أزمة جنود الاحتياط في “الكيان الإسرائيلي“.. مشاكل اقتصادية وقيمية ونفسية..“تقرير“..!

5٬901

أبين اليوم – تقارير 

وسائل إعلام إسرائيلية تشير إلى الصعوبات التي تواجه جنود وضباط الاحتياط في “الجيش” الإسرائيلي والتي تسبب في تزايد “علامات تآكل” في الحافزية.

بعد أكثر من 100 يوم من الحرب في قطاع غزة، ومن المواجهات العسكرية العنيفة مع المقاومة في لبنان، ظهر الإهتمام في “إسرائيل” بالمشاكل والصعوبات التي يمرّ بها جنود وضباط الاحتياط في “الجيش” الإسرائيلي، البالغ عددهم أكثر من 220 ألف شخص، بحسب معهد أبحاث الأمن القومي، من النواحي العسكرية، الاقتصادية، الاجتماعية، والنفسية والتي وصلت، وفقاً لخبراء، إلى حدّ ظهور “علامات تأكّل” في الحافزية، وبوادر انهيار في منظومة علاقات عناصر الاحتياط العائلية والعملية.

بدل مالي ضئيل:

أشارت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، إلى أنّه توجد نماذج عديدة عن التذمّر والاحتجاج المرتبط بالمقابل المالي من قبل جنود عناصر الاحتياط، حيث اشتكى بعضهم من الذين يعملون في “وحدة المسح الأركانية”، المسؤولة عن تحديد مكان وإخلاء الجثث في حالات الطوارئ، من واقع أنهم سيحصلون فقط على نصف المنحة التي حدّدتها الحكومة لجنود الاحتياط المشاركين في الحرب في وظائف قتالية: نحو ألفي شيكل (500 دولار)، بدلاً من أربعة آلاف شيكل (1000 دولار).

وأضافت الصحيفة أن شكاوى مُماثلة وردت حتى من وظائف قتالية في الاحتياط في الألوية القتالية، مصنّفة على أنها “مكتبية”، حيث تحاول وزارة المالية “التوفير في المساعدة القليلة التي تقدّمها أصلاً” لجنود الاحتياط. وصرّح أحد الجنود في هذه الوحدة. “شعرنا بالخجل من تلقّي نصف منحة. أشخاص يتركون كل شيء ويُخاطرون بحياتهم في مناطق العدو.. إنهم لا يقيمون لنا وزناً”.

أعباء غير إنسانية:

تحدثت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية أيضاً عن شكوى إضافية لدى جنود الاحتياط ترتبط بما أسموه في “إسرائيل”، العبء غير الإنساني، حيث تم استدعاء مقاتلين، كانوا قد حصلوا لتوِّهم على تسريح بعد 90 أو 100 يوم من الخدمة المتواصلة، لخدمة إضافية لمدة 40 يوماً، في إطار “التشغيل العملياتي” في غلاف غزة، أو في الضفة الغربية.

واستناداً إلى هذه الأمثلة وغيرها، أشارت الصحيفة إلى أن الجنود الذين يعملون لحسابهم الخاص ينهارون بصمت، والواقع على الأرض بات مستحيلاً بالنسبة لعشرات الآلاف من جنود الاحتياط، الذين يئنون تحت عبء، يُشبه الفترات الطويلة لجنود الاحتياط بعد حرب يوم الغفران. ونقلت الصحيفة عن قائد لواء في الاحتياط قوله: “لقد وصل الجنود إلى حالة من التفكّك، وخاصة أصحاب الأعمال الصغيرة ومتوسطة الحجم. وبدلاً من أن تساعدهم الدولة، تتركهم يسقطون أو يعتمدون على التسوّل والتبرعات”.

وأوردت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية مشكلة إضافية يمرّ بها جنود الاحتياط هي “ضائقة عدم اليقين”، التي لها تبعات نفسية وعملية وتشغيلية، حيث أنه من المفترض أن تقوم شعبة العمليات بترتيب “جدول التشغيل العملياتي” لسنة 2024، من أجل تقليص ضبابية المعركة على ألوية الاحتياط، ولكن في ظل غياب خطة لليوم التالي في غزّة، والجبهة الشمالية، فلا أحد يعرف بالضبط متى وأين وإلى متى ستتمّ إعادة انتشار ألوية الاحتياط طوال هذا العام.

وأضافت الصحيفة أن الوضع في المنطقة الشمالية أخطر، حيث جرى إبلاغ الذين يخدمون هناك أن انتهاء صلاحية الأمر 8 (أمر استدعاء جنود الاحتياط للالتحاق الفوري بتشكيلاتهم العسكرية)  لا تبدو في الأفق، وأن طول الخدمة الاحتياطية على الحدود اللبنانية سيستمرّ لعدة أشهر إضافية.

تأكّل الحافزية:

صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، تحدّثت بدورها عن مشاكل جنود الاحتياط، وأشارت إلى أن الثغرات والمشاكل التي يواجهها جنود الاحتياط، تتكاتف على إنتاج تأكّل تدريجي، طبيعي، للحافزية التي ظهرت في بداية الحرب، ومن علامات هذا التأكّل: تذمّر جنود من طول مدة الخدمة الاحتياطية، حيث يسود اعتقاد لدى جنود كثر بأنهم خلال 100 يوم من الخدمة المتواصلة قاموا بدورهم بشكل جيّد، والآن لا يوجد مبرّر لإبقائهم أكثر في الخدمة.

