اليمن.. الحكومة المعترف بها في ورطة تجاه ما يجري في غزة وفي البحر الأحمر.. مواقف مُعيبة تحشرها في الزاوية..!

5٬667

أبين اليوم – مقالات وتحليلات 

بقلم/ صلاح السقلدي:

ارتعبتْ الحكومة اليمنية – المُعترف بها- مِن ذِكر الولايات المتحدة  الأمريكية بالإسم وهي (الحكومة) تعبّر عما اسمته بـ أسفها الشديد لعدم إعتماد مجلس الأمن الدولي مشروع القرار العربي الذي تقدمت به الجزائر، و الداعي لوقف إطلاق النار في قطاع غزة.

فهي حقاً في ورطة حقيقية، أو قُل واقعة في حالة تخبط شديد وتناقض صارخ ومُحرج بشأن جرائم العدوان الصهيونية على الشعب الفلسطيني وتجاه الأوضاع المتفجرة في البحر الأحمر.

ففي الوقت الذي تحاول فيه عدم الظهور بمظهر المتخاذل المتماه مع الرغبة الأمريكية العدوانية المنحازة للكيان الإسرائيلي ومُذعنة لضغوطات الدول الخليجية الُمطبّعة سِراً وعلناً مع العدو فإنها (الحكومة اليمنية) في الوقت عينه تجد نفسها في موقف مخز ومعيب بالداخل اليمني الذي يتعاطف معظمه مع الشعب الفلسطيني ويستهجن الفظائع الصهيونية في غزة والضفة الغربية بل وتجد أنها باتت  محشورة في مربع الحلف المتخندق مع كيان الإحتلال..

وهذا الموقف المعيب الذي تجلى على صورة بيانات وتصريحات لوزارة الخارجية ووزير إعلامها، علاوة على تصريحات رئيس المجلس الرئاسي، وكلها تصريحات تطفح بالتملق والنفاق لخطب ودّ أمريكا، استثمره خصومها بذكاء ودهاء. فحركة (أنصار الله) التي تسيطر على كل الشمال اليمني تقريباً بما فيها العاصمة صنعاء تقدم نفسها بنجاح -حتى الآن على الأقل-بأنها تقف مع الشعب الفلسطيني ومع غزة تحديداً وتبذل ما بوسعها لتخفيف الضغط على غزة من خلال تقويض الحركة التجارية الإسرائيلية وتشتيت تركيز القوات الأمريكية بالمنطقة ضمن مسار محور المقاومة في فلسطين  ولبنان والعراق وسوريا..

وبهكذا موقف لهذه الحركة ينظر معظم الناس في اليمن وخارج اليمن بتقدير، وبالمقابل يرى في موقف “الحكومة اليمنية” المعترف بها بأنها مواقف مخزية وخائنة لقضايا الأمة، وبأنها حكومة مجرد ركيزة لا حول لها ولا طول بيد الخارج. وهذا الاعتقاد يعززه ليس فقط البيانات المتخاذلة بل التصريحات المريبة التي  يتطوع رموز تلك الحكومة بتقديم خدماتهم للعدو الصهيوني من خلال عرض مشاركتها بالعمليات العسكرية بالبحر الأحمر ضمن الدول الغربية التي تقودها واشنطن ولندن باسم قوات حراس الازدهار في وقت يتعرض فيه الشعب الفلسطيني لمجازر مروعة.

فبرغم أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تلقِ بالاً لتلك المطالب إلا أنها ( الحكومة اليمنية) ما تزال  تعرض خدماتها المجانية اعتقاداً منها بأنها بمثل هكذا إذلال ستفوز برضاء البيت الأبيض في محاكاة ضحلة لتجربة الحكومة الأوكرانية مع أمريكا والغرب.

– الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون ليسوا بحاجة لدعم الحكومة اليمنية التي لا تملك أصلاً من القوة البحرية التي تؤهلها أن تكون رقماً  بحرياً في البحر الأحمر أو حتى في باب المندب وخليج عدن، فهي لا تملك سوى  بضعة زوارق متهالكة محدودة القدرات والسرعات والتسليح، علاوة أن معظم ضباط وجنود البحرية اليمنية إما يقاتلون في صفوف الحركة الحوثية أو مقصيين في منازلهم منذ سنوات بعد أن اتت الحروب على وحدات وزوارق هذا السلاح.

ولكن هذا التجاهل الأمريكي للخدمات المتكررة من الحكومة اليمنية يظل فقط محكوماً بعاملين:

– أولاً: الولايات ترى في إشراك الحكومة اليمنية ولو رمزياً بأنها ستبدو أمام العالم وأمام الشعب الأمريكي بأنها قد عقدت العزم على غزو اليمن وبأنها أصبحت على تخوم التورط في حرب برية على غرار توريطة الحروب الأمريكية في فيتنام وأفغانستان والعراق، كما أنها (أمريكا) لا تنوي توسيع رقعة الصراع بالشرق الأوسط، خصوصاً مع تصاعد السخط العالمي بوجه الموقف الأمريكي المساند للجرائم الإسرائيلي في غزة.

فواشنطن ترى في موقفها المنحاز لإسرائيل لطخة عار في جبينها وتحاول بالتالي ألّا تعمق الشعور الدولي ضدها بفتح حروب جديدة في مناطق أخرى كاليمن.

ـ ثانياً: الولايات المتحدة -التي تعهدت منذ اليوم الأول لولاية الرئيس بايدن بأنها ستسعى لطي صفحة الحرب باليمن- لا تريد أن تقوّض جهود حليفها الاقتصادي الخليجي الثري”المملكة العربية السعودية” والجهود الأممية التي تم إحرازها بالأشهر الماضية، ونعني هنا ما تحقق من تفاهمات بعديد من الملفات المهمة بين الرياض وصنعاء والتي كانت على وشك التتويج بالتوقيع لولا أحداث غزة.

فالسعودية ومعها الإمارات العربية  المتحدة  قاومت الضغوطات الأمريكية بالانخراط بتحالف بحري في البحر الأحمر لئلا ينفطر عُقد إنجاز المفاوضات التي تمت مع صنعاء وحتى لا تعود الحرب إلى نقطة الصفر من التفجر، وهذا الأمر هو آخر ما تتمناه المملكة التي صرفت نظرها تماماً عن فكرة الحسم العسكري بعد أن أخفقت هي وحلفائها المحليين في إحراز نصر عسكري طيلة ثماني سنوات..

كما أنها عوضاً عن العودة الى نقطة الصفر تتلمس طريقها بالداخل لتحقيق مشاريع اقتصادية واجتماعية طموحة لن تتمكن من إنجازها إلا بحالة إستقرار إقليمي وسكينة داخلية.