هل دفن دقلو فكرة مشاركة المدنيين للعسكر في حكم السودان..!

3٬731

أبين اليوم – الأخبار الدولية

كان واضحاً منذ البداية ان العسكر في السودان سينقلبون على شركائهم المدنيين في السلطة التي تشكلت بعد الثورة الشعبية، في 21 أغسطس/آب 2019 ، والتي كان من المفترض ان تقود السودان لفترة انتقالية تستمر 53 شهراً تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024، وهذا الوضوح بات أكثر شدة كلما اقتربنا من موعد انتقال السلطة للمدنيين.

منذ فترة قصيرة وأحداث متلاحقة بدأت تطفو على سطح المشهد السوداني، في الوهلة الأولى لا تجد من رابط يربط بينها، وأشبه ما تكون بالفوضى، ولكن بقليل من التأني والدقة، يمكن للمراقب ان يجد ربطاً، ورابطاً قوياً جداً، يربط بين تلك الأحداث، ليقود المتابع الى جهة واحدة تقف وراء كل تلك الأحداث، وهذه الجهة ليست سوى العسكر، الذي يحاول الظهور بمظهر المنقذ للسودانيين من الفوضى وحالة الانفلات التي يعيشوها.

في صبيحة الثاني والعشرين من شهر ايلول / سبتمبر الماضي، استيقظ السودان على وقع أخبار تتحدث عن “محاولة انقلابية فاشلة” جرت في البلاد دون تحديد الجهة التي تقف خلفها، في حين أعلن مصدر عسكري بالجيش اعتقال عدد من الضباط دون ذكر أسمائهم وعددهم أو انتماءاتهم، وكل ما ترشح فيما بعد، هي اتهامات طالت بعض الشركاء المدنيين في السلطة!.

تصدعات يشهدها الجانب المدني من السلطة، تجعل من الصعب تشكيل دولة مدنية في السودان، وهي تصدعات يقف وراءها العسكر، بذريعة توسيع الحاضنة السياسية للثورة، بينما هدفها تشتيت جبهة المدنيين وتفرد العسكر بالسلطة، الأمر الذي دعا ائتلاف قوى الحرية والتغيير الى التلويح باللجوء الى تشكيل المجلس التشريعي، الذي نصت عليه الوثيقة الدستورية، من جانب واحد، دون انتظار نتائج المشاورات بذريعة توسيع الحاضنة السياسة للثورة.

اما الأحداث التي تعصف بشرق السودان، بعد حملة تصعيد وإغلاق شامل بقيادة مجلس قبلي تستمر منذ أكثر من أسبوعين في مناطق شرقي السودان، للمطالبة بإنهاء التهميش وتحقيق التنمية، فقد تم استغلالها أيضاً من قبل العسكر، من أجل التخلص من عناصر مدنية في الحكومة وصفتها بـ”المخربة”، عبر الدعوة الى حل الحكومة وتشكيل حكومة تكنوقراط غير حزبية!!.

كل تلك الأحداث توّجها العسكر بالتصريحات الصادمة لقائد قوات الدعم السريع والنائب الأول لرئيس مجلس السيادة، محمد حمدان دقلو الشهير بحميدتي، الذي أعلن صراحة انه لم تتم مناقشة تسليم رئاسة المجلس السيادي إلى المدنيين باعتبار أن الأمر سابق لأوانه، وشدد على التمسك بتبعية الشرطة وجهاز الاستخبارات العامة للمكون العسكري، وعدم تركهما للمدنيين، وعدم تسليمها إلا لحكومة منتخبة، واعتبر حميدتي أن الأزمة الراهنة كشفت عن طموح المدنيين للوصول إلى السلطة، في وقت ينصب فيه تفكير العسكريين على كيفية إخراج البلاد من أزمتها!..

المراقبون للمشهد السياسي السوداني ، اعربوا عن شكوكهم في إنتقال رئاسة المجلس السيادي إلى المكون المدني بحسب الوثيقة الدستورية، واعتبروا تصريحات حميدتي بأنها ضربت بعرض الحائط ، بوثيقة “الآن الدستوري” و ثيقة “الاعلان السياسي” ، الذي تم التوصل اليه في آب / اغسطس عام 2019، والذي وقع عليه المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير، بشأن هياكل وتقاسم السلطة في الفترة الانتقالية.

العسكر أدرى من غيره بصعوبة انقلابه على المدنيين والشعب والثورة، لذلك اختار اللجوء الى قوى إقليمية، كانت ومازالت داعمة للعسكر، ورافضة للثورة، منها الإمارات والسعودية، اللتان لطالما شجعتا وحرضتا العسكر من اجل التطبيع مع “إسرائيل”، من أجل جعل كفتهم هي الارجح لدى الامريكيين، واستغلال ذلك في صراعهم مع المدنيين.

مصادر محلية سودانية كشفت يوم الجمعة عن زيارة سرية لوفد سوداني ضم عسكريين رفيعي المستوى إلى”اسرائيل” في الايام الماضية. واضافت هذه المصادر، ان زيارة الوفد كانت تحت إشراف الفريق عبد الرحيم دقلو حميدتي، ولكن من دون ان توضح أسباب الزيارة. والمعروف ان السودان يستعد لتوقيع اتفاق لتطبيع العلاقات مع الإحتلال إسرائيلي خلال شهر أكتوبر الجاري في البيت الأبيض بالعاصمة واشنطن.

تطبيع العسكر مع “اسرائيل” وان جاء بالتنسيق مع الامارات والسعودية، وبذريعة استعادة حصانة السودان السيادية وتشجيع امريكا لدول اخرى على تخفيف أعباء ديونه، الا انه في الحقيقة، ليس سوى عربون يدفعه العسكر للبقاء في الحكم، اما الكلام المعسول عن تحسن اوضاع الشعب السوداني الاقتصادية والمعيشية، وربط هذا الأمر بالتطبيع مع “اسرائيل”، فهو كلام تكذبه الحالة الاقتصادية الصعبة للشعبين المصري والاردني، بعد مرور عقود طويلة على تطبيع مصروالاردن مع “اسرائيل”.

 

المصدر: العالم