إلى ذلك يُضاف القلق من الاستدعاء مجدّداً بعد التسريح، الأمر الذي سيزيد ظاهرة “الرفض الرمادي” للخدمة الاحتياطية، حيث يتذرّع جنود بحجج مختلفة، كي لا يعودوا إلى الخدمة عند استدعائهم بعد فترة الانتعاش.

وتحدّثت تقارير في “إسرائيل” عن الانعكاسات والتبعات النفسية على الجنود الذين يؤدون فترة احتياط طويلة، حيث قدّر خبراء في معهد أبحاث الأمن القومي أن الجنود الذين سيعودون إلى حياتهم الاجتماعية والعملية، سيواجهون ضغوطاً نفسية من جانب عائلاتهم وأماكن عملهم، سواء كانوا موظفين أو أصحاب مصالح مستقلة، خاصة أن استدعاءهم جرى بشكل فوري بناء للأمر رقم 8، أي من دون فرصة لترتيب شؤونهم الشخصية أو العائلية، أو الدراسية أو العملية، وقد تم تجنيد نحو 220 ألفاً من هؤلاء في  التشكيلات كافة.

وما سيُعقّد الأمور أكثر، بحسب الخبراء في معهد أبحاث الأمن القومي، هو ترافق تلك الصعوبات الاجتماعية والاقتصادية، مع صعوبات نفسية ناتجة عن التجارب الحربية القاسية، التي انعكست سلباً على حياتهم على شكل كوابيس في الليل، وأرق، وعدم تأقلم وغيرها.

وكنموذج آخر على البُعد القيميّ، يُورد معلقون عسكريون، عيّنات من شكاوى ضباط وجنود احتياط، تتعلّق بنظرة وتصرّف هيئة الأركان العامة في “الجيش” تجاههم، حيث يجري التعامل معهم “كتحصيل حاصل”، أو “كأمر بديهي”. فبحسب  معهد أبحاث الأمن القومي، يميل الجنود في الخدمة الدائمة إلى التعامل مع عناصر الاحتياط كـ”مورد بديهي”، وطريقة التعامل هذه ارتفعت حدتها في هذه الفترة بنحو سبعة أضعاف.

وتظهر مؤشّرات هذه النظرة، أي من الأعلى إلى الأسفل، في تصرّفات بعض قيادات “الجيش” الإسرائيلي، حيث يشعر جنود وضباط الاحتياط بالتجاهل.

فقد روى جنود في الميدان، بحسب موقع واللا الإخباري، أن بعض القادة “يمرّون إلى جانبنا وكأننا غير موجودين”، ليُضيف آخرون: “طفح الكيل من تصرّفات بعض كبار الضبّاط الذين يزورون الجنود فقط من أجل العلاقات العامة والتصوير، فلقد سئمنا من رؤية الضباط برتبة لواء وعميد يأتون مع رائحة العطر من المنزل لمجرد تصويرهم في منطقة قتال، ومن ثم يغادرون”.

وثمّة موضوع آخر وُصِف بالحساس، بحسب معهد أبحاث الأمن القومي، هو الشعور بانعدام الثقة من جانب قادة في “الجيش” بقدرة تشكيل الاحتياط على القتال الفعّال، ولدرجة أنه “سُمعت في فترات معينة مقولات بشأن عدم الحاجة للاحتياط، خصوصاً في ذراع البر، لعدم ملاءمته مع المناورة البرية”.

هذه الثغرات والفجوات أثارت قلقاً لدى باحثين في معهد أبحاث الأمن القومي، حيث رأوا أنه على الرغم من الدعم الداخلي الواسع لأهداف الحرب، والاعتقاد الجارف بعدالتها، لكنّ ثمّة خطراً بأن تخمد هذه المكوّنات مع مرور الوقت، ولا سيما أن فرضية بقاء جنود الاحتياط بتصرّف “الجيش” الإسرائيلي من دون حدود زمنية وبكامل قوتهم هي فرضية غير منطقية.

مشكلة “الحريديم”:

إعفاء المتدينين “الحريديم” من الخدمة العسكرية، في عزّ الحاجة إليهم، على الأقل للتخفيف عن كاهل المكونات الاجتماعية الأخرى، أثار امتعاض العديد من الجهات في “إسرائيل”، لجهة عدم العدالة في تحمّل عبء الخدمة العسكرية، والتمييز بين العلمانيين والحريديم.

وفي هذا السياق، لفتت “هآرتس” الإسرائيلية في إحدى افتتاحياتها إلى أن نموذجاً واحداً فقط لم يتغيّر على الرغم من الكارثة في 07/10، وهو نموذج تجنيد الحريديم في “الجيش”، ولا سيّما في حرب من دون أفق زمني، ومدى جغرافي يتوسّع مع الوقت، فإنّه بذلك يُمثّل ضربة خطرة للغاية لأولئك الذين يخدمون.

ولفتت الصحيفة إلى أنّ الطريقة الوحيدة التي يمكن الاستغناء فيها عن خدمة الحريديم هي تمديد الخدمة الإلزامية، وتجنيد جنود الاحتياط لفترات أطول. هذا يعني أن مئات الآلاف من الأشخاص المُنتجين سيخدمون في “الجيش”، بينما سيبقى عشرات الآلاف من الشباب الحريديم في المدارس الدينية ولن يساهموا في المجهود الحربي أو الاقتصادي.

المصدر: الميادين