السعودية.. لم ولن تتخلى عن الوهابية

263

بقلم /حسام عبدالكريم
لا يستطيع الحكم السعودي أن يتخلّى عن المؤسسة الدينية الوهابية لأنه لو فعل ذلك، سيكون كمن يطلق الرصاص على قدميه.
كثرُ الحديث في السنوات الأخيرة عن مرحلة “الانفتاح” التي تمرّ بها المملكة العربية السعودية. وتتمّ دائماً الإشارة إلى القرارات المتعلقة بالترفيه والحفلات الغنائية والفِرق الموسيقية القادمة من الخارج وفتح صالات السينما كمعالم على طريق سير المملكة باتجاه الافتراق عن الوهابية والابتعاد عن تعاليمها الاجتماعية الفظّة والقاسية الرافضة لكل أنواع الفنون والإبداع.

أي أن المملكة “تسير نحو الحداثة” حسب رؤية وليّ العهد الشاب،كما يقول أنصاره وأتباعه؛ أو إنها “تسير نحو الانحراف والضلال”، كما يقول خصومه ومعارضوه وخصوصاً من الأتباع المتشددين للسلفية الوهابية. ولكن هل فعلاً تسير المملكة السعودية باتجاه الطلاق مع الوهابية؟

قد تبدو الإجابة البديهية نعم، فمَن كان يتصوّر مشهد المسارح والألعاب، والمرح والفرح، والأغاني والطرب، والموسيقار ياني، وعمرو دياب، ونساء يقُدن السيارات في المملكة السعودية؟ ذلك كلّه صحيحٌ وصار واقعاً نراه بأعيننا، ولكن برويّةٍ ونظرةٍ أعمق، سنكتشف أن كل هذه التغييرات ليست سوى حركاتٍ وإصلاحاتٍ شكلية على المذهب السائد لديها، دون التخلي عنه ولا المساس بجوهره.

فالـ”إصلاحات” التي تحدث في السعودية لا تمتدّ لتشمل الفكر، ولا تطال أسس مذهب الوهابية الضاربة الجذور في المملكة والتي تعود إلى ما قبل تأسيسها بشكلها الحالي.

وقد يقول قائلٌ أن المملكة قامت بخطواتٍ في اتجاه تغيير الخطاب الديني السائد على منابر الحرمين، فصارت تُلزم أئمّتها بتجنب الدّعاء على “اليهود والنصارى” و تفرض عليهم إدانة “داعش” و”القاعدة” والتبرّؤ منها، وتطلب من شيوخها استنكار التفجيرات التي تحصل في أوروبا وغيرها على يد “مجاهدين” ينتمون إلى مذهب السلفية وفكره.

وهذا أيضاً صحيحٌ وحصل بالفعل، ولكنه حصل من باب الدفاع عن النفس، الدفاع عن النظام وعن المذهب ذاته في وجه الضغوط العاتية التي واجهتها السعودية من قبل أميركا أولاً وبقيّة العالم الذي لم يَعُدْ يحتمل المزيد من الإرهاب والقتل و موجات الإرهابيين الذين ينتجهم خطاب التكفير والكراهية المتأصّل في مذهب السلفية الوهابية.

كان على السعودية أن تفعل شيئاً لتظهر للأميركيين وللعالم أنها جادةٌ في عملية التغيير وفي الالتزام بمعايير المدنيّة الحديثة والتخلّص من “التطرّف”، فكانت تلك الإجراءات والخطوات التي ترافقت مع وقف تمويل المساجد والمراكز “الدعويّة” في أوروبا ومنع التبرعات التي كانت تتدفق على “المجاهدين” في كل مكان.

ولكن يبقى الأساس الفكري للمذهب كما هو، لم يُمسّ. لا زالت “هيئة كبار العلماء” تحتفظ بمكانتها كمرجعيّةٍ وهابيةٍ للمملكة السعودية. لا زال “آل الشيخ ” مهيمنين عليها (3 أعضاء، منهم الرئيس)، وكذلك يحتفظ آل “بن حميد” بمقعدهم الدائم فيها، وتلك هي العائلات التاريخية في “هيئة كبار العلماء” التي تعبّر عن التحالف الراسخ بين مؤسّس الأسرة السعودية والشيخ بن عبد الوهاب قبل 200 سنة.

وإذا أُضيف إليهم شيوخٌ آخرون من أمثال الفوزان واللّحيدان علمنا أن المرجعية الشرعية للملكة السعودية ومصدر الإفتاء والتوجيه الديني فيها بقيت كما هي: ذات منحى تكفيري لا يعترف بالآخر المختلف ولا يعرف التسامح وأبعد ما يكون عن “الإسلام الوسطي المعتدل” الذي تروّج له وسائل الإعلام السعودية الموجّهة.

أما ما قدّمته السعودية من “إصلاحات” على الصعيد الفكري، فهو في الأساس إجراءات سياسية لها علاقة بكسب ودّ أميركا ورضاها، ويدخل في ذلك تصريحات الشيخ محمد بن عبدالكريم العيسى (أُضيفَ إلى عضوية هيئة كبار العلماء مؤخراً) الوديّة واللطيفة تجاه اليهود والصهاينة (زار معسكر الإبادة النازية في أوشفتز وعبّر عن تعاطفه مع الضحايا اليهود) وكذلك الموقف المتشدّد من تنظيم “داعش”، وتلك كلها إجراءاتٌ لإثبات أن المملكة مستعدّةٌ للذهاب إلى أقصى مدى في التعاون مع أميركا سياسياً وأمنياً.

لم تغيّر “هيئة كبار العلماء” موقفها من الصوفية والشيعة والأشاعرة وبقيّة المذاهب الإسلامية، ولم تغيّر نظرتها ومواقفها من المرأة،  ولم تغيّر رأيها في “تطبيق الحدود”، ولم تتخلّ عن عقيدة “الولاء والبراء” ولا عن عقيدة “الفرقة الناجية”.

عقائدياً وفكرياً، لا زالت هي هي وإنما كل الذي حصل أنها تتسامح مع ما تقوم به الحكومة من إجراءاتٍ شكليّةٍ قد لا تستسيغها لعلمها أن ما تقوم به الحكومة هو في مصلحتها في نهاية المطاف لأنها بذلك تحافظ على المذهب وتضمن استمرار وجوده وهيمنته في بلاد الحرمين.

فما دامت الوهابية مسيطرةً على الافتاء والمحاكم والمناهج التعليمية، وما دامت تحظى بالدعم المادي والتوقير المعنوي، فلا بأس بعد ذلك من تحمّل بعض التجاوزات الصغيرة التي تقوم بها الحكومة من أجل المصلحة العامة للنظام.

ولا ننسى أنه من مبادئ الوهابية الأساسية، فكرة “طاعة وليّ الأمر” وأن له السّمْع والطاعة ما دام لم يصدر منه “كفرٌ بواح”! ومن أحبَّ أن يتأكّد مما نقوله، فما عليه سوى متابعة برامج قناتَيْ “وصال” و “صفا” الفضائيتَين السعوديتَين ليرى العجب العجاب مما تقشعر له الأبدان من تكفيرٍ متواصلٍ على مدى 24 ساعةً لكل المخالفين للمذهب، وتحريضٍ على جميع دعاة “التنوير”، وتجديد الخطاب الديني وصل به الأمر إلى تخصيص برامجَ مكثّفةٍ للهجوم ليس فقط على أمثال سيد القمني، ومحمد شحرور، وإسلام بحيري، بل أيضاً عدنان ابراهيم و علي منصور كيالي!

هذه القنوات وأمثالها هي التي تعبّر عن حقيقة مواقف هيئة كبار العلماء، وليس التصريحات المائعة التي أطلقها محمد العيسى، أمام نُصُب المحرقة اليهودية في أوشفتز!

لا يستطيع الحكم السعودي أن يتخلّى عن المؤسسة الدينية الوهابية لأنه لو فعل، سيكون كمن يطلق الرصاص على قدميه. المؤسسة الوهابية هي أساس شرعية نظام الحكم وبدونها يصبح الحكم السعودي عارياً تماماً.