه وبين قادة المجلس الإنتقالي الانفصالي من جهة ثانية. فلولا تواطؤه وسكوته لما جنَّدت الإمارات ودرَّبت وسلَّحت عشرات الآلاف من المرتزقة الانفصاليين، ومن المرتزقة العفافيش في الساحل الغربي.

لقد ترقَّب دعاة الرِّدة والانفصال في الجنوب وسواهم من ذوي المصالح اللَّاوطنية الصغرى، حدوث المشكلة الكبرى في صنعاء عام 2014، للبدء بتنفيذ مشاريعهم الخاصة، مستغلين ضعف قيادة الشرعية، وربما تساهلها، فاستعانوا بالأعداء التأريخيين للوحدة اليمنية لتحقيق مآربهم الانفصالية غير المشروعة، من منطلق انتهازي وضيع، ينتقص، صراحة، من وطنيتهم ومن وحدويتهم وعروبتهم، فألصقوا كل عيوبهم الموروثة وكل عيوب النظام السابق الفاسد، بمنجز الوحدة العظيم، وهو منها براء..

كل ذلك خدمة لأهدافهم التشطيرية والمناطقية الأنانية المرفوضة من كل أبناء اليمن، في الجنوب قبل الشمال، بل ومن كل العرب والمسلمين الوحدويين الشرفاء.

لايمكن لعاقل أن يتصوَّر ذهاب الانفصاليين المرتدين إلى إنكار يمنيتهم، التي ظلوا يتفاخرون بها، ويدَّعون أنهم الأحرص عليها والأقدر والأجدر بحمايتها والدفاع عنها.

فهاهم، بعد زمنٍ من ضياع اشتراكيتهم، يعاودون الذهاب إلى حيث ركام الانهيار المريع (موسكو) والركوع عند أقدام سادتهم، مقدِّمين مراسم الولاء والطاعة والعروض المغرية، على أمل مساعدتهم في تمزيق وحدة وطنهم والعودة للتفرد المناطقي بالحكم الشمولي المشهود له بالعجز والاقتتال اللَّامتناهي والتصفيات الرفاقية اللَّئيمة.

وفي جانب آخر من جوانب استغلال المشكلة الكبرى، تظهر بقايا النظام السابق، وبصورة مخزية، في موقف العملاء المأجورين، الخادمين لأسيادهم الممولين، الذين لا يخفون عنهم مطامعهم باليمن.. يفعلون ذلك، بكل جرأة ووقاحة، ظنًا منهم أن هذا هو المسلك السليم والأقصر للعودة إلى السلطة، التي عجزوا عن القيام بأبسط متطلباتها، لأكثر من ثلاثة عقود، تارة بسبب جهلهم وتارة بسبب تعلقهم بالفساد والإفساد، دون رادع من دستور أو قانون أو ضمير، ودون  استشعار للمسؤولية الوطنية، فكان أن طردتهم ثورة الشباب المجيدة في 2011، شر طردة.

الراغبون بالعودة إلى نعيم السلطة المفقود، في شمال اليمن وجنوبه، بل وفي كل زمان ومكان، مستعدون للتضحية بكل المحرمات والأخلاقيات والمقدسات الوطنية، لأجل تحقيق ذلك الهدف !

فالمنجز الوحدوي العظيم الذي كان لهم شرف الإسهام في تحقيقة، وكان عليهم، أيضًا، آثام وأوزار استغلاله والانتفاع الشخصي منه، هو اليوم عرضة للتضحية به مالم تبق السلطة بأيديهم.

يجب على كل القوى الوطنية الشريفة التواصل مع الأشقاء في الكويت لتذكيرهم بما وعدوا به، ولاستعجالهم ببذل جهود الوساطة المخلصة لوقف الحرب وقطع دابر الصراع في اليمن، قبل فوات الأوان، فقد بلغ السيل الزبى.

البوابة الإخبارية اليمنية