اين ذهبت الدراجات في الصين ؟…

496

أبين اليوم – مقالات

بقلم / أشواق محمد

       توجه مهم ومثير للاهتمام في الصين الأن، وهو إعادة تدوير الدراجات القديمة والمهجورة…

منذ وقت ليس ببعيد، كانت الدراجة في الصين هي الوسيلة الرئيسية للتنقل، وقد شهدت الدراجة التغيرات الكبيرة التي حدثت في الصين الجديدة منذ تأسيسها، فلطالما كان الصينيون يُكِنون مشاعر خاصة لها. في خمسينات القرن الماضي، عندما كان مستوى معيشة الصينيين منخفضاً، لم تكن الدراجة وسيلة مواصلات هامة فحسب، وإنما كانت أيضاً رمزاً لثراء الأسرة. كانت الدراجة واحدة من ثلاثة أشياء ثمينة في جهاز العروسين، إضافة إلى ساعة اليد وماكينة الخياطة. في أواخر سبعينات القرن العشرين، بدأت الصين انتهاج سياسة الإصلاح والانفتاح، ومع ارتفاع مستوى معيشة الصينيين لم تعد الدراجة شيئاً كمالياً وإنما وسيلة تنقل هامة. زاد عدد الدراجات بسرعة، حتى صار زحامها مشهداً خاصاً في كثير من مدن الصين في وقت الذهاب إلى العمل والعودة منه. في أواخر القرن العشرين، مع التطور الكبير للاقتصاد الصيني، بدأت السيارات تحل تدريجياً محل الدراجات التي تراجع عددها. حسب بيانات إدارة المرور بوزارة الأمن العام الصينية، وصل عدد المركبات الآلية في الصين إلى 285 مليون مركبة في نهاية يونيو عام 2016، منها أكثر من 184 مليون سيارة، تأتي في المرتبة الثانية بالعالم. وقد صاحب ذلك تراجع نسبة مستخدمي الدراجات في بكين بشكل ملحوظ؛ من .762% في عام 1980 إلى 38% في عام 2000، وصولاً إلى 9.11% في نهاية عام 2014 .

وتُقدر إحدى الجهات الحكومية عدد الدراجات المهجورة بحوالي 20 مليون دراجة مشتركة مستخدمة في عام 2017 .

 فمثلا تعرضت شركة Xiaomin وهي واحدة من 60 شركة عاملة في مجال الدرجات للإفلاس، وتركت خلفها 430,000  دراجة في اكثر من 10 مدن، وذكرت الشركة أن واحدة من اكبر تلك الأكوام كانت وسط مدينة شنغهاي والتي وصل عدد الدرجات  فيها الى 30 الف دراجة هوائية مهجورة .

في ضوء ذلك ولتفادي تراكم الدراجات مستقبلاً تعهدت بعض الشركات بالمسؤولية عن دورة الحياة الكاملة لمركباتهم. فعندما يرغب العميل بالتخلص من دراجته فإن الشركة تملك العديد من الطرق المتنوعة لإعادة تدويرها . حيث يوجد في الصين  تكنولوجيا  خاصة  لتدوير الدراجات القديمة والمهجورة  واستغلال  أجزاءها المختلفة .

 اكتشفت بعض الشركات أنه من الممكن استغلال الإطارات والأجزاء المفككة لصنع كراسي ومصابيح مثيرة للاهتمام كذلك اعادة تدويرهياكل ومقاود الدرجات الهوائية واستخدامها في تصنيع آثاث للمنزل .

اثاث منزل مصنوع من تدوير  درجات

وعالجت شركة Yang’s China Recycling لإعادة التدوير حوالي 4 ملايين دراجة مشتركة منذ عام 2017، كما تنفق حوالي 10 ملايين يوان شهرياً على شراء الدراجات والأجزاء المستعملة للحفاظ على ما تبقى من الفولاذ والمعادن والبلاستيك .

المركبات الآلية تجعل حياة الناس أكثر سهولة، ولكن العدد الهائل منها يؤدي إلى الازدحام وتلوث البيئة. ولمواجهة الازدحام في بكين، تشجع الحكومة على استخدام الدراجات، كونها وسيلة مواصلات صديقة للبيئة. قد تكون المسافة بين المسكن ومكان العمل بعيدة جداً، ومن الصعب الذهاب إلى العمل بالدراجة كل يوم، ويكون البديل هو الذهاب بالمترو أو الباصات العامة، بيد أن شبكة الباصات والمترو لا تغطي كل بقعة في المدينة، ويحتاج الشخص إلى الدراجة لقطع المسافة بين محطات الباص أو المترو أو المحطة إلى البيت .

في عام 2011، بدأت حكومة بكين تقديم خدمة الدراجات العامة، وهي دراجات يمكن أن يستخدمها أي فرد بأجر يتم دفعه ببطاقة المواصلات. حسب جريدة ((بكين المسائية))، بلغ معدل مرات الاستخدام اليومي للدراجات العامة في بكين ثلاثمائة ألف، ووصل عدد بطاقات استخدامها إلى أربعمائة ألف، بحلول شهر نوفمبر 2015. الترحيب الكبير الذي حظيت به الدراجات العامة في بكين، لم يمنع الشكوى منها، على سبيل المثال، لابد لمستخدم الدراجة العامة أن يقدم كثيراً من البيانات الشخصية له قبل استخدامها، ولابد من وضع الدراجة في المكان المخصص لها.

   ومع ظهور فيروس كورونا تشهد الصين   انتعاشاً من جديد في  سوق  الدراجات الهوائية، بسبب سعي الناس لتحاشي وسائل النقل العام والاستخدام الفردي للدراجات .

الدراجة التي سجلت ذكريات الصينيين، اختفت من حياتهم في عصر صاروا يتطلعون فيه إلى تحقيق الثراء السريع، ولكنها تعود إلى حياتهم مرة أخرى وهم يسعون إلى حياة أفضل. إن مشاعر الصينيين العميقة تجاه الدراجة وضعت أساساً متيناً لتحول دور الدراجة في حياتهم المعاصرة، ولارتفاع مكانة “مملكة الدراجات” في العالم.

مع تطور خدمات الدراجة العامة في الصين، تبذل الحكومة جهوداً كبيرة لتعزيز الخدمات الخاصة بها، ومنها تخصيص حارات للدراجات في الطرق العامة. تقوم حكومة بكين حالياً بوضع خطة في هذا الصدد، إذ من المتوقع أن يصل إجمالي طول حارات الدراجات بالطرق إلى ثلاثة آلاف ومائتي كيلو متر بحلول عام 2020؛ آخر عام في الخطة الخمسية الثالثة عشرة